اخترنا لك
ساحر أوز العجيب: عن البنت والساحر والمسرحية في رام الله
اخترنا لك: كتب
تُعتبر "ساحر أوز" (The Wonderful Wizard of Oz) إحدى أهم روايات المغامرات في تاريخ أدب الأطفال والفتيان. كتبها فرانك لايمان باوم عام 1900، وأعد رسوماتها الفنان ويليام والاس دانسلو. أثار الكتاب منذ صدوره فضول الأطفال والكبار، النقاد والباحثين على حد سواء، ومثّل افتتاحية رمزية جدًا للقرن العشرين، في حروباته وفي ثوراته. ترجمت الرواية للغات كثيرة على نطاق واسع جداً وأعلنت عنها مكتبة الكونغرس كأعظم وأحبّ رواية خيالية أمريكية. نجاحها الرائد في المجال ونجاح مسرحية برودواي (1902) شجّعت الكاتب على إصدار ثلاث عشرة رواية إضافية عن بلاد أوز.
تروي القصة مغامرات طفلة صغيرة تدعى دوروثي، تعيش في احدى مزارع كانساس الأمريكية. تنتقل دوروثي وكلبها الوفي توتو من الأرض الأمريكية الآمنة إلى بلاد أوز العجيبة بعد أن يجرف منزلها اعصار سيكلون قوي. منزل دوروثي يسقط على رأس ساحرة شريرة في بلاد أوز (ساحرة الشرق الشريرة)، ويقضي عليها. يشهد هذا الحدث سكان قرية المانتشكيز، فيشكرون دوروثي على تخليصهم من شر الساحرة. سرعان ما تأتي ساحرة الشمال الصالحة (جليندا) وتقدّم لدوروثي الحذاء السحري خاصة ساحرة الشرق الشريرة كهدية شكر وعرفان على ما قدّمته للