Image Background

اخترنا لك

علاء الدين: بين النِّسوية والاستشراق

اخترنا لك: كتب


علاء الدين: بين النِّسوية والاستشراق
لؤي وتد

صدر في نهاية الأسبوع فيلم علاء الدين بصيغة اللايف أكشن، أي بصيغته "الحقيقيّة"، كإعادة صياغة للفيلم الكلاسيكيّ لعالم ديزني من عام 1992. في الأيام الأخيرة يحصد الفيلم أرقامًا خياليّة في شباك التذاكر العالمي، ويقدم لاستديوهات ديزني تأكيدًا آخر من الجماهير بأنّ ما تقوم به مُراد ومحبوب. الاشكالية المركزية مع هذا التوجه في إعادة صياغة الأفلام هو كونها تغضب النُقاد ولا تستجيب لحنينهم لفترة ازدهار ديزني في سنوات التسعين.
فيلم علاء الدين الجديد هو نسخة مطابقة لفيلم الكرتون، بتغييرات طفيفة، معظمها جاءت لمواكبة روح الفترة التي نعيشها، مثل النشاط النِّسويّ الذي يدور في كافة أنحاء العالم، ومحاولة محو وصمة العار التي يحملها الاستوديو بوصفه استوديو مستشرقًا وعنصريًّا. في روح النسوية، تمكّن الفيلم من إجراء تغييرات إيجابيّة على شخصيّة ياسمين، ولكنه تجاهل باقي الأدوار في الفيلم؛ فلا يكفي تحويل شخصية واحدة إلى شخصية قوية لإجراء تغيير جذريّ. أمّا في روح الاستشراق فقد أخفق الفيلم مجددًا ولكن هذه المرة في مكان آخر.
في هذه المادة سوف أتطرّق للفيلم الجديد، مقارنة بالقديم، وأحاول الوقوف على التغييرات المركزية التي طرأت عليه.

من الأميرة الكرتونية إلى السلطانة العلمانية

قامت استديوهات ديزني بتطوير وبلورة دور الأميرة ياسمين على أروع وأكمل وجه، والممثلة البريطانية الراقية ناعومي سكوت قامت بأروع بطولة فيه. هذا التغيير الايجابي قدّم للفيلم روحًا نِسويّة عصرية، بما يُفيد الحبكة ويبدو منطقيًّا جدًا. في فيلم الكرتون (1992) نتعرّف إلى الأميرة ياسمين التي تكون أميرة قوية بشكل يناسب فترة التسعينات ولكنها خاملة بمعايير 2019. تمثّلت ثورة الأميرة الكرتونية بالأساس في رفضها الزواج مرّةً تلو الأخرى، وتشكيكها في القانون الملكيّ وفي مُسلّماته. بهذا الاحتجاج الصغير تكتفي الأميرة ياسمين الكرتونية، ولكن الأميرة بدور ناعومي تضاعف صراعها وتزيد من بطولتها لتعبّر مرارًا في الفيلم عن سعيها ورغبتها بكسر المسلّمات الملكية لتصبح هي السلطانة الأنثى الأولى. تبعًا لهذا، فهي تشكّك بالقانون كما في السابق، ولكنها هنا تنادي بالتشكيك به من قبل حرس الملك كذلك، مطالبة اياهم بالاستماع لصوت الحق والقلب والمنطق بدلًا من تقديس ما هو مكتوب منذ مئات السنوات على قصاصات ورقية.

قد تكون في هذه الدعوة الأخيرة، رمزية للاحتجاج على السلفية الدينية والتحفّظ المفرط بالنصوص المقدّسة من غير تأويلها من جديد، أو محاولة قراءتها وفهمها بشكل نقديّ، بالذات كون الفيلم يحصل في الشرق المحافظ.
إضافة أخرى تطرأ على شخصية ياسمين هي الإضافة الأكثر مواكبة مع العصر وهي أغنية بعنوان "Speechless"، فيها تصرخ ياسمين في وجه كل من يحاول إسكاتها، وتعبّر عن رأيها بكلّ وضوح. تأتي الأغنية كجواب على جملة "عليك أن تسكتي وتبدي جميلة" التي يقولها لها جعفر محاولًا تعريف دورها كـ "أميرة" بالمفهوم التقليديّ. في نهاية المطاف، تتحدّث ياسمين من خلال الأغنية عن التحرّر من قوانين المجتمع ومعاييره لأنه لا ينبغي إجبار أيّ شخص -رجلاً كان أم امرأة- على أن يكون أيّ شخص غيره. ياسمين الجديدة لا تسمح لأحد بإسكاتها ولا باتخاذ القرارات عنها. من كلمات الأغنية: "لن أسكت / لا يمكنك أن تُسكتني / لن أتردّد عندما تُحاول ذلك/ كلّ ما أعرفه هو أنني لن أتوقف عن الكلام/ لأنّني سأتنفس/ عندما يحاولون خنقي/ ألا تستهتر بي/ لأنني أعرف أنني لن أتوقف عن الكلام".

