
اخترنا لك
سلسلة قرانا الباقية فينا: أزهار في الصحراء
اخترنا لك: كتب
أصدر "مركز الطفولة- مؤسّسة حضانات الناصرة"، بدعم مؤسّسة "التّعاون"، ثلاثية قصص جديدة للأطفال من تأليف نبيلة إسبانيولي، تعنى بقضية القرى الفلسطينية المهجّرة وتروي حكاية أبطال فلسطينيّين. تشمل السلسلة القصص "صياد البصّة" برسومات وتصميم وإخراج أورئيلا خالدي، و"رسّام السّجرة" و"شاعر البروة" برسومات وتصميم وإخراج عبد الله قواريق.
على الصفحة الخلفية لكلّ كتاب من الكتب الثلاثة هناك صفحة إخباريّة وموسوعاتيّة تشرح عن تاريخ كلّ واحدة من هذه القرى المذكورة في أسماء القصص. وكلها تبدأ بالجملة ذاتها: "القصّة خيال بخيال ما عدا حقيقة وجود قرية..." ومن ثم تأتي المعلومات عن الموقع الجغرافي والقصة التاريخية.
القصص من ناحية سير الأحداث بسيطة جداً وقصيرة وغير معقّدة ولهذا فقد تناسب شتى الفئات العمرية. مميز آخر للسلسلة هو استعمال اللغة العامية المعيارية أو كما سماها الشاعر سعود الأسدي "اللغة الوطنيّة"، التي تزيد النصّ نكهة مألوفة جداً وقريبة من القارئ. من ناحية التصميم العام للقصص، لا بدّ أن نذكر كونه نوعيًّا جداً وجميلًا ويضفي رونقًا ورقيًا على الاصدار بأكمله.
كما ذكرت في البداية، فالقصص تحكي عن الأبطال الفلسطينيين وتضعهم في مركز الصورة. شاعر البروة، هو شاعر فلسطين محمود درويش من قرية البروة. في القصة "كلهم يناموا بدون هز بس محمود ما كان ينام قبل ما يقرأ كتاب ويجمّع كلمات". هي قصة قصيرة جداً تترك القارئ بشوق للمعرفة والبحث أكثر عن شخصية "محمود" الذي فجأة يصبح قريباً منا أكثر ونناديه باسمه الشخصيّ. محمود هو طفل يحبّ اللعب واللهو مع الأطفال، ولكن لديه الشجاعة ليعتذر عن الانضمام اليهم في بعض الاحيان، عندما يختار أن "يجمع الكلمات".
رسام السجرة، هو رسام الكاركتير ناجي العلي من قرية السّجرة. ناجي، الطفل الصغير، يشبه محمود ويجد الشجاعة عندما يكون مقتنعًا بما يفكر وعندما يحلم بعيداً ويتحدى المسلمات. صحيح أنّ للمعلمة خططَ عمل واضحة للدرس، فهي تريد "الرسم.. رسم شجرة.. رسم شجرة رمان" وبطريقة معيّنة. لكن ناجي الصغير لا يحب القوالب ويفضّل أن يطلق عنان العصافير التي تغني برأسه، والحنظلة الذي يرقص بجنبه. هذا التحدي "للبالغ" صاحب السلطة أو النفوذ هو مجرد رمز أوليّ لبقية حياة العلي ونشاطه.
في صيّاد البصّة، البطل هو شخصيّة صياد عام غير معرّف يصطاد حورية بحر ويحرّرها لتعود إلى أطفالها. حورية البحر تسدد له الجميل وتوفر له أسماكًا وصيدًا وفيرًا. في نهاية القصة يُذكر أنّ حورية البحر تستمرّ بتوفير الصيد الوفير لجميع سكان البصّة المهجّرين استمرارًا بتسديد الجميل لصياد البصّة الرحيم. ربما شخصية الصيّاد ليست شخصية تاريخية معروفة، ولكن بحر البصّة وحورياتها البحرية وصياديها التاريخيّين ليسوا أقلّ بطولة وأهمية من "محمود" و"ناجي".
تنقص المكتبة العربية قصص أطفال نوعية تجري أحداثها في فلسطين وشخصياتها وجغرافيتها فلسطينية. يعتبر أدب الأطفال مركباً هاماً جداً من المركبات الثقافية، فالكتاب الجذاب بحبكته ورسوماته يصبح رفيقاً للطفل، ينام معه، ويرجع له كلما وجد وقتاً لذلك. جاءت هذه السلسلة لتسدّ هذا النقص في المكتبة، فقدمت كتباً جميلة وجذابة تجري أحداثها في قرى كانت وهُجرت، أو تجري أحداثها مع شخصيات كانت تلعب هناك، ولغتها العربية الفلسطينية "اللغة الوطنية"، كما سماها الشاعر سعود الأسدي. القصص بها من الخيال ولكن مسمياتها ومواقعها وتضاريسها الواردة في القصة حقيقة؛ فالبروة قرية شاعرنا محمود درويش، ولذا تمت كتابة قصة "شاعر البروة"، وقرية البصّة تقع على البحر، ولذا تمت كتابة قصة "صياد البصّة"، والسجرة هي قرية الفنان ناجي العلي، لذا تمت تسمية القصة "رسام السجرة".
