اخترنا لك
صبي اسمه كريسماس: فيلم يعرض ميثولوجيا العيد
اخترنا لك: أفلام
"إنّ الكون مصنوع من القصص وليس من الذّرات" هكذا تفتتح العمّة "روث" حكاية الكريسماس للأطفال الّذين فقدوا أمهم حديثًا، وبقوا وحدهم مع عمّة والدهم المسنّة في احتفالات الميلاد، بسبب انشغال والدهم في العمل ليلة العيد. يعاني الأطفال الثلاثة من الحزن والكوابيس بسبب فقد أمهم حديثًا، وبقائهم من دونها، ويزداد غضبهم على والدهم عند معرفتهم بأنّهم سيقضون ليلة الميلاد رفقة عمتهم العجوز و"المُملّة".
عند دخول العمّة البيت وملاحظتها اختفاء الزينة وعدم احتفالهم بالعيد وجوّ البؤس السائد على الأطفال والأب، تقرر سرد حكاية ممتعة وشيّقة للأطفال البائسين.
تدور أحداث الحكاية في غابات فنلندا أثناء شهر كانون الثاني/ ديسمبر حيث الثلوج تغطي البلاد كاملة. يعيش هناك في قلب الغابة صبي اسمه كريسماس مع والده الحطاب في قلب كوخٍ خشبي بعد فقدان والدته التي التهمها دُبّ. يملك الفتى خيالًا خصبًا ويحوّل كلّ الأشياء الماديّة في حياته إلى قصص وحكايا، مكتسبًا هذه الصفّة من والدته المتوفّاة، الّتي كانت تسرد القصص دومًا لوالده وله.
تعيش المدينة كاملة حالة من البؤس وعدم الجدوى، فيقوم الملك باستدعاء السّكان من أجل اجتماعٍ للبحث عن شيء يعيد البهجة والأمل للبلدة. يشارك كريسماس ووالده في الجلسة، ويحصل فيها الفتى على رضا الملك. عند عودتهم إلى الكوخ يأتي صديق والد كريسماس إليهم ويطلب منه مرافقته إلى أقصى شمال البلاد للعثور على قرية "ايلفهلم" السّريّة وسرقة الأقزام لأحد أبنائهم.
يغادر والده مع أصدقائه إلى أقصى شمال البلاد، بينما تأتي عمّة الفتى للبقاء معه والاعتناء به أثناء غياب والده، لكن العمّة لسوء حظّه تكون سيئة الطّباع، فتطرد كريسماس وفأره من البيت ليبقيا في العراء والثلج. يعتني كريسماس في الأيام اللاحقة بالبيت حيث يقوم بالتنظيف والطهو لعمته ويعود في المساء إلى كوخٍ صغير بناه من الأخشاب جانب كوخه. وفي أحد الأيام تحاول العمّة إحراق قبعة كريسماس الّتي تشبه قبعات عيد الميلاد اليوم، فينقذ كريسماس قبعته من النيران، ويكتشف خريطةً مرسومة بدقّة داخل القبعة، والخريطة تؤدي إلى قرية ايلفهلم السّريّة في أعالي جبال فنلندا.
ينطلق كريسماس فورًا رفقة صديقه الفأر الّذي كان يحاول طيلة الوقت تعليمه الكلام في رحلتهما إلى الشمال، للبحث عن والده من أجل إعطائه خريطة الوصول إلى ايلفلهم. الطريق طويلة ومليئة بالمخاطر والحيوانات المفترسة وعاصفة ثلجية قوية تضربها.. يسير كريسماس في السهول والجبال وعلى البحيرات والأنهار المتجمّدة للوصول إلى أعالي قمم الجبال. وفي أثناء مسيره يلتقي كريسماس بأيل مُصاب بسهم ويساعده في انتزاعه ويدرك بأنّ هذا السهم لصديق والده الصياد. يقوم الأيل بمساعدة كريسماس فيُركبه على ظهره ويوصله إلى أعالي الجبال، لكن كريسماس ينصدم عند وصوله بأنه لا يجد أثرًا للقرية. عندئذِ تغلبه الثلوج والبرد واليأس ويشارف على الموت، عند اقتراب اثنين من الأقزام إليه، ويلقيان عليه تعويذة تعيده إلى الحياة، ويأخذانه إلى ايلفلهم أسعد قرية في العالم.