“I won’t be silenced / You can’t keep me quiet / Won’t tremble when you try it / All I know is I won’t go speechless / 'Cause I’ll breathe / When they try to suffocate me / Don’t you underestimate me / 'Cause I know that I won’t go speechless”

باختصار، هل يمكننا أن نقول إنّ الفيلم نِسويّ وملائم للفترة؟ نعم ولا. فمن جهة يُشكك بمفاهيم الحكم الذكري والتسليم بها، ولكنه من جهة أخرى يبقي أهمية الزواج كرسالة عليا يسعى إليها الفرد، مهما كان، ذكرًا أم أنثى.

جنّي المصباح الأسود

جنّي المصباح كان أكبر مطبّ لديزني، كون الممثل الخارق روبين ويليامز قد ترك مكانًا ضخمًا لمِلئِه، ولكن ويل سميث تمكّن من ملئِه بسهولة ومهنية رائعة. في مرحلة معيّنة شعرت بأنّ ويل سميث هو من أنقذ الفيلم من التحوّل إلى مأساة سينمائية، كونه بدأ بشكل ضعيف جدًا، ولم أشعر بأنّ مينا مسعود (بدور علاء الدين) قادر على حمل عبء الفيلم والحبكة بتاتًا. ويل سميث يخلق لنا جنّيًا جديدًا لا يختلف كثيرًا عن جنّي ويليامز، ولكنه يضيف إليه ويطوّره حتى يصبح شخصية حيّة أكثر وأقلّ كرتونية. هناك الكثير من النكات التي يكرّرها سميث نقلًا عن ويليامز، ولكنه يضيف كذلك نكات جديدة وتقنيات خاصّة به، تحوّل فكرة المقارنة بين الجنّيين إلى مادة بحثية بحدّ ذاتها.

التحفّظ المركزي من الفيلم قبل عرضه جاء على عرض صورة أولى للجنّي لون بشرته أسود بدلًا عن الأزرق. هذه الصورة أدّت لصراع وامتعاض كبير في صفوف المعجبين والمتابعين، بالذات لأنّ لون جنّي ويليامز الأزرق كان أحد رموز الشخصية الأجمل في فيلم الكرتون. لكن مع بداية الفيلم يفهم المشاهد أن التنازل عن اللون الأزرق ليس تنازلًا مطلقًا، بل جاء بصورة منطقية جدًا فقط لمحو لامنطقية تجوّل رجل ذي بشرة زرقاء في أسواق أغربة.

منطقية لون البشرة وشرعيتها تبدأ في أول مشهد للفيلم فيه نرى ويل سميث، ببشرته السوداء على متن سفينة، ومعه زوجته بيضاء البشرة وطفلان صغيران يريدان الاستماع لقصّة من والدهما. فأول مشهد من الفيلم يأتي بزواج مختلط بشكل طبيعيّ جدًا، وكأنه نداء استنكار للعنصرية ضدّ الشرقيّين أولًا، وضدّ ذوي البشرة السمراء والمحافظين المتزمّتين.

علاء الدين، دون علاء

للأسف الشديد شخصية علاء الدين نفسها هي من أكبر إخفاقات الفيلم. مينا مسعود يبدو مثل علاء الدين، شكلاً، وخاصّة في ابتسامته الرائعة الآسرة، ولكن تمثيله وغناءه ليسا بالمستوى المتوقع ولا المطلوب. يشعر المشاهد بأنّ مسعود يقف على خشبة مسرح ويُغنّي ويمدّ يديْه ويشبّر وكأنه في مسرحية غنائية، ولكن هذا أحد أبرز الفروقات بين المسرح والسينما؛ على خشبات المسرح الغنائي هذا التشبير هو طبيعي ومنطقي ومحبّذ، ولكنه مكروه ومصطنع جدًا على شاشة السينما. في كلّ مرة ابتسم مسعود، شعرت بحبي لشخصية علاء الدين وبمدى الشبه بين علاء الدين الكرتوني ومسعود، ولكن في كل مرة رفع يديه للغناء أو حاول تمثيل الاحراج أو العطف أو الغضب، شعرت بأنه يمثّل ويصطنع الشخصية، لا يعيشها.

