اخترنا لك
عائلة كلاوس: بين بهجة العيد وثقل الفقدان
اخترنا لك: أفلام
عائلة كلاوس
The Claus Family
تنتقل سوزان مع ولديها جولز ونور من هولندا إلى بلجيكا، بسبب حصولها على عمل جديد في مصنع البسكويت، يظهر فيما بعد بأنّ هذا الانتقال جاء لصالح الطفلين، حتى يتمكنا من فتح صفحة جديدة بالعيش بالقرب من جدهما. فقد الطفلان والدهما في عشيّة عيد الميلاد في السنة السابقة؛ نور الفتاة الصغيرة غير مدركة بعد للفقدان، بينما يواجه جولز معاناة بارزة في ظلّ الاحتفالات التي تملأ الشوارع. يكرّس الفيلم سيرورته في محاولة علاج هذا الألم، كون جولز في النهاية هو سانتا كلوز المنتظر الذي سيرث هذه المهنة عن جدّه، الذي اكتشف عن طريق الفضول والصدفة أنه سانتا كلوز الحقيقي الذي يوزّع الهدايا على الأطفال عشيّة عيد الميلاد.
تعتبر الأعياد طقوسًا للفرح الخالص والبهجة، وترافقها شعائر احتفال معيّنة كتحضير وإعداد الكعك، وتزيين شجرة الميلاد والبيت وغيرها من العادات المتّبعة. يأخذ الأطفال أنّ هذا هو الانطباع العام والمشترك للعيد: وقت مستقطع من الضحك والراحة واستلام الهدايا، غير أنّ هذا غير صحيح دائمًا؛ فيبدأ الأطفال باكتشاف ذلك عندما يواجهون حالة من الحزن والفقدان الشخصيّ، أو عندما يستمعون وينكشفون إلى قصص وحقائق عن أطفال آخرين أقل حظًا منهم.
لا يستطيع جولز أن يتماشى أبدًا مع فكرة الاحتفال في عيد الميلاد بعدما ارتبط في ذهنه وعاطفته بموت والده، ويشعر بشوق مضاعف لا يعرف كيف يفصح عنه للآخرين، كل شيء في تحضيرات العيد التي يقوم بها الناس في الخارج على مرأىً منه يبدو منفّرًا، ومحفّزًا لألمه، فيتذكر طيلة الوقت الليلة التي سمع فيها عن حادث والده، واحتفالاتهم السابقة بعيد الميلاد كعائلة كاملة الأفراد.
يكرر جولز مرارًا بأنه "يكره عيد الميلاد"، ما يجعل جميع شخصيات الفيلم تشعر وكأنها في مأزق لهذا الشعور، طرق ووسائل كثيرة يعتمدها الجد والأم لمنح جولز التصالح مع خسارته والمضي قدمًا وعدم ربط العيد بالحزن والذكريات المؤلمة، ولكن ذلك لا يتمّ بالسهولة المتوقعة.
يتساءل الأطفال دائمًا عن كيفية وصول سانتا كلوز إليهم، ووضع الهدايا التي تمنّوها بالفعل تحت شجرة الميلاد المزيّنة في البيت. وتلاقي هذه الأسطورة تفاعلًا شديدًا لدى الأطفال سرعان ما يزول عندما يكبرون ويعرفون الحقيقة. لكن الفيلم يبني عالمًا خياليًا كاملًا للطّفل المشاهد، إذ يبيّن أنّ سانتا لديه بلّورة سحريّة يقوم من خلالها بالتنقل من مكان إلى آخر بسرعة قياسيّة. ويظهر الفيلم أيضًا بيته الخشبيّ الذي تحيطه الثلوج، ومخزنًا كبيرًا جدًا من الهدايا، التي تساعده في تحضيرها ورزمها مجموعة من الأقزام. ويدخل سانتا البيوت عن طريق الداخن والنوافذ المفتوحة، ويتلقى في أحيانٍ كثيرة الرسائل والهدايا أيضًا، وبضع قطع من كعك العيد الذي يتركه الأطفال مرفقًا برسمة من رسوماتهم. تعزّز هذه المشاهد خيال الطّفل في السؤال ومعرفة المزيد عن حياة سانتا، وتحافظ على استمرار الأسطورة والقصّة السائدة عنه.
