اخترنا لك

بعد فترة طويلة من انتظار فيلم جديد لاستيوهات بيكسار، وبعد سنوات من اصدار أجزاء تالية لأفلامهم (حكاية لعبة 4، سيارات 3، أبطال خارقون 2)، جاء فيلم "المضي قدمًا" (بالإنجليزية: Onward) ببطولة أصوات توم هولاند (سبايدرمان) وكريس برات (ستار لورد).

تقع أحداث الفيلم في عالم خيالي حيث لا وجود للبشر فيه، وتسكنه كائنات الإيلف، الترول، الجنيات وخيول وحيد القرن. يبدأ الفيلم في فكرة "نزع السحر عن العالم" بالضبط كما عرضها باحث علم الاجتماع ماكس فيبر، كظاهرة تشير إلى طبيعة مجتمع الحداثة، الذي يرى في السحر أمر صعب ولا حاجة إليه بعد تطوير التكنولوجيا والحداثة. وهكذا في بداية الفيلم نرى عرض رائع للفكرة فيها أحد السحرة يحاول تعليم مساعده كيفية الحصول على نور بأدوات السحر، إلا أن المساعد يكتشف أن البشرية قد تمكنت من انتاج النوع بأدوات التكنولوجيا، فيترك تعاليم السحر ويبدأ بدراسة التكنولوجيا. هكذا سرعان ما يتطول العالم ليصبح عالم حديث فيه ناطحات السحاب والسيارات، ويصبح في السحر مجرد خرافة أجداد. في عالم "المضي قدمًا" السحر يعتبر خرافة ولكنه في الحقيقة يمثّل تاريخ العالم.
تحكي القصة عن برلي وإيان، اخوان من الإلف، توفي والدهما في سن مبكرة. في أحد الأيام، تقدّم لهم والدتهم هدية تركها لهم والدهم، وطلب منها الاحتفاظ بها حتى يبلغوا سن السادسة عشرة. عندما يفتحون الهدية يكتشفون عصا سحرية وحجر فونيكس، وتعليمات حول كيفية أداء تعويذة ستعيد والدهم إلى الحياة ليوم واحد فقط. فشل التعويذة يمكنهم من إسترجاع النصف السفلي من والدهم فقط (الذي يرافقهم طيلة الفيلم - بشكل غريب)، وفي المحاولة الفاشلة تم تدمير حجر الفونيكس التي استخدموها لأداء السحر. هذه المحاولة تعطيهم امكانية لاستدعاء بقية جسد والدهم خلال يوم واحد فقط، فينطلقان في رحلة بحث عن حجر فونيكس اخر لأداء السحر من جديد.

هكذا تبدأ مغامرة الأخوة للحصول على الحجر المسحور، وخلالها يتمكنون من اكتشاف الكثير عن علاقتهم كأخوة وعن والدهم الذي لم يبلغوا للتعرف عليه. مغامرتهم السريعة مفعمة بالمرح واللهو والتعلم، من خلالها يتعرفوا على مخلوقات غريبة وينكشفون على أسرار العالم لاستعادة السحر. يستعيد الفيلم الكثير من المخلوقات الأسطورية التي نسيتها أو تجاهلتها الثقافة الحديثة، كمخلوق المانتيكور – أو المانتاخوار في الفارسية، وهي مخلوق أسطوري يشبه السفنكس (مثل أبو الهول)، وهو مخلوق سحري ووحشي مع رأس بشري، وجسد أسد، وذيل عقرب.