عند دخول كريسماس يكتشف بأنّ أمرًا ما حدث في القرية السعيدة: فالأضواء مطفأة وثمة حركة مقاومة سريّة تأخذ من يريد الانضمام إلى احتفالات الكريسماس إلى مكان سريّ. يذهب كريسماس رفقة حركة المقاومة إلى الاحتفالات ويتذوّق أشهى أنواع الحلويات والشوكلاتة الّتي يحلم بها أبناء قريته. لكن فجأة تأتي ملكة الأقزام وتقوم بتدمير الاحتفال وتختطف كريسماس وتضعه رفقة أحد الأقزام في السجن لأنّ البشر اختطفوا قزمًا صغيرًا.
يحاول كريسماس الهرب بمساعدة صديقته القزمة في السجن، فتمنحه عندما تلمسه جزءًا من طاقتها وقدرتها على الطيران، فيهرب كريسماس رفقة الأيل والفأر ويطيرون للبحث عن والده والصيادين معه، ويجدونهم في منتصف الغابة قد سجنوا القزم داخل صندوقٍ حديدي صغير، فيقوم كريسماس بتحرير القزم بمساعدة والده، ويهرب مع أصدقائه ووالده من الصيادين. حينها يقوم والده بالتضحية بنفسه من أجل نجاة كريسماس والقزم. يعيد كريسماس القزم إلى القرية وتعود البهجة إلى أسعد قرية في العالم، ويحصل كريسماس جزاءً له على هدايا عيد الميلاد وينزل رفقه الأيل وعربته ليوّزع الهدايا على ملك بلاده والناس، لتعم البهجة أيضًا بلاده الحزينة.
تنتهي حكاية العمة روث مع طلوع الصباح وعودة والد الأطفال إلى البيت، وبشعورٍ مفعم بالسعادة والراحة يشعر به الأطفال، حيث أخذوا يطالبونها بالعودة مجددًا وسرد القصص لهم. عند نزولهم إلى الطابق السفلي لوداع العمة، يكتشفون بأنّ الكريسماس قد زارهم وقام بتزيين البيت من الداخل والخارج تحضيرًا للاحتفال. في نهاية الفيلم، يكتشف المشاهد أنّ العمّة تسرد القصّة من منظورٍ شخصي، فهي بذاتها من الأقزام، وقد قامت والدة الأطفال المتوفاة بحادث طرق بزيارة أسعد قرية في العالم سابقًا.
رغم كوني لا أؤمن بمصطلح العلاج من خلال القصّة، بل كون القصة عبارة عن عامل مساعد للخيال والعلاج، إلّا أنّ كاتب الفيلم قد اعتمد هذه الاستراتيجيّة للعمل على الحكاية. أطفال كئيبون وتعساء يعيشون في البيت رفقة والدهم المشغول دائمًا في عمله حتى في أيام الأعياد، فقدوا والدتهم حديثًا ويعانون الاكتئاب وعدم الرغبة في القيام بأي شيء، تأتي عمتهم إليهم لتسرد لهم قصّة من زمنٍ مغاير عن طفلٍ يتيم ولكنه سعيد بأبسط المقومات الحياتية الّتي يمتلكها.
تحاول القصّة محاكاة نفسيّة الأطفال الّتي لا تستشعر قيمة الأشياء الّتي يملكونها، وتخفف عنهم مصاب فقدهم لوالدتهم. قصّة بسيطة جعلت البيت غير المزيّن في بداية الفيلم والّذي يبدو شاذًّا أمام احتفالات الميلاد في المدينة، مزيّنًا ومليئًا بالبهجة والامتنان.
الأيل هو ثيمة أساسيّة من ثيمات الكريسماس والميلاد، حيث تحكي كلّ الأساطير حول العيد عن مجيء بابا نويل على ظهر أيل كبير وجميل ومسالم لتوزيع الهدايا على الأطفال ليلة الكريسماس، ولا يختلف دور الأيل كثيرًا في الفيلم، بل هو تجسيدٌ لصورة الأيل الطبيعيّة في الاحتفالات، حيث يحمل الفتى على ظهره وينقذه في المواقف الصعبة ويساعده في توزيع الهدايا على أهل قريته في ليلة الكريسماس.
