Image Background

اخترنا لك

يوم الانتخابات في سابانا: سياسة واقتصاد في مملكة الحيوانات

اخترنا لك: كتب


يوم الانتخابات في سابانا: سياسة واقتصاد في مملكة الحيوانات

كتب: لؤي وتد

"يوم الانتخابات في سابانا" هو كتاب أطفال رائع من إصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي بدعم القنصلية البلجيكية العامة في القدس. الكتاب من تأليف أديبة الأطفال الفرنسية ساندرين دوماس رو ورسومات الفنان برونو روبرت، قام بترجمة الكتاب عن الفرنسية وليد أبو بكر. صدر الكتاب سنة 2007، وما زال حتى اليوم، كتاباً مميزاً في عرضه لقضية الانتخابات بطريقة مسلية وناقدة بشكل نوعيّ.
نتعرّف في القصة على سابانا (كلمة إسبانية تعني السهل العشبيّ)، وهي بلاد تعيشها كافة الحيوانات تحت حكم ديموقراطي تتم الانتخابات فيه لاختيار الملك. في موسم الانتخابات في السابانا، تترشح أربعة حيوانات للرئاسة، أولها الأسد "جو" كعادته في كلّ انتخابات، فلعائلته ماضٍ عريق في الحكم؛ الثاني هو الفيل "بيل" اللطيف وصديق الجميع الذي يكثف زيارات المُجاملة قبل موعد الانتخابات؛ المرشح الثالث هو الزرافة "جيبيت"، التي تَعِد الحيوانات بالأمن فهي تتمكّن من رؤية المخاطر من بعيد بمساعدة عنقها الطويل؛ وآخر المرشحين هو التمساح "جيم" الذي تحوّل إلى نباتيّ بمساعدة خبير حمية غذائية، ووعد الحيوانات بالحفاظ على الحدود آمنة بمساعدة أقاربه التماسيح الأقوياء والمفترسين.
بعد الانتخابات وفوز أحد المرشحين تسوء الأمور جداً في السابانا وتبدأ الديموقراطية بالتحوّل إلى دكتاتورية الملك الواحد، فتجتمع الحيوانات للتخطيط لإسقاط الملك وإعادة الانتخابات مجدّداً. هل ستنجح الحيوانات بالاتحاد ضد العدو الذي خلقته هي؟
كما نرى، تعرض القصة أنواعًا مختلفة من الأنظمة السياسيّة، وتُظهر حسناتها وسيئاتها، من الديموقراطية وحتى الدكتاتورية، بالإضافة إلى التعامل مع أنواع مختلفة من المرشحين للرئاسة. كل مرشح يعتمد على قيم معينة، يسهل على القارئ ملاءمتها للحياة في الواقع؛ فبعض المرشحين كالأسد يعتمدون على ماضيهم وماضي عائلاتهم، أو حتى على فكرة التوريث في السلطة كما جاء في النص: "كان الأسد بكل تأكيد أحد المرشحين لإعادة انتخابه، فمنذ زمن بعيد والأسود تعتلي عرش المُلك، أباً عن جد، وابناً عن أب، عبر أجيال متعاقبة". الفيل يمثل ذلك المرشح اللطيف الذي يعتمد على لطفه وصداقته مع الناس للفوز في الانتخابات. الزرافة والتمساح يعتمدان على التخويف والترهيب في ترشيحهما: فالزرافة تعرض فكرة الأمان والتحذير من المخاطر أمّا التمساح فيعرض حلاً أمثل وهو الجيش. من خلال جيش التماسيح يعرض "جيم" التمساح حله للمخاطر القادمة، فجيشه يوجه السيف إلى الخارج وهكذا يحافظ على الحدود. ولكن ماذا سيحدث لو وجه الجيش سيفه إلى الداخل فجأة؟
تتعامل قصة "يوم الانتخابات في سابانا" مع عدة قضايا مركبة ومعقّدة، في الكثير من الأحيان يصعب شرحها وتوضيحها للأطفال. أولاً بمساعدة القصة يمكننا التعامل مع الانتخابات بطريقة مبسطة أكثر من دون التقليل من قيمتها. الديموقراطية في القصة هي القيمة الأولى والأسمى فلا نرى الحيوانات تعترض عليها بتاتًا، لكنّ هناك تفهمًا واضحًا لخطورة هذه الديموقراطية في بعض الأحيان، حيث قد تؤدّي إلى صعود شخصيات تؤذيها وتحدّ منها. هذه الخطورة ليست سبباً لوقف الديموقراطية أو تغييرها إنما محفز لاتخاذ الانتخابات والتصويت بجدية أكثر وتفكير أعمق. ثانياً تعرض القصة محاولة لقلب الحكم في البلاد وثورة الشعب على الحاكم والجيش بطريقة مبسّطة جدًا، من دون أي حاجة للتسميات السياسية للأمور. وثالثاً تعرض القصة مفهوم النقد الذاتي أولاً والنقد المجتمعي ثانياً؛ فلا توجد في القصة مسائل مفهومة ضمناً لا يمكن مساءلتها ومناقشتها. فالحيوانات تشكّك في نوايا وقرارات الحاكم وسلطته وتحاول بكل قوتها الحصول على حقوقها كافة.
إضافة إلى كل هذا، تتعامل القصة أيضاً مع قضية الفقر والانهيار الاقتصادي في البلاد. يتمثل الفقر بالجفاف في الغابة، نتيجة لسياسة قامعة لا تشجّع أي تعامل "اقتصادي" مع الخارج عندما تحرم الحيوانات من التنقل والخروج من حدودها.
لا شكّ أنّ للقصة تداعيات سياسية كثيرة، وفيها رمزية كبيرة لأحداث محلية وعالمية، وحتى تاريخية (مثل الوليمة السوداء)، ولكن الأطفال لا يعرفون الكثير من هذه الأحداث التي تذكرنا بها القصة، لهذا تفاجئهم القصة كلّ مرة من جديد وتكشف لهم واقعاً سيعيشونه في المستقبل القريب بواسطة أحداث تدور في مملكة الحيوانات. تذكرنا القصة كذلك بحكايات "كليلة ودمنة" وقيمتها السياسية في ثقافة الأطفال، بالإضافة إلى كونها تستعمل نفس الأداة في تمثيل الكيان السياسي بالحيوانات.
باختصار، يمكننا القول إنّ "يوم الانتخابات في سابانا" هو فرصة لفتح نافذة على عالم السياسة والاقتصاد أمام الأطفال بطريقة لطيفة وممتعة جداً. تُناسب القصة جيل أربع سنوات وما فوق؛ ففي كل جيل يمكن التعمق فيها أكثر ومناقشتها بشكل أوسع. قد يراها الطفل بمنظور فكاهيّ ومضحك، لكن كلما تعمق فيها أكثر، فكر أكثر في القيم التي تعرضها وتناقشها. وتساعد القصة كثيراً على توضيح الواقع السياسي وتشجيع النقد البنّاء كقيمة اجتماعية مركزية في النظام الديموقراطي.

يوم الانتخابات في سابانا
تأليف: ساندرين دوماس رو
رسومات: برونو روبرت
ترجمة عن الفرنسية: وليد أبو بكر
الناشر: مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي

"يوم الانتخابات في سابانا"، هي فرصة لفتح نافذة على عالم السياسة والاقتصاد أمام الأطفال بطريقة لطيفة وممتعة جداً
تتعامل القصة مع قضايا مركبة ومعقّدة، يصعب عادةً شرحها وتوضيحها للأطفال
  • التاريخ: 14/09/2016
  • كلمات مفتاحية: كتب