
اخترنا لك
شعشبون: بين الأحلام والواقع والتوقّعات
اخترنا لك: كتب
كتب: لؤي وتد
"شعشبون" هي قصة للمؤلف زكريا محمد ورسومات نادين صيداني، من إصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، صدرت سنة 2011.
قصة "شعشبون" تحكي عن عنكبوت صغير يدعى شعشبون، وهو يمر في القصة برحلة صيده الأولى- أو على الأقل محاولات صيده الأولى. لكن شعشبون عنكبوت طموح جدًّا لدرجة أنّ طموحه يتعدّى حدود قدراته. أحلام شعشبون الكبيرة تتمحور حول اصطياد حيوانات كبيرة، إلا أنّ قدراته لا تسمح له بتحقيق هذه الأحلام. بعد تعدّد الاخفاقات، التي تكلف شعشبون ثمناً غاليًا، يتعلم العنكبوت الصغير أنّ عليه الاكتفاء باصطياد الحشرات، فهي أصغر منه وهو قادر على اصطيادها. "وهكذا، صار شعشبون صيادًا حقيقيًّا. صار صياد ذبابٍ ماهرًا جدًّا".
إصدار "شعشبون" هو إصدار نوعي بشكل واضح في خلفية الاصدار المحلي للأطفال، وهي نوعية تتميز فيها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، إلا أنّ الفكرة المركزية وما يتم استخلاصه من النص، قابل للنقاش ولا يتماثل مع تصوير الطفل في الثقافة الغربية في أيامنا هذه.
في القصة يحلم العنكبوت شعشبون أحلامًا أكبر منه، وبكل ثقة وشجاعة وجرأة يحاول تحقيقها، إلا أنّها تتحطم في وجهه وتكلفه ثمنًا غاليًا. كما ذكرنا، لا يتمكن شعشبون من تحقيق أيٍّ من أحلامه في نهاية القصة، بل يتحول إلى مجرد عنكبوت آخر يصطاد الحشرات، مثل باقي العناكب. يفقد شعشبون ما يميّزه عن الآخرين، من طموح وجرأة وشجاعة ليصبح عنكبوتًا بسيطًا من عامة "شعب العناكب". باقي العناكب في القصة تحاول تشجيع شعشبون على المحاولة، إلا أنها لا تؤمن بنجاحه، وتبرّر فشل محاولاته بأنه حلم أحلاماً أكبر منه.
في الحقيقة، قد يكون هذا المغزى غير مقبول على العديد من المربّين، إلا أنه مغزى لا بدّ من التعامل معه بجدية ومناقشته مع الأطفال. تنتهي القصة بجملة "صار شعشبون صيادًا حقيقيًّا. صار صياد ذبابٍ ماهرًا جدًّا"، ويجب أن نتذكر بأن هذا لم يكن حلمه منذ البداية. قراءة بديلة ومناقشة القصة قد تكشف ببساطة أنّ القصة لم تنتهِ بنهاية سعيدة، بل بنهاية حزينة ولكنها نهاية قابلة لتكون افتتاحية لنقاش مطوّل مع الأطفال حول الأحلام والأهداف. في الواقع، كما هو الوضع في القصّة، تكثر ملاحظات المجتمع عندما يبدأ الطفل باتخاذ قراراته الأولى حتى لو كان حول مأكولات أو ألعاب معيّنة. في القصة يرى القارئ أنّ شعشبون يتجاهل ملاحظات العناكب الأخرى في البداية، ولكن سرعان ما يحاول تطبيق توقّعات العناكب منه. في كل مرّة يكرّر أحد العناكب الملاحظة بأنّ "شعشبون شجاع، لكن..."، وحالاً بعدها يتقلص حلم شعشبون لصيد حيوان أصغر.
ولكن ليس النقاش فقط حول ملاحظات البيئة الاجتماعية على الاخفاق، إنّما وأيضًا حول التعامل الشخصيّ مع هذا الاخفاق. رغم تصغير الحلم وملاءمته أكثر للواقع والتوقعات، نجد شعشبون مُصِرًا على إعادة المحاولة حتى النجاح. ربما كان هذا بعد التنازل في حجم الصيد بين المحاولة والأخرى، إلا أنّ شعشبون لم يتنازل البتّة عن المحاولة ذاتها.
مدى واقعية الأحلام هو موضوع آخر لا بدّ من التطرّق إليه في كل نقاش حول "شعشبون". لا شكّ في أنّ الواقع يفرض حدوده في الكثير من الأحيان على الأحلام، لذا لا بدّ من التعامل مع أحلام الأطفال بحساسية وتفهّم، ولكن هذا لا يعني تحديدها ومحاولة تحويلها إلى واقعيّة. في سيرورة حياة الطفل وتعامله مع الواقع والمجتمع يتعلم شيئًا فشيئًا كيفية تقبّل الواقع وملاءمة توقعاته وأحلامه مع إمكانياته. في حال فرضنا على الطفل الحدّ من أحلامه منذ البداية بحجة الحاجة للواقعية، فنحن نضع بشكل قطعي حدودًا لخيال الطفل وإبداعه.
الرسومات في القصة تعتمد على تقنية الكولاج، فيها يتم قصّ ولصق العديد من المواد معًا، وبالتالي تكوين شكل جديد ولوحة متكاملة. هذه التقنية تتحاكى بشكل مباشر مع النصّ، فيه "يلصق" مجتمع العناكب بالصمغ لشعشبون ما خسره في إخفاقاته السابقة، وبعد هذا المرحلة، يصبح شعشبون "صيّادًا حقيقيًّا"، أو بكلمات أخرى، ينتهي من طقوس البلوغ، ويصبح عنكبوتاً بالغًا كعامة مجتمع العناكب.
في خلاصة الأمر، قصة شعشبون هي رحلة بلوغ عنكبوت صاحب أحلام أكبر من حجمه، الذي سرعان ما يتعلم فهمه وتقبّله ليصبح عنكبوتاً ككلّ العناكب. هذا بالإضافة إلى أنّ القصة هي أداة ممتازة للخوض في نقاش حول أهمية الأحلام والإصرار على المحاولة لتحقيقها.
شعشبون
تأليف: زكريا محمد
رسومات: نادين صيداني
الناشر: مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي
- التاريخ: 07/09/2016
- كلمات مفتاحية: كتب