اخترنا لك
الحمارُ الذي ظلًّ واقفاً: قصة بلجيكية
اخترنا لك: كتب
هي قصة من إصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي بدعم القنصلية البلجيكية العامة في القدس. القصة من كتابة ورسومات الرسّام البلجيكي يان دي كندر، صدرت بالهولندية عام 2009، وترجمت إلى العربية عام 2013 على يد المترجمة رحاب شاكر. برسومات خلّابة ونص قصير ومباشر، يسرد دي كندر للأطفال قصة تعرض الحمار بصورة مختلفة عمّا عهدناها في أدب الأطفال الحديث كرمزاً للغباء والجهل. تناسب القصة جميع الأجيال من 4 سنوات وما فوق، غير أنّ رسوماتها الرائعة تجعلها تحفة فنية لكلّ جيل.
الحمار الذي ظل واقفاً
تتحدث القصة عن حمار قوي، ظهر في الصفحة الأولى حراً من غير لجام، لكن مباشرةً في الصفحة الثانية "جاء رجل ولفَّ حبلاً حول عنق الحمار. قال الرجل: أنت لي". بالرغم من فرض الرجل ملكيته على الحمار، يتجاهله الحمار ويرفض التعامل معه. تستمرّ القصة مع محاولات الرجل وأقاربه من أطفال ونساء وحتى كلب أليف، للتغلب على إصرار الحمار بأن يظل واقفاً حتى بعد أن حملوه بمتاعهم وأحلامهم بالسفر والتنقل. ضربوه وقذفوه بشتى أنواع الكلام البذيء والشتائم، إلا أنّ الحمار ظلّ واقفاً، إلى أن وصل بهم الأمر لاستدعاء جميع أهل القرية لحثّه على التحرك ولكنه ظل واقفاً.
في الصفحات الأخيرة، تختفي الكلمات ويحكي دي كيندر القصة بالرسومات، حيث يربط أهل القرية الحمار ويحاولون جرّه معاً ولكن من دون جدوى، حتى يقرر في النهاية أن يقوم الحمار بأول فعل ودور ناشط يقوم به منذ بداية القصة: "نهق الحمار. ومشى إلى الناحية الأخرى، دون أن يلتفت وراءه".
يمكننا فهم القصة بعدة مفاهيم، أولها من المفهوم الحقوقي؛ فمنذ البداية تعرض القصة الفكرة بأنه لا يحق لأحد فرض ملكيته على أيّ كائن آخر، حتى لو كان حمارًا، وقد علمتنا النصوص التقليدية أنّه بهيمة عمل ونقل. فمفهوم الرفق بالحيوان وبحقوقه واضحٌ وجلي في القصة. من ناحية ثانية يمكن قراءة القصة كنقد لاذع ومباشر لمركزية الذات عند الإنسان؛ فالرجل فرض ملكيته على الحمار واستعبده ودعى باقي الناس من حوله لمساعدته على ترويض الحمار. في كل هذه الصورة كان الحمار مجرد شيء خارجيّ، مجرد مفعول به، لكن عند التفافه بالنهاية، أظهر الحمار أنه لم يكن ملك أحد وأنه كائن قائم بذاته وسيّد نفسه.
الرسومات
للرسومات في هذه القصة دور كبير. فباستثناء الصفحات الكاملة معدومة النص المكتوب، هناك دور كبير كذلك للألوان في القصة. فمثلاً على الغلاف الأمامي، نرى الحمار مربوطاً بالحبل الأحمر، إلّا أنّ الجهة اليمنى للحبل شفافة، كرمز للبداية التي يكون فيها الحمار حراً طليقاً. أما على الغلاف الخلفي، فنرى فقط الحبل الأحمر، الذي يصبح شفافاً في الجهى اليسرى له، وكأنه يرمز لنهاية القصة، فيها يعود الحمار حراً من جديد. أما لو نظرنا إلى الغلاف كصورة كاملة (أي الجهة الخلفية من اليمين والواجهة من اليسار)، لرأينا الحمار مربوطاً بحبل أحمر مشدود، لكن مركزه شفاف، كرمز لهشاشة الحبل، أو لهشاشة ما يرمز إليه بالأساس، وهو سُلطة البشر.
في باقي الرسومات يمكن قراءة رموز كثيرة أخرى يمكننا قراءتها بأشكال مختلفة، بحسب نظرة الطفل المستمع للقصة. مثلاً هناك جزرة في قبعة الرجل في الصفحة الأولى، عندما يكون الحمار حراً. يمكننا التساؤل مع الطفل المستمع عن المعنى من وجودها: هل حاول الرجل إغراء الحمار قبل أن يلف الحبل حول عنقه؟ هل لون الجزرة البرتقالي الفاقع يرمز كذلك للحبل الذي سيربط عنق الحمار؟ وماذا قد تعني هذه الرمزية أو التشابه في الألوان؟ ربما الأكل والجوع هما طريقة البشر بترويض الحيوانات وتملكها.
الحمار في أدب الأطفال
كما ذكرنا في مقالة أخرى عن "دور الفئران في أدب الأطفال"، كان الحمار في الماضي حيوانًا يمثّل القدرة على الصمود تحت العبء الثقيل، ليس أقلَّ من الجمل الذي امتاز بالصّبر، إلا أنّه أصبح اليوم رمزًا للغباء والجهل، كما جاء في النصّ القرآنيّ في سورة الجمعة في الآية الخامسة: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". ويأتي هذا مخالفًا تمامًا عمّا جاء مسبقًا في النصّ التوراتيّ، إذ ذُكر فيه الحمار كرمز للطبقة الغنيّة والطبقة الاجتماعيّة العالية كما جاء في سفر التكوين 24:35: "وَالرَّبُّ قَدْ بَارَكَ مَوْلاَيَ جِدًّا فَصَارَ عَظِيمًا، وَأَعْطَاهُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَعَبِيدًا وَإِمَاءً وَجِمَالاً وَحَمِيرًا".
أما اليوم، في العقود الأخيرة، بدأ دور الحمار يتغيّر ولم يعد يتقوقع في قالب الحيوان الغبي أو الجاهل. على سبيل المثال، هناك شخصية حوّار، من سلسلة ويني الدبدوب، الذي يمثل حماراً ذكياً ولكنه كئيب وشاحب بشكل دائم. شخصية حمار أخرى هي دونكي من سلسلة "شريك"، وهناك يلعب الحمار دور الحيوان الفكاهي المضحك والثرثار، الذي يكشف أن ذكاءه يكمن بمزحه وقدرته على الانسجام في كل بيئة.
في "الحمار الذي ظلًّ واقفاً" نجد تعاملًا جديدًا مع دور الحمار. من جهة دور ناقد للطبيعة البشرية، ومن جهة أخرى متجاهلٌ لها ولطبيعة حياتها.
الحمارُ الذي ظلًّ واقفاً
تأليف ورسومات: يان دي كندر
ترجمة عن الهولندية: رحاب شاكر
سنة الإصدار: 2013
الناشر: مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي
- التاريخ: 14/10/2016
- كلمات مفتاحية: كتب