أما الفأر والّذي يلعب دور صديق الفتى المخلص، فقد لعب الفأر دورًا مركزيًا في قصص الأطفال على مرّ التاريخ، فمن مكانة دينيّة حقيرة تم تصنيف الفأر فيها في الديانات السّماوية، إلى صديقٍ حميم لساندريلا في قصّة المعفّرة لشارل بيرو، وقد رمزت الفئران إلى درجتها الاجتماعية المتدنية آنذاك. وقد ظلّ الفأر في قصص الأطفال يرمز إلى الحيوان الدنيء والطبقة الاجتماعية الدنيا حتى بدايات القرن العشرين، حين بدأت قصص مثل ميكي مكاوس وتوم وجيري، حيث يمثّل الفأر فيهما دور البطل وصاحب الحق والقيم والمثل العُليا، وكذلك همتارو وهو فأر لطيف من فصيلة الفئران الّذي صار لاحقًا مطلبًا للأطفال كحيوان أليف في البيت. ويأتي الفأر صديقًا حميمًا ومخلصًا لكريسماس في استمراريّة لدور الفأر صديق الأطفال ومنقذهم في الوحدة.
خلال الفيلم، تتمنى عمّة كريسماس تذوّق الشوكلاطة لتشعر بالسعادة والامتنان، وحين يقوم كريسماس بتوزيع الهدايا على بلدته، تكون الهدايا عبارة عن شوكلاطة مغلفّة، تسترجع بسببها البهجة والأمل والامتنان، وقد مثّلت الشوكلاطة بالنسبة لقرية ايفلهلم محفّزًا وسببًا رئيسًا لسعادة القرية، أسعد قرية في العالم.
تلعب الشوكلاطة دورًا رئيسًا في حياة الأطفال، والكبار على حد سواء، فالأطفال دومًا ما يطالبون أهلهم بالحصول على مزيد من الشوكلاطة والتوقف عن تحديد الكميات المسموح تناولها، كما تلعب الشوكلاطة دورًا مهمًّا في الأعياد والمناسبات الاجتماعيّة والدينيّة. وفي معرض الحديث عن الكريسماس في هذا المقال، فإنّ الشوكلاطة تمثّل أساسًا للعيد والاحتفال، حيث تصنع على أشكال ورموز العيد وتزيّن المحلّات والبيوت والمعارض طيلة شهر كانون الأوّل/ ديسمبر.
يعتبر الأقزام في قصص الأطفال بشكلٍ عام مثالًا للمجتمع الطيب والمتسامح والمحتوي للآخرين على عكس قصص الفتيان، حيث مثّل أقزام فلّة (سنووايت) عائلة لها بعد أن طردتها خالتها (زوجة والدها)، وملاحقتها لها لقتلها، كما قاموا بانقاذها عدّة مرات حين حاولت قتلها، كما مثّل الأقزام في السنافر مثالًا للمجتمع القوي والمترابط والمجتهد، كمثال جيد للأطفال.
مثّل الأقزام في الفيلم دور الناس الطيبين الّذين يسعون لنشر السعادة والتسامح والحبّ فيما بينهم ويكرمون الضيف الّذي يأتي لزيارتهم ويرغب في الحصول على بعض من السعادة أو على بصيص أمل لقريته البائسة.
في قرية ايفلهلم يقوم الناس بتنظيم حركة مقاومة سريّة من أجل الاحتفال بقدوم الكريسماس، مخالفين بذلك تعليمات الملكة الغاضبة على اختطاف أحد الأقزام من القرية، كما يقومون باستقبال كريسماس من الجنس البشري ويدعونه يدخل إلى القرية ويرافقهم إلى احتفالاتهم السّريّة، هذه المقاومة البسيطة الّتي تجسّدت بالحصول على الحق في إقامة الاحتفالات تمثّل مقاومة الشعوب كافّة للحصول على حقوقها ولو كانت هذه الحقوق تافهة وغير مجدية بنظر النظام القائم.
تنجح المقاومة رفقة كريسماس بإعادة القزم المخطوف ويحققون مطالبهم بالاحتفال بالعيد ونشر الزينة والبهجة في القرية.
يناسب الفيلم أجيال 7 سنوات وما فوق، ويعتبر أحد أبرز أفلام نيتفليكس حول عيد الميلاد المجيد لهذه السنة 2021.
- التاريخ: 04/12/2021
- كلمات مفتاحية: أفلام