اخترنا لك

كتب: لؤي وتد

لمحة تاريخية عن سلاحف النينجا
"سلاحف النينجا" هي سلسلة كوميكس صدر عددها الأول سنة 1984، بشركة Mirage Studios على يد الرسامين كيفين ايستمان وبيتر ليرد. فكرتهم الأولية كانت اصدار كتاب كوميكس ساخر وساتيري لأنجح كتب الكوميكس في تلك الفترة، لهذا جمعوا أفكار مركزية من أربع دفاتر كوميكس ودمجوها لانتاج "سلاحف النينجا، المسوخ المراهقة" (Teenage Mutant Ninja Turtles) أو باختصار "سلاحف النينجا". دفاتر الكوميكس التي جمعوا منها الأفكار كانت "المتحولون الجدد" (New Mutants)، و"ديردفيل" (Daredevil) من انتاج Marvel Comics، بالاضافة إلى " آكل النمل سيريبوس" (Cerebus the Aardvark)، دفتر الكوميكس الكندي، و"رونين" (Ronin) من انتاج DC Comics.
تحكي القصة عن أربعة سلاحف، تحمل أسماء عمالقة عصر النهضة، ليوناردو، دوناتيلو، مايكل أنجلو ورفاييل. بسبب تعرضها لمواد كيميائية خطرة، تحولت إلى سلاحف بشرية بحجم كبير. بالاضافة للسلاحف، تعرض لهذه المواد كذلك جرذ أكبر سناً من السلاحف، ماستر سبلينتر. سبلينتر كان حيوان أليف لأحد مقاتلي النينجا في اليابان، ولكن في احدى رحلاتهم إلى نيويورك قُتل صاحبه. بعد مقتله تشرد سبلينتر في مجاري نيويورك، حتى التقى بالسلاحف التي وقعت إلى المجاري كذلك بعد حادثة تعرضها للمواد الكيميائية. ماستر سبلينتر يربي السلاحف ويدربها على قتال النينجا الذي تعلمه بنفسه من مراقبة صاحبه عندما كانوا في اليابان. هكذا تترعرع السلاحف في ظلال مجاري نيويورك وتتعلم قتال النينجا، وتبدأ عند بلوغها بالصعود إلى سطح الأرض لمساعدة المحتاجين ولوقف أعمال الاجرام والعنف في نيويورك.

المسلسلات الكرتونية
في سنة 1987، صدر أول مسلسل كرتوني لسلاحف النينجا وقد وصل بثه إلى عشرة مواسم و193 حلقة، حتى توقف في سنة 1996. المسلسل الكرتوني، زاد الاختلافات بين السلاحف أكثر مما كان في سلسلة الكوميكس وأضاف إلى القصة وإلى الشخصيات عمق كوميدي وفكاهي يضفي على الطابع الساخر والمظلم بعض الشيء في سلسلة الكوميكس. مثال على روح الفكاهة، هي فكرة هوس السلاحف بالبيتسا وبالثقافة الحديثة لشباب التسعينات.
في سنة 1997، تم بث مسلسل تلفزيوني (لايف-أكشن) من موسم واحد (26 حلقة) لسلاحف النينجا جعلها واقعية أكثر، وأضاف شخصية سلحفاة خامسة للمجموعة، فينوس، سلحفاة أنثى تتميز بمهارات نينجا جديدة. لم ينجح هذا المسلسل وتوقف بعد موسم واحد، حتى عودة السلاحف في سنة 2003 في مسلسل كرتوني جديد يعيد القصة مجدداً ويجسد السلاحف بشكل أقوى وأضخم وأقل لطفاً مما كانت عليه المسلسل السابق. هذا التغيير يؤثر كذلك على مبنى المسلسل ويجعله أقل فكاهياً وكوميدياً ويقربه أكثر من مسلسلات الأبطال خارقين. يستمر المسلسل لمدة 7 مواسم و157 حلقة، نهايتها في سنة 2009.
المسلسل الكرتوني الثالث جاء سنة 2012، وما زال جاري حتى الآن، في موسمه الرابع. هذا المسلسل بالكثير عما سبقه، حتى في تقنية العرض، فهو انتاج ثلاثي الأبعاد، ويضيف الكثير من التكنولوجيا الحديثة لحياة السلاحف.

