Image Background

اخترنا لك

مامبا - في نهاية كلّ نفق، حتمًا هناك ضوء

اخترنا لك: كتب


مامبا - في نهاية كلّ نفق، حتمًا هناك ضوء
نجوان طه

قصّة "مامبا" هي قصّة مصوّرة للأطفال، والإصدار الأوّل للمؤلّفة والمربية فاطمة أبو غوش-حجازي، لتشاركها بالرسومات الفنّانة شارلوت شاما.
تتحدّث القصّة عن مأزق الذئبة الصغيرة "مامبا" في الوقوف على التلّة ومحاولاتها المتكرّرة للعواء ومناداة القمر من دون جدوى، فكلّ الذئاب الصغيرة نجحت في ذلك إلّا هي، ما سبّب لها الحُزن، فراحت تفكّر وتفكّر، وتبحث عن الحلّ. فهي لن تشعر بأنّها مثل بقيّة الذئاب في القطيع إلّا إذا نجحت في هذه المهمّة بالذات. هنا تتحدّث المؤلفة عن الميزة الفطريّة لمخلوق معيّن، لكنّها بدورها تحاول إخبارنا بأنّ ما من شيء سيبدو ناجحًا ومثاليًا من دون محاولات كثيرة، ونلاحظ أنّها لم تستخدم مصطلح "الفشل" بل استبدلته بمصطلح آخر أخفّ حدّة على البالغين قبل الصغار مثل "لم تتمكّن"، ما يلعب دورًا مهمًّا في تشجيع الصغير من دون الشعور بالحرج أو النقص.

التحدّث إلى النفس:
بعد أن تكوّرت الذئبة الصغيرة على نفسها في مغارتها، وواجهت عصارة أفكارها، تفجّر السؤال: "فكّري إلى أيّ مكان يذهب صوتك حين يظهر القمر؟" وسؤال كهذا يحفّز خيال القارئ الصّغير، ما يساعده على تنميته والخروج من قوقعة المألوف والعاديّ، ويفتح أمامه آفاقًا جديدة، تساعده لاحقًا في ممارسة عادة التحدّث إلى النفس وسؤالها ومساعدتها في إيجاد الحلول.
محاولة البحث عن مساعد خارجيّ:
تقرّر الذئبة الصغيرة صباحًا زيارة الجدّة لتساعدها في تعلّم العواء، وهنا نلاحظ أنّ اختيار المؤلفة لشخصيّة الجدّة لم يكن عبثًا، فمن الطبيعيّ أنّ لـ"مامبا" أمًا وأبًا وربما أشقّاء، لكنّها اختارت الجدّة بالذّات، كي تخبرنا بأهميّة الجدّات لدى الصغار، والرّاحة النفسية والشعور بالأمان لديهنّ واعتبارهنّ ملاجئنا في وقت الضّيق، والحاجة إلى حكمتهنّ في الحياة، ما يدفع الصغار للتوجه إليهن في كلّ استفسار أو مأزق من دون تردّد أو خجل.
وتوضّح المؤلّفة أيضًا الفرق بين بيت العائلة وبيت الجدّة، فبيت العائلة هو منطقة الأمان الأولى بالنسبة إلى الصغار، حيث السرعة والسهولة في تلبية الاحتياجات والنداءات، بينما يُشكّل بيت الجدّة مفهومًا مهمًّا للمسؤوليّة والاستقلاليّة لديهم، ومن الممكن أن يكون أكبر خانة أمان للصغار أيضًا، رغم بُعد المسافة. ويتضح ذلك من خلال الطريق التي تقودهم إلى بيوت الأجداد؛ الطريق التي من شأنها أن تحمل العثرات، والتحديات وما إلى ذلك من صعوبات. فيجد الصغير نفسه وحيدًا ما يساعده على احتواء نفسه، والتربيت بنفسه على كتفه، واستيعاب أنّ الوصول إلى بيت الجدّة لا يقتصر على الوصول الجسديّ فحسب، وإنّما ترقّب نظرات الإعجاب والدعم والفخر من الجدّة، ما يشجعه مرّة بعد أخرى على تقلّص خوفه.
التناصّ:
ثمّة تناصّ بين قصّة "مامبا" وقصّة "ليلى الحمراء"من ناحية النصّ والرسومات؛ فكلاهما تتحدثان عن شخصيّة صغيرة في العُمر، تحاول الوصول إلى جدّتها، لكن شيئًا ما يعرقلها في الطّريق، وكلتاهما -أي "الذئبة الصغيرة" و"ليلى الحمراء"- تحاولان التخلّص من المأزق قبل الوصول إلى بيت الجدّة، والشخصيتان ترتديان "الرداء الأحمر". ومن خلال رحلة الوصول إلى الجدّة تحدث نقطة التغيير في كلّ شخصيّة، ويُقصد هنا التغيير الإيجابيّ، إذ نلحظ التطوّر الذي حلّ في الشخصيّة خلال الأحداث: من شخصيّة خائفة ومتردّدة، إلى شخصيّة شجاعة لا تكفّ عن المحاولة حتّى تصل إلى هدفها.
بعد أن أنهيت قراءة القصّة، خطرت في ذهني قصّة ليلى الحمراء، لأنّني أحبّ الذئاب، وأحبّ أن أعرف عنهم دومًا، لذا أقرأ وأبحث عن نمط حياتها، والطّريقة التي تتعامل بها مع بعضها البعض، وتستهويني أيضًا معرفة مشاعرها، وكيف تفرح وتحزن مثلاً. وهذا جعلني أفكر طويلا بسؤال الاختلاف والمصداقية في ذئاب مامبا وذئاب ليلى الحمراء.
الرّحلة في القطار
عبارة عن رحلة مع شخصيّات مختلفة، مثل الفيل، والرنّة، وطائر الطوقان، والسرطان، ولكلّ شخصية أفكارها واختلافاتها وأهدافها. لذا نرى كلّ شخصية تنادي على السّائق وقت حاجتها، كي يتوقّف في المكان الذي تودّه، لتظلّ الذئبة وحيدة، وعاجزة عن العواء الذي هو وسيلتها في التعبير والطلب، ولن يساعدها أحدٌ غير صوتها، لتحاول العواء مُجدّدًا كي تتخلّص من مأزقها؛ تحاول وتحاول حتّى تنجح في العواء أخيرًا، ليسمعها السائق ويوقف القطار، ثمّ تصل إلى بيت الجدّة وهي قادرة على العواء.

