Image Background

اخترنا لك

أشجار الزيتون هذه: قصّة عائلة فلسطينيّة

اخترنا لك: كتب


أشجار الزيتون هذه: قصّة عائلة فلسطينيّة
لؤي وتد

كتاب أطفال جديد ينضم إلى رف أدب الأطفال الفلسطينيّ باللغة الإنجليزية، هو كتاب "أشجار الزيتون هذه: قصة عائلة فلسطينيّة" (These Olive Trees: A Palestinian Family's Story)، تأليف الفنانة آية غنّامة. يروي الكتاب قصة طفلة فلسطينيّة تدعى عُريب وعلاقة عائلتها بالأرض على خلفية النزوح والحرب والتهجير.

تدور أحداث القصة في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من نابلس، وتتتبّع عُريب وهي تتنقل عبر تعقيدات تاريخ عائلتها والرابط الدائم الذي يتقاسمونه مع أشجار الزيتون التي تحيط بمنزلهم. مستوحاة من تجارب عائلة غنّامة، وخاصة تلك التي عاشتها جدّتها عُريب البالغة من العمر 70 عامًا. ويُجسّد السرد بوضوح مفهوم صمود الشعب الفلسطينيّ وهويته.
ما يميّز الكتاب عن غيره في هذا السّياق، أنّه ليس مباشرًا بطريقة مُجنّدة، بل هو كتاب يتمحور ويتمركز حول قصّة طفلة واحدة وعلاقتها بشجر الزيتون وموسم الزيتون. كلما تقدّم الكتاب، تمكنّا، نحن القراء، من التعرف أكثر إلى تاريخ عائلة عُريب وكيف هُجّروا في البداية من الطيرة إلى أن استقرّوا في مخيّم بلاطة. التهجير غير مذكور بهذه الكلمات بل بطريقة رمزيّة أكثر في النصّ: "في أحد الأيام، قبل ولادة عُريب، جاءت الحرب. حملوا ما تمكّنوا منه ومشوا لأيام حتى وصلوا الطرف الآخر من البلاد للهرب منها (من الحرب)، ولكنهم لم يتمكّنوا من إنقاذ أشجار الزيتون". أمّا في الرسومات، فتمثيل الحرب يأتي من خلال تصوير أيدٍ بيضاء، شبيهة بالأشباح، تتقدّم من البلد وتخيّم فوقها. هذه القصّة تأتي في الخلفيّة فقط عندما تشاركنا عُريب أنّ عائلتها كانت تزرع وتعتني بالزيتون وتنتظر موسمه حتى عندما كانوا في الطيرة. ثم تضيف أنّ ولادة عُريب وإخوتها في المخيم حوّلته للبيت الوحيد الذي يعرفونه. بيت يتمثّل بالكثير من أشجار الزيتون.
مرة أخرى تأتي الحرب بأيديها الشبحيّة إلى المخيّم، وتضطرّ عُريب وعائلتها للخروج مرة أخرى في رحلة بحثا عن خيمة أخرى. وهنا كذلك نجد أنّ محور القصّة يدور حول شجر الزيتون، حين تسأل عُريب والدتها عمّا سيحصل مع شجر الزيتون. قلق عُريب على شجر الزيتون بعد رحيلهم يحرّك القصة نحو إيمان عُريب بأنّ الحلّ الوحيد هو زراعة الزيتون في الأرض، والصبر حتى ينمو. بعد زرع البذرة في الأرض، تنظر عُريب إلى السّماء وتطلب من الغيوم الاعتناء بالشجرة وسقيها. مفهوم الصّبر والأمل هنا يحاكي فكرة الإيمان بالصمود والتمسّك بحلم العودة، فتقول عُريب وهي تنظر إلى الأيدي الشبحيّة تعيث فسادًا في المخيم، موجّهة حديثها لأشجار الزيتون: "انتظروني. يومًا ما، عندما نكبر، سأعود للقطف (أو الحصاد)" (Wait for me. One day, when we're older, I'll return to you to harvest.). استعمال الكلمة return بالانجليزية بدلًا عن back التي قد تناسب أكثر مفهوم الجملة اللغويّ، هو واضح وملحوظ ويأتي للتركيز على مفهوم حق العودة (Right of Return).