كما هو تمثيل مسعود، كذلك بلورة شخصية علاء الدين في هذا الفيلم؛ فمنذ فيلم الكرتون شعرتُ بغضب شديد على كاتب السيناريو الذي حوّل طفل الشوارع (الجرذ)، إلى سارق وكاذب وفي الوقت إلى "جوهرة في الوحل". ازدواجية المعايير الأخلاقية في شخصية علاء الدين، وبطولته وعاطفته أقلقتني دائمًا. والفيلم الجديد لم يحل الاشكالية بل يبقي علاء الدين كشخصية الطفل السارق الكاذب والمحتال الذي يحاول الوصول إلى قلب الأميرة فقط للصعود بالمكانة الاجتماعية.

حيوانات أليفة: عَبّو وراجا وياغو

في مشاهدة هذا الفيلم، فهمت شيئًا لم أفكر به من قبل عند مشاهدة الفيلم الكرتوني: ثلاث من الشخصيات المركزية في الفيلم لديها حيوانات أليفة. علاء الدين وقرده عَبّو، ياسمين ونمرها راجا وجعفر وببغاؤه ياغو، أو لاغو في الدبلجة المصريّة. لكلّ واحد من الأبطال حيوان أليف يمثّل زوايا من شخصيّته، وقدرة البطل على السيطرة على حيوانه الأليف تعبّر عن قدرته على السيطرة على تلك الخبايا في نفسه.

علاء الدين يقوم بتربية قرد ويعتني به، وفي مشاهد عديدة في الفيلمين نجد علاء الدين يُسقط على عَبّو مشاعره وامتعاضه من كونه يتيمًا ترعرع في الشوارع وَحدَه. وجعفر يقوم بتربية ببغاء يكيد معه ويساعده في التخطيط وبلورة الطرق للسيطرة على كرسي السلطان. كل من علاء الدين وجعفر يتعاملان مع حيوانتهما الأليفة على أنها امتداد لشخصيتيهما وكأنها يد اضافية تسعدهما على التمكّن من نشاطاتهم بصورة أفضل.
أمّا ياسمين ونمرها راجا فهما قصّة أخرى ذات تفسير وترتيب آخر. في الفيلمين نرى راجا يهدّد ضيوف ياسمين ويحاول مهاجمتهم حتى يشعر ان كانوا لطفاء أم مهددين، ولكن ياسمين تكبحه مرة تلو الأخرى، فنجدها تحاول السيطرة عليه ومنعه من تحقيق غريزته وغضبه وقوّته. وبنظري، راجا قد يرمز لقوة ياسمين وطاقتها المكبوحة والمقيّدة بسبب أسوار المملكة وقوانينها الاجتماعية والذكورية. ومحاولة ياسمين لكبح راجا، هي نفسها محاولة إلزا لإخفاء قواها السحرية بسبب خوفها من تخويف العاملة. الاشكالية بهذا التحليل هي في ما يحصل بالفيلم الجديد، حيث يتمكن جعفر من إخفاء راجا بحركة إصبع سريعة، وكأنه يمكن له نزع طاقة ياسمين بهذه البساطة.

كل العرب إخوان (والشرقيّون والهنود والأفغان)

منذ صدر الفيلم الأول عام 1992، كتبت الكثير من التحليلات التي تبرهن مدى استشراقية الفيلم. فمثلا، في بداية الفيلم، هناك محاولة لعرض الفصل الواضح بين الأيديولوجيات والأخلاقيات بين الثقافة الشرقية والغربية. سكان أغربة الشرق أوسطية يوصفون بالأغنية على أنهم "سيقطعون أذنك إذا كانوا لا يحبون وجهك". هذا الوصف للشخصية الشرقية يفرض على الفور فكرة بربريتها وبُعدها عن المجتمع "السَّويّ". في مشهد آخر على مدخل كهف العجائب، يقول جازم لجعفر إنّه "اضطر لقطع بعض الأعناق" للحصول على المفتاح، وجعفر بدوره يتجاهل الملاحظة وكأنها أمر طبيعيّ، وهكذا يتم التعبير عن افتقار الفرد الشرقيّ للتعاطف تجاه القتل، ومحاولات تجريد شخصيته الشرقية من إنسانيتها.