يبدأ جولز بمرافقة جدّه بعد أن يكتشف بأنّه سانتا الحقيقيّ، وذلك بعد تعرّض الجد لحالة صحيّة حرجة. في البداية يبدو الأمر لجولز ممتعًا ومسليًا، خاصّة بأنه يخترق للمرة الأولى عالم سانتا المليء بالعجائب والمختلف عن الواقع وما يحدث في الحياة اليوميّة. يظن الجدّ أنّ هذه المرافقة كافية لمعالجة الألم الشديد الذي يشعر به جولز في هذه الفترة، لكنه سرعان ما يكتشف أنّ الأمور لا تسير بهذه البساطة، إذ يطلب جولز التوقف عن متابعة توزيع الهدايا مع جدّه والعودة إلى البيت، والانقطاع عن المشاركة في هذا الطقس لأنّ عائلات كثيرة يعود آباؤها إلى البيت، ووالده هو يبقى غائبًا.
يقوم جولز بمحاولات عديدة أخرى لمساعدة جدّه، ولا ينجح ذلك إلا بعد أن يكتشف بأنّه سانتا المنتظر وبأنّ والده قد ترك له رسالة قبل موته، يحثّه على متابعة الدور، والتذكر بأنّ الذين نفقدهم يعيشون للأبد في قلوبنا. يمنح الشفاء بمراحل الطّفل المشاهد الذي يتقمّص الدور الشعور بأنّ الألم لا يزول دفعة واحدة، وبأنّ ذلك يحتاج وقتًا ومحاولات كثيرة، وأنّ لكل نهاية بداية جديدة ستحدث بالتوقيت المناسب لها.
يظهر الفيلم جانبًا آخر للحزن المرافق لعيد الميلاد، إذ يظنّ الأطفال أنّ سانتا كلوز قادر على توفير كلّ ما يرغبون به، فينتظرون عامًا كاملًا لكتابة أمنياتهم، وعندما يستيقظون في الصباح يدركون استحالة تحقيق ذلك؛ فمنهم من يتمنّى أن يكون لديه أخ ليلعب معه، ومنهم من يتمنى عودة والده إلى البيت سواء أكان مسافرًا أم ملتحقًا بالجيش أم ميتًا. تعتبر هذه المشاهد فرصة للحديث مع الطّفل على عدم مقدرتنا في أوقات مثيرة على نيل كل ما نتمناه، ولا أن نعيش حياتنا كلّها وفق ما نرسمه ونحلم به.
يأخذ عمل الأم الجديد حيّزًا جيّدًا من الفيلم، لكنه يبدو بكافة مراحله حبكة ثانويّة إضافية على سيرورة الأحداث، رغم أنّ جولز يساعد والدته بالحفاظ على عملها الجديد بعد أن طردت منه، وذلك بعد أن يوزّع أعدادًا هائلة من علب البسكويت التي صنعها في بيوت وأماكن تحدث تأثيرًا في المجتمع، إلا أنّها ما تزال قصّة ضعيفة وهامشيّة لا تحاكي موضوع الفيلم الأساسيّ.
يلقي الفيلم الضوء على الحالات التي تنسى عادة في حضرة الفرح الصّاخب، ويكاد ينساها الناس في انشغالهم في الاحتفالات. ويهدم كذلك الفكرة الوردية للأطفال الذين ما زالوا يظنون أنّ جميعهم يعيشون الحياة ذاتها، في ذات الوقت يعتبر فرصة مناسبة للحديث والنقاش مع الأطفال في عطلة العيد حول مفهوم الفرح والفقدان وأسطورة سانتا كلوز.
يناسب الفيلم أجيال 8 سنوات وما فوق، ويعالج بشكل ذكيّ جدًا ومباشر فكرة التعامل مع الأعياد والطقوس الدينيّة المختلفة في ساعة التعامل مع مأزق نفسانيّ، إلى جانب معالجة مواضيع أخرى كما ذُكر.
- التاريخ: 04/12/2021
- كلمات مفتاحية: أفلام