بالرغم من الاصدار نفسه ومن هدفه الايديولوجي التثقيفي الظاهر، السلسلة تلقي بكافة المسؤولية التثقيفية على الأهالي ولا تحاول أن تتعامل معها سوى أنها تعطي طرف الخيط. للقصص الثلاث مقدمة مشتركة تعرض اشكالية معينة وتتجاهلها تماماً: "كان يا مكان في قديم الزمان، ومش من زمان كثير قبل ال48، كان في قرية كبيرة/هادية". في هذه المقدمة نرى القسمة الحادة للتاريخ ما قبل الـ48 وما بعد الـ48، ولكن الطفل القارئ يجهل الجزء الثاني في القصة. في القصة ينكشف الطفل على أحداث ما قبل الـ48، ولكنه لا يعرف ماذا حصل في الـ48، ولا يحصل على أي رموز في القصة لما حصل. ربما هي فرصة أمام الطفل ليكتنز هذا الـ"عدد" أو التاريخ، وليس بمفهومه التاريخي، انما بمفهومه الرمزي. لكن بالذات لأن ما حصل أصبح مفهوماً ضمناً في ذاكرتنا الجماعية نحن البالغين، يظن البعض منا أن الطفل الذي يعيش "ما بعد الـ48"، يعرف ما معنى هذا ويفهم ما يجري حوله من احتلال وقمع وعنصرية. لكن هل حقاً لدى أطفالنا الأدوات الكافية لمعرفة هذه الحقائق وللانكشاف للوعي والذاكرة الجماعية؟ ألم تأتِ هذه السلسلة بشكل خاص من أجل سدّ هذه الثغرة؟
في البداية ظننت بأن هذه الحاجة سوف يسدها الغلاف الخلفي للكتب، ولكن الغلاف الخلفي مبهم وغامض. المعلومات التي يقدمها مفعمة بالرموز الوطنية التي تدعو الأهالي لمطالعة الأمور و"كسر رؤوسهم" بمحاولات إيجاد طريقة لشرحها لأطفالهم في جيل الخامسة مثلاً. غلاف صيّاد البصّة يستمرّ بقسم التاريخ إلى ما قبل وما بعد ولا يكمل الفكرة بأيّ طريقة: "كان عدد السكان عام 1948 حوالي 4000 نسمة...". غلاف "رسّام السّجرة" يتطرق إلى القرى المهجرة كمصطلحات ويذكر الانتداب ومستوطنة "إيلانيا"، ويترك الأهالي مجدداً في منتصف الطريق. أمّا "شاعر البروة" فهو مختلف ويعرض محاولة أولية للتطرق للأمور بشكل أوضح حبذا لو حصلت في السابقين: "هجّرت الأسرة إلى لبنان.. ثم عادت بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، لتجد القرية مهدّمة وقد أقيم على أراضيها موشاف (قرية زراعيّة إسرائيليّة)..".
ان كان الهدف من السلسلة هو اعطاء طرف خيط وشق الشباك قليلاً للأهالي ليشاركوا أطفالهم بالذاكرة الجماعية والوطنية وبرواياتهم الشخصية والعائلية، فهي تفعل ذلك على أكمل وجه. ولكن ان كان الهدف غير ذلك، فأشك بنجاعة هذه السلسلة بالوصول إليه. على الرغم من ذلك، لابد من أن نذكر أن "تنقُص المكتبة العربية قصص أطفال نوعية تجري أحداثها في فلسطين وشخصياتها وجغرافيتها فلسطينية". وهذه السلسلة هي بلا شك برعم أولي وطلائعي وقطرات مطر على أرض عطشة لأدب آخر يعيد "الطبيعي" إلى مكانه.
كما هي الكتب بالمحكية، أصرّ على توجيه رسالتي بالمحكية.
يعطيكي ألف عافية على ابداعك ومبادرتك، واحنا بانتظار المزيد والمزيد. بس الي عتب صغير عليكي، اسمحيلي وسامحيني فيه. وين كريمة عبّود؟ وين فدوى طوقان وهند الحسيني ومي زيادة؟ ليس تقليلاً بقيمة الموجود بل الطمع بحق المفقود. بكون أسعد أكثر لو عرفتينا على بطلات مثلهن في السلسلة القادمة.
- التاريخ: 18/12/2017
- كلمات مفتاحية: كتب