اخترنا لك
فيلم دوليتل: سخيف وطفولي وغير ضروريّ!
اخترنا لك: أفلام
فيلم دوليتل الجديد، من إنتاج استديوهات يونيفيرسال، كان أحد أكثر الأفلام المنتظرة لهذا العام. هذا الانتظار والتشوق لمشاهدته نابعان بالأساس من نجاح سلسلة كتب "مغامرات دكتور دوليتل" الكلاسيكية، ومن نجاح آخر ثلاثة أفلام صدرت حول الشخصية، من بطولة الفنان القدير إيدي ميرفي.
في الفيلم الجديد، يقوم بدور البطولة فنان قدير آخر هو روبيرت داوني جونيور، الذي قام بدور آيرون مان وشارلوك هولمز في العقد الأخير، وبرز جدًا فيهما، ما جعله أحد أبرز الممثلين في هوليوود في العقد الأخير. كلّ هذه الظروف أدّت لرفع التوقعات الإيجابية عاليًا، وحوّلت الفيلم لمنصة نقد خصبة لجميع النقاد والمشاهدين على حدّ سواء.
قصص دكتور دوليتل من إبداع المؤلف البريطاني يو لوفتينغ، وهي تحكي عن شخصية طبيب يكتشف قدرته على محاكاة الحيوانات، فيستغلّ موهبته لمعالجتها ويصبح أهم بيطريّ في العالم، تأتيه حيوانات من جميع أنحاء العالم. في سلسلة الكتب، يُمثّل دكتور دوليتل الرجل البريطاني الأبيض ذا ميّزات المستشرق والمستعمر الذي يجوب العالم لينقذ كافة الحيوانات، بما فيها القبائل النامية التي يتمكّن من محادثتها بواسطة الحيوانات. في مغامراته العديدة حول العالم، غالبًا ما يقابل حيوانات مسجونة: في متاجر الحيوانات الأليفة والسيرك وما شابه، ويبذر آخر أرباحه وأمواله لشراء الحيوانات وإطلاق سراحها من مالكيها، أو إقامة أماكن للراحة وملاجئ للحيوانات المُسنّة. في الكتب، يحتقر دوليتل المال والماديات ويدّعي في كل فرصة أن "المال هومصدر إزعاج فقط". ورغم هذا، فإنّ سلسلة الكتب مفعمة بالعنصريّة التي ميّزت أدب القرن التاسع عشر والعشرين.
لحلِّ معظم هذه الاشكاليات تم اخيار ممثل أسود البشرة، هو إيدي ميرفي، ليقوم بدور دكتور دوليتل في سلسلة الأفلام التي صدرت في التسعينات، إذ تمكّن ميرفي من تحويل الشخصية إلى حقيقية وانسانية محبوبة، وطمس ميزاتها العنصرية. أما الفيلم الجديد، فهو صيغة حديثة وغريبة للكتاب الثاني من سلسلة مغامرات دكتور دوليتل، بتغييرات كبيرة على الحبكة. يبدأ الفيلم بقصّة حبّ بين دكتور دوليتل وبين مغامرة شابة تموت في واحدة من رحلاتها في البحر، ما يؤدّي لانعزال دوليتل عن العالم وتفرّده في بيته الاقطاعيّ الضخم، بجانب حقل واسع تعيش فيه الحيوانات معه، بشكل منفصل عن العالم الخارجيّ. يبدأ الفيلم بمرض الملكة الشابة التي تطلب مساعدته، فلا يقبل تقديم يد العون، حتى يفهم أنّ موت الملكة قد يؤدّي لفقدانه مزرعته وبيته. عندها ينطلق دكتور دوليتل في رحلة مع حيواناته ومساعده الجديد للحصول على ثمرة الجنة، ذاتها التي بحثت عنها حبيبته المغامرة الشابة قبل موتها.
للأسف الشديد، وبرغم كل التوقعات والظروف التي كانت بصالح الفيلم، إلا أنّ الناتج النهائيّ هو فيلم مُملّ وسخيف، حبكته ضعيفة وأحداثه تتالى أحيانا من دون منطق داخلي. ورغم التصوير المهني وبناء الشخصيات الرائع، إلا أنّ الفيلم لا يصل إلى المستوى المطلوب، حيث أن شخصية دكتور دوليتل التي يقوم بها داوني جونيور هي شخصية جبانة وضعيفة وبعيدة جدًا عن الشخصية التي ألفها القراء أو مشاهدو سلسلة إيدي ميرفي. دوليتل بتمثيل داوني جونيور يتحدث مع الحيوانات كصديقة له، ولكن ليس هناك حضور حقيقيّ لهذه الصداقة، ولا للعلاقة الشخصية بينه وبين الحيوانات، بالإضافة أنّ موت حبيبته أثّر كثيرًا على نفسيته وجعله شخصية كئيبة وجديّة كثيرًا. بينما كان إيدي ميرفي يمارس الفكاهة والنكات والضحك طيلة الفيلم، بينه وبين الحيوانات، وكان يمثل دور أب لعائلة سعيدة ومحظوظة. عند ميرفي، كانت الفكاهة جزءًا من العلاج، ما جعل المشاهدين يقعون مباشرة في حبّ الشخصية. شخصية الكتاب هي نوعًا ما بين شخصيتي ميرفي وداوني جونيور، إلا أنها أقرب إلى شخصية ميرفي.
شعرت بأن الفيلم الجديد يحاول أن يتقرّب إلى المناخ والبيئة التي وردت في القصة أكثر ممّا ورد في أفلام ميرفي، ولكن هذا جاء على حساب بلورة شخصية البطل، وعلى حساب تواصل المشاهدين مع الحيوانات والواقع الذي تجري فيه الأحداث. حتى في أدوار الشريرين في الفيلم، لم يكن أيّ بناء لشخصيّاتهم بشكل واضح، ولم يشعر المشاهد بأيّ تهديد من طرفهم. ربما هذه الأمور جاءت في الحقيقة لتمكين الفيلم لأجيال أصغر (7 سنوات)، ففيه كلّ ميزات أفلام الأطفال الصغار، من حيوانات متكلمة وحتى مغامرات مثيرة، إلا أنّ هذه المحاولة أضعفت الفيلم كثيرًا وجعلته مجرّد فيلم فقير من جميع النواحي.
لهذا السبب، أنصح جميع من يريد أن يتعرّف أطفاله على مغامرات الدكتور دوليتل، اما قراءة أحد كتب السلسلة معهم – أو مشاهدة سلسلة أفلام إيدي ميرفي بصحبتهم.
- التاريخ: 10/03/2020
- كلمات مفتاحية: أفلام