الفيلم رائع بكل تفاصيله، وبالذات في حبكته السريعة والممتعة، وأخص بالذكر كذلك رسائله الراقية في تشجيع العلاقات الأخوية والصداقة بين الأخوة، فعلاقة إيان وبارلي تتغيّر طيلة الفيلم وعمليًا هي التي تقود الفيلم من بدايته حتى المشهد الأخير. هذا بالإضافة إلى الرسائل النسوية الثانوية في الفيلم، حيث أن والدة بارلي وإيان بمرافقة المانتيكور، تلاحق أبناءها لتطمئن عليهم، وفي طريقها لذلك فهي نفسها تكتشف شجاعتها وقدرتها على الصراع والقتال، مهما كان خطر، من أجل أطفالها. يتمكن الفيلم من كسر قوالب جندرية وأسرية كثيرة، من خلالها يعرض التضحية والحب بصورة حديثة بين الأخوة وبين أفراد العائلة الواحدة.

هذا الفيلم، يستمر بمسار أفلام بيكسار السابقة، ويستعمل معادلتها الناجحة في ارسال شخصيتين لرحلة، فيها يتمكنوا من بناء علاقة شخصية وطيدة بينهم تعتمد على صداقة واحترام وتعرّف على الآخر. بناء الشخصيتين متقن وواضح، فمن خلال الفيلم يخوض المشاهد مخاوف الشخصيات ونقاط ضعفها، كما يخوض معها تجاربها الأولى في التغلب على المصاعب والتمكّن من "المضي قدمًا".

كما ذكرت سابقًا، هذا الفيلم هو أول فيلم غير تكميلي لبيكسار منذ عام 2017 في فيلم كوكو، وهو بالضبط مثله في التعامل مع قضية الفقدان والموت بطريقة رائعة ومناسبة للأطفال. على الرغم من الخيال والمغامرة الواضحة طيلة الفيلم، إلا أن قصته قد تجعل حتى البالغين (خاصة أولئك الذين فقدوا أحد الوالدين) يذرفون الدموع. الصدمات العاطفية في الفيلم ليست شديدة كما كانت في كوكو، لكن "المضي قدمًا" يبقى فيلم مؤثر بشكل واضح وصريح.
باختصار أنصح جدًا بالفيلم، فهو من أروع ما صدر في السنوات الأخيرة في سينما الأطفال. الفيلم مناسب لأجيال 7 سنوات وما فوق.

نذكر كذلك أنه تم حظر الفيلم في الكثير من الدول العربية مثل الكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية، حيث تشير إحدى الشخصيات الثانوية في الفيلم، بدور ضابطة شرطة باسم سبيكتر، إلى أنها مثلية. المشهد المعني هو مشهد قصير جدًا وهامشي، حيث يشكو فيه ضابط شرطة، زوج والدة بارلي وإيان، كيف أنهم لا يحترموه وأن دور الوالدية لزوج الأم هو دور صعب. فترد عليه زميلته سبيكتر (التي تقوم بدورها لينا ويث) بقولها: "ليس من السهل أن تكون والدًا جديدًا - ابنة صديقتي الحميمة تجعلني أمزّق شعري، حسناً؟" ["It's not easy being a new parent—my girlfriend's daughter got me pulling my hair out, okay?"].

في هذه الدول الأربع المذكورة أعلاه، يتم تجريم الأفعال الجنسية المثلية، على الرغم من أن الكويت لا تجرم الأفعال الجنسية المثلية للإناث. ومع ذلك، فإن هذا الحظر ليس عالميًا، وقد تم عرض الفيلم في البحرين والإمارات العربية المتحدة ولبنان ومصر.
في روسيا أيضًا، حيث يجرم القانون عرض المثلية الجنسية بشكل رسمي ونشر المحتوى ذو الصلة بمجتمع الميم (LGBT) على القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. في روسيا اختارت ادارة الدبلجة تغيير صياغة الجملة "ليس من السهل أن تكون والداً جديداً - ابنة شريكي تجعلني أمزّق شعري، حسناً؟ " بدلا من ذلك. وهكذا تجنبت الدبلجة الروسية الإشارة إلى سبيكتر مع ضمائر خاصة بالجنس، فمن غير الواضح ان كان المتحدث ذكر أو أنثى.