التغيير في خلفيّات القصّة
في بداية مأزق "مامبا" وعدم مقدرتها على العواء، وحيرتها وتردّدها وأفكارها ومحاولة البحث عن الحلول، نلاحظ أنّ الخلفيات سوداء، وهي كناية عن الحُزن والتفكير المُفرط في الأمر، وعدم المقدرة على تحقيق الهدف، ما يجعلنا نعيش وسط الظلام، ويُشعرنا بقلة الحيلة. لكن ما أن تبدأ "مامبا" في التركيز على الحلّ ثمّ قرار زيارة الجدّة، والصعود إلى القطار، حتّى تتحوّل الخلفيات من سوداء إلى ملوّنة، وذلك كناية عن أنّ المحاولات بحَدِّ ذاتها تفتح أمامنا طرقًا جديدة، وأفكارًا جديدة، وتوسِّع آفاقنا، وتجعلنا نركّز أكثر على الهدف. وما أن تشعر "مامبا" بالوقوع في المأزق مجدّدًا، حتى تلعب الوحدة هنا دورًا رئيسا في التغيير، حيث تعود الخلفيّات لتكون سوداء، لكن هذه المرّة، السواد سيكون خلاصها، سيساعدها في اكتشاف النّور في آخر النفق، وأنها وحدها من تستطيع مساعدة نفسها.
الخلاصة
قصّة لطيفة، مكتوبة بلغة سلسة، وتساعد الصّغار على اكتساب مهارة التحدّث إلى النفس، والتركيز على الأهداف، وتعزّز تكرار المحاولات، وتعرّفهم على الاختلافات لدى الشخصيات، واكتشاف مواطن القوّة في شخصياتهم، وأنّ اختلاف الشخصيّة يمكّن من اختلاف الهدف، ما يعني أدوات مختلفة لتحقيقه.
تعرض هذه القصّة جانبًا مُختلفًا "للذئاب" عكس تلك الصّور النمطيّة التي أظهرت سيّئاتهم على مرّ الزمن، ولطالما تعزّزت في قصصٍ ودروس سابقة في مناهج المدرسة، إذ أنّ القصّة تساعدنا على رؤية الجانب الجيّد من حياة "الذئاب"، من خلال الصّفات التي تحلّت بها بطلة قصّتنا مثل الشجاعة، والمثابرة، والمسؤولية، خلافًا لصفتيّ المكر والخُبث اللتيْن طالما صدحوا بها.
قصّة تخبر الصّغار بأنّ التيه الذي سيواجهونه في حياتهم، يحتاج إلى الصبر عبر تكرار المحاولات، والشجاعة، وعدم الاستسلام، ولكي نصل إلى مبتغانا، لا بدّ أن نتعب؛ ففي نهاية كلّ نفق، حتمًا هناك ضوء.

قصّة تخبر الصّغار أنّ التيه الذي سيواجهونه في حياتهم، يحتاج إلى الصبر عبر تكرار المحاولات، الشجاعة، وعدم الاستسلام، ولكي نصل إلى مبتغانا، لا بدّ أن نتعب، ففي نهاية كلّ نفق، حتمًا هناك ضوء.
  • التاريخ: 03/05/2021
  • كلمات مفتاحية: كتب