كان فيلم علاء الدين الصادر في عام 2019، حذرًا جدًا لئلا يقع في فخّ الاستشراق مرة أخرى؛ فحتى في اختيار الممثلين للعب أدوار الأبطال، قام الاستديو باختيار ممثلين ذوي أصول عربية أو شرقية (مسعود من أصول مصرية، وسكوت من أصول أوغاندية-هندية). ولكن ربما الحذر والحرص اللانهائي في تصوير الفيلم وانتاجه، أدى لولادة سلطة واحدة فيها كل الشرقيين في ذات المكان!
المدينة التي يحصل فيها الفيلم هي أغربة، وهي مدينة خياليّة، يدّعي الكثيرون أنها ترمز للعراق وآخرون أنها عقربا السورية، أو الفلسطينية أو الأردنية. وأيًّا كانت أغربة، فهي مدينة أو قرية عربية بكافة تمثيلتها وأشكالها، ولا يمكن أن يخطئ المشاهد في ذلك. فاللغة العربية في الفيلم تظهر في عدة مشاهد، مثلًا عندما يحاول جعفر دراسة سرّ كهف العجائب، يمكن لمح الصفحة التي يتمعّنها وكأنها صفحة من كتاب شعوذات وعنوان الصفحة باللغة العربية "كهف العجائب". في مشهد آخر يحاول فيه جنّي كشف قوانين المملكة لمحاولة تغييرها، نجد أنّ كافة القوانين مكتوبة باللغة العربيّة، وحتى أنه يمكن للمشاهد قارئ العربية أن يقرأ بعض هذه القوانين.

بالرغم من أن المدينة عربيّة، فإنّ فيلم 2019 أخطأ في تمثيل مدينة أغربة كثيرا؛ فقد مثّل فيها خلطة غريبة جدًا من كافة دول الشرق. ففيها تمثيل لأسواق ومبانٍ من كافة العالم "الشرقيّ" من المغرب عبر بلاد فارس والجزيرة العربية وحتى الهند. يمكن ملاحظة هذه الخلطة الغريبة بشكل خاصّ في مشهد راقص يقوم فيه علاء الدين وفيه يبدأ برقص شرقيّ عام، وينتقل إلى رقص عراقي، ثم تركي، ثم هندي وفي النهاية يضيف إليه هرطقات غريبة من الهيب-هوب الأفريقي-الأمريكي. في مشهد آخر فيه تكاد تتزوج الأميرة ياسمين من الوزير جعفر، نجدهم يقفون تحت عريشة زواج يهوديّة، في طقس ذي اقتباسات من الديانة المسيحية، وما يبدو كأنه قرآن يحمله رجل الدين المسطّح. مشهد بغاية الغرابة والفوضى.

خلاصة

إنه فيلم من انتاج ديزني. لا يمكن أن ننكر روعته وقيمته وأهميته ومهنية العمل عليه. رغم هذا من المهم أن نذكر أنّ عالم ديزني ليس معصومًا عن الخطأ وليس بالكامل، فحتى في مشاهدة هذه الأفلام، علينا أن نبقى يقظين للنقد السياسيّ والجندريّ الذي قد يظهر في الفيلم.
لفتح هذه الأمور للنقاش مع الأطفال، يمكن التطرّق إلى عدة أمور: مثلًا مقارنة الفيلم الجديد مع الفيلم الكرتوني، أو ما هي الصفات المركزية التي تميّز شخصية علاء الدين، أو ما هي الإضافات على شخصيّة ياسمين أو كيف يراها الأطفال مقارنة بأميرات ديزني أخرى وغير ذلك.
الفيلم مناسب لأجيال 6 سنوات وما فوق ويستمرّ لمدة 128 دقيقة، وهو أطول بكثير من الفيلم الكرتونيّ (90 دقيقة). مشاهد الإثارة في الفيلم كثيرة، وبعضها خطرة ومخيفة إلّا أنها مشوّقة كذلك وممتعة.
هل ننصح بالفيلم؟ طبعًا، مع التحفّظ من المعايير الاستشراقية.

فيلم علاء الدين الجديد هو انتاج رائع ولكنه مفعم بالاخفاقات، وشبح الاستشراقية ما زال يحوم في سمائه
  • التاريخ: 29/05/2019
  • كلمات مفتاحية: كتب