إذًا عمليًا تعرض هذه القصة نموذجًا مألوفًا في الأدب الفلسطيني الذي يتمحور حول مفاهيم الصمود والعودة ولكنه يعرضها بطريقة جديدة مميّزة، من خلال ثيمة موسم الزيتون والعلاقة الفلسطينية معه. فكرة القصّة وتنفيذها ممتازان جدًا ونوعيّان، إلا أنها تعرض مفهوم وكالة الطفل بطريقة ضعيفة بعض الشيء، وأقرب إلى الواقع التراجيديّ لتهجير الفلسطينيّ من مخيم إلى آخر. لكن بمفهوم آخر يمكننا كذلك فهم نظرة عُريب إلى السّماء كدعاء وتمسّك بالإيمان الديني بأحقية العدالة السماويّة، ثم يليه اتخاذ الزراعة كموقف يعبّر عن نشاط سياسيّ يمثّل تمسّك الفلسطيني بعلاقته بالأرض. يمكن عرض هذه العلاقة كمفهوم حي للصمود، وكذلك، فيه نظرة إلى المستقبل وحلم العودة.

تمثيل الحرب والتهجير والاحتلال بصورة أيدٍ شبحية بيضاء، فيه رمزيّة كبيرة وقوية لمفهوم التهديد الآتي من مكان بعيد، وفي الوقت نفسه يحمل تأثيرًا قريبًا ومباشرًا. لونها الأبيض قد يتماشى مع مفاهيم الاستعمار الأوروبي الذي خلق علاقات قوة بين الرجل الأبيض والآخر في الشرق الأوسط وفي أفريقيا. وهناك رمزيّة أخرى في اختيار تصوير الأيدي التي هاجمت الطيرة في قصة التهجير الأولى (كرمزية للنكبة في 1948) على أنها ذات الأيدي التي تهاجم مخيم بلاطة في قصّة التهجير الثاني (كرمزية للنكسة في 1967).

يتجاوز "أشجار الزيتون هذه" حدود كتاب الأطفال النموذجي، ويقدم للقراء فهمًا أعمق للتاريخ الفلسطيني ومفهوم مواصلة النضالات المُستمرّة التي تواجهها العائلات الفلسطينيّة عبر الأجيال. كل هذا مع الحفاظ على اللغة والرسومات المناسبة للعمر، فالكتاب يناسب أعمار أربع سنوات حتى سبع سنوات.

بالإضافة إلى القصة النوعيّة، يتضمن كتاب "أشجار الزيتون هذه" رسالة أخيرة من المؤلفة توفر سياقًا قيمًا للأهالي والمُربّين الذين يحصلون على الكتاب، وتشجّع على المزيد من الاستكشاف والمناقشة للتاريخ والثقافة الفلسطينيّيْن. وإلى جانب الرسالة نجد صورًا قديمة لأفراد عائلة المؤلفة التي تضيف مفهومًا واقعيًّا للقصة وتزيد من تأثيرها ووقعها على القراء.
باختصار يمكنني أن أقول إنّ الكتاب رائع ونوّعي وأوصي به بشدّة، فهو يتمكّن من عرض سياق تاريخيّ وثقافيّ واجتماعيّ بطريقة ممتازة جدًّا، للأهالي الذين يختارون كشف أطفالهم على السّياق الفلسطينيّ العام. بإلاضافة فإنّه كتاب مُمتاز لمناقشة وعرض موسم الزيتون ودور الزيتون في الثقافة والرواية الفلسطينيّتيْن.

آية غنّامة مؤلفة ورسّامة ومُصمّمة أدب أطفال فلسطينيّة من عمان الأردن، وتسكن في نيويورك. تخرّجت من كلية رود أيلاند للتصميم و"أشجار الزيتون هذه" هو كتابها الأول كمؤلفة ورسّامة، صادر عن دار كتب فايكينغ (Viking Books).

These Olive Trees.

August 22, 2023, Viking Books, Penguin Random House
يمكنكم الحصول على الكتاب عبر هذا الرابط

  • التاريخ: 20/02/2024
  • كلمات مفتاحية: كتب