Image Background

اخترنا لك

فراس والدبور: قصّة عن التنمّر

اخترنا لك: كتب


فراس والدبور: قصّة عن التنمّر
حنان أبو جارور

نص: فاطمة فرحات
رسوم: علي شمس الدين.
إصدار: دار الحدائق
للأجيال 7_12

كم مرّة وقعتم حائرين بين مبدأ "إلي بضربك أضربه"، وبين "معلش، الله يسامحه، وحاولوا تتفاهموا بالحكي"؟

"فراس والدّبور" هي حكاية عن التنمّر، وهي أكثر القضايا تحديا في واقع أطفالنا وواقعنا المُعاصر.
تحكي الرواية عن فراس المُتعب والقلق نفسانيًّا من الاعتداءات التي يمارسها ضدّه التلميذ الجديد طلال.
طلال لا يحبّ ان أن يرى أحدًا سعيدًا. وبسببه تتحوّل لعبة كرة القدم الى مصارعة، والوقوف امام الدكان في االفرصة مغامرة خطيرة لاعتدائه على كلّ من يقف أمامه. من خطف الطعام إلى السخرية اللاذعة والمُذلّة. يظل فراس مُحاطا بكل أفعال التنمّر هذه التي تثقل كاهله وتقضّ مضجعه، إلى أن يلسعه دبّور حقيقيّ. وبالحوار الحكيم ااذي تطرحه والدته معه لتفادي لسعات الدبابير يقترب فراس رويدًا رويدًا من السيطرة على الوضع، لكنّ طلال يستمرّ بأفعاله، حتّى يكشف بستاني المدرسة الذي تعاطف مع ألم فراس حيلته التي يتبعها للتّخلص من الدبابير من خلال خبرته بالتعامل معها. ومن هنا، يُصر فراس بمحاولات عديدة وبتدابير واعية وثابتة مواجهة تنمّر طلال.
أحببت الرواية لأنّها تُحاكي قضية حيّة ومنتشرة جدًّا وعامّة؛ فهي لا تقتصر على فئة اقتصاديّةٍ أو اجتماعيّة واحدة وإنّما تَطالُ جميع فئات مجتمعنا بأكمله.
مبنى الرّواية الشّكلي جاذب لجيل الناشئة، هذا الجيل الذي يجمع بين عالم الكبار والأطفال في آنٍ واحد، فهو بوابتهم نحو المرحلة القادمة، مع أنّ عالم الطّفولة في الوقت نفسه ليس وراءهم بعد. بمعنى، أنّ قطْعَه يُشبه روايات الكبار فيشعرون بأنهم كبروا ولم يعودوا صغارًا، وهذا يتماشى مع شعورهم النّفسانيّ، ولكنّ الرواية في الوقت نفسه تحوي رسوماتٍ، وهذا أيضا يُجيب على حاجة نفسانيّة تطوّرية ما زالت ترافقهم من عالم الأطفال. ولهذا فشكلها حلقةٌ واصلةٌ بين مرحلتين تطوريّتين.
يذكر أنّ طلال طالبٌ متفوّق، وهنا تنبيهٌ لنا جميعا بأنّ التنمّر لا يقع بالضرروة على الضعاف تحصيليًّا واجتماعيًّا أو ممّن نعتقد انهم مُحصّنون . يبرُز دور الأم أو الكبير الذي كان لمرافقتهما واحتوائهما وقُربهما الجسديّ والنّفسانيّ دور أساسي في مواجهة التنمّر وتوجيه رد الفعل السلوكيّ والنفسانيّ لابنها المُعنّف. خاصة تلك الكلمات الصغيرة القويّة التي كانت ترفقها بزوّادته لتذكّره بحبّها له دائمًا.
أكثر ما أحببته في هذه الرواية أنّ شخصيّة فراس على رغم قلقها وقلّة حيلتها أحيانا، إلا أنّها كانت فاعِلة نَشِطة في سبيل إيجاد الحلّ والتدابير اللازمة لفهم الأمر ومواجهته، وفي هذا رسالة تشجيعيّة قويّة جدًّا للقارئ المُتلقّي في أخذ زمام الأمور والتحلي بالشجاعة. وتظهر هذه الرّواية من منظور آخر، شخصيّة المُتنمّر، فهو ليس قويّا كما يدّعي وكما تُظهر تصرفاته. وهذا أيضا من شأنه أن يعزّز الفهم والإدراك لدى المُعتدى عليه، ما يساعده أيضًا في المواجهة.
الرواية تعرض طرقا قد تكون مثاليّةً للوقوف في وجه الأذى والإعتداء البدني والنفسانيّ من الأقران. فثقافة (إلّي بضربك أضربه)، هي من أكثر الثّقافات تهديدا وإخافة وأذيّةً للطفل. فالتّرحيب بالعنف كحلٍّ أوليٍّ إضافة إلى إدخال شعور الاستحسان لنهج الضرب، يجعلنا نحمّل أطفالنا حملا ثقيلا وحرمانا تربويًّا بعدم إكسابهم إستراتيجيّات فهم إدراك ومواجهة. وماذا لو كان من يعتدي عليه أكبر منه؟ وماذا لو لم يستطِع الرّد؟ بهذا نظل نضع أطفالنا في دائرة مفرغة من الضعف وقلة الحيلة.

أخرجت هذه الرّواية الطفل من دائرة "الضّحيّة" وهذه أول خطوة للتّعزيز، بالدعم والحوار والحبّ، بذلك نحوّله الى طفل واثق أمره بيديه يُناقش ويعارض، وهذا بحدّ ذاته يشكّل رادعًا أمام أيّ مُعتدٍ. وكذلك شخصية الام والراشد في الرواية المحتوية فتحت ابواب المُصارحة بالمشكلة، لأنّ الطفل هنا لا يشعر بأنّه مذنب ولن تتهاوى عليه الاتهامات. من خلال الحوار نحن نخلق وعيَ أطفالنا: يعي ما هو الاعتداء، ما هي حقوقه وكيف يرفع صوته أمام كلّ ما لا يشعر بالرّاحة حِياله. وبالتالي يترتّب على ذلك الادراك بأنّ طلب المساعدة ومشاركة البالغين بالاعتداءات هما أمران صحّيّان ومُلزمان.
تعرض الرّواية إستخدام لغة الجسد كأداة لمواجهة المُعتدي، كمالحافظة على اتصال بصريّ معه ونبرة صوت هادئة وقُرب جسديّ ثابت يرسل رسالة للمعتدي ان هذه ليست فريسة سهلة. النظر بعيدا، الاكتاف المحنية، الصوت العالي الفزع هي دلالات على الخوف والإرتياب.
قراءة هذه الرّواية برفقة الأهل أيضًا هي فرصة رائعة للإجابة عن أسئلة واستفسارات قد يبوح بها الطفل، وهي كذلك فرصة رائعة للحديث عن آليات التصدّي للإعتداءات في حالة حدثت أو ستحدث.
العالم قاسٍ ومخيف بالنسبة لأطفالنا وهذا ما يجعلنا نفكّر دائمًا في جعل هذا العالم مكانًا أفضل ليعيشوا فيه. ولكننا عاجلا أم آجلا نكتشف أنّ ذلك غير ممكن، وأنّ ليس باستطاعتنا تغيير كلّ العالم من أجل أطفالنا. ولكنّنا حتما نستطيع تربية أطفالنا ليقفوا أمامه ويواجهوه.

  • التاريخ: 20/11/2020
  • كلمات مفتاحية: كتب