الأفلام
صدر لقصة السلاحف حتى عام 2016، ستة أفلام سينمائية منذ 1990. أول ثلاثة أفلام تمحورت حول شخصيات لايف أكشن واقعية، كما كان في المسلسل من 1997، صدرت في السنوات 1990-1993. الفيلم الرابع كان فيلم كرتوني وصدر سنة 2007، ولكنه كان فيلم عنيف نسبياً، فمنحته جمعية الفيلم الأمريكي تصنيف "PG" أي ينصح بالمشاهدة مع الأهالي أو البالغين.
أما الأفلام المركزية في السلسلة، هي الفيلم الخامس والسادس، التي صدرت في 2014 و2016. كِلا الأفلام صنفت بتصنيف الولايات المتحدة كـ"PG-13"، أي هي تحذير للأهالي بأن المشاهد قد تكون غير مناسبة لأجيال أقل من 13. لكن هذا التصنيف لم يتم الاتفاق عليه مع باقي دول العالم الغربي، فالكثير منها صنفت الفيلم لأجيال أصغر كذلك، مثل اسبانيا (7+) أو هنغاريا (11+). في التالي يعود القرار للأهالي بين هذه الأجيال، ولكن في كل حال ننصح بمشاركة الأطفال بمشاهدة الأفلام.
الفيلم الأول، "سلاحف النينجا" (2014)، يبدأ بسرد قصة السلاحف منذ البداية، بتغييرات متعددة عن النص الكرتوني السابق، ولكنه يحافظ على التسميات وعلى الأدوار المركزية. للأسف كان هذا الفيلم "مظلم" بعض الشيء، فقد مثّل السلاحف ككائنات عملاقة وضخمة ومخيفة، أكثر من أنها ذات عمق اجتماعي أو نفسي، أو أي لطف وفكاهة. هذا الفيلم زرع يأساً كبيراً في نفوس محبي ومتابعي سلسلة "سلاحف النينجا"، لأنه بعثر القصة وأبعد السلاحف عن التصور اللطيف الذي بنته المسلسلات الكرتونية في التسعينات. لكن هذا اليأس سرعان ما اختلف مع صدور الفيلم الثاني.
في الفيلم الثاني، "سلاحف النينجا: الخروج من الظلال" (2016) تغير الحال، وتم تصغير حجم السلاحف قليلاً، بالاضافة إلى أنها حصلت على ذلك البعد والعمق النفسي والاجتماعي الذي نقص في الفيلم السابق. نرى في الفيلم تمثيل رائع لدور القائد في المجموعة وللتحديات التي تواجهه، ان كان من طرف كبريائه، أو من طرف تحدي المجموعة له ولمكانه. غير أنه فكاهي ومضحك أكثر، في هذا الفيلم يقف الأبطال أمام تحديات جديدة مثل امكانية تحولهم لبشر عاديين والاستغناء عن كونهم سلاحف بشرية، ومثل الصحافة التي تراقبهم وتهدد كشف كيانهم لعالم البشر الذي يخشى كل غريب أو مختلف عنه. فهل على السلاحف أن يتنازلوا عن كيانهم ومميزاتهم لكي يتقبلهم الآخرين؟
هذا وأسئلة كثيرة تدور في الفيلم الأخير من سلسلة "سلاحف النينجا، أسئلة تراودنا جميعاً في التعامل مع أنفسنا من جهة وفي تعاملنا الاجتماعي من جهة أخرى. هذه الأسئلة تعطي الفيلم بعداً جديداً ومختلفاً عن الفيلم السابق، وترفع كثيراً من قيمته التربوية، وقدرته على تطوير نقاشات مختلفة في العائلة حول قيم مثل القيادة، الصداقة، الثقة بالنفس وحتى حول العائلة نفسها. قد يكون فيلم 2014، مظلماً وداكناً بعض الشيء، إلى أن "الخروج من الظلال" (2016)، حقاً يخرجه من الظلال ويعيد سلاحق النينجا لثقافة الأطفال.

معاني خفية
للقراءة النقدية في قصة "سلاحف النينجا" تطرقات كثيرة لمصدر السلاحف ومسكنها، فالسلاحف تعيش في المجاري. لا نرى تطرقات كثيرة للمجاري في ثقافة الأطفال، إلا أن للمجاري رمزية كبيرة لحياة الانسان في المدينة، ولهذا هناك حاجة ملحة للتطرق إليها أيضاً في ثقافة الأطفال. أنفاق المجاري تمثل كل ما يتخلص منه المجتمع المدني بعد أن انتهى من استعماله، من نفايات وفضلات وأزبال. بقراءة نقدية للنظام الاجتماعي في المدينة، تمثل أنفاق المجاري كذلك المنفى من المجتمع، المكان الذي يذهب إليه من ليس له مكاناً في المدينة، المنبوذ والمرفوض والمختلف.
"سلاحف النينجا" بدأت كفكرة ساخرة من الثقافة الاجتماعية والحداثة، وبصعود السلاحف من المجاري إلى السطح، هي تمثل الصعود من القاع، لانقاذ العالم من الظلم والاجرام. جزء من هذا الظلم هو بمسؤولية السياسة، لهذا تسخّر السلاحف السلطة الرابعة، الصحافة، لمساعدتها في الصراع ضد "قوى الشر".
في السلسلة نفسها نرى أن بين أعضاء فريق السلاحف، قد تغلغلت ثقافات رأسمالية مثل الهوس بالبيتسا وبشراء الأجهزة الالكترونية الأحدث مثلاً، وهذا قد يكون تطرق مباشر إلى أن ثقافة الطبقات العليا تؤثر كذلك على الطبقات الدنيا. لهذا نرى في السلسلة الماستر سبلينتر يتمسك بعادات وتقاليد النينجا التي تعلمها باليابان ويحافظ على مكانه في "المجاري"، حيث لا يشارك السلاحف برحلاتهم فوق سطح الأرض، في المدينة.
قد نرى الكثير من التلميحات لفكرة صناعة الثقافة وطبقيتها في قصص سلاحف النينجا، ولكننا أيضاً يمكن أن نرى تمثيل واضح للحلم الأمريكي، فالسلاحف تبدأ حياتها في المجاري، وسرعان ما تصبح المنقذ المركزي لاحدى أكبر المدن في العالم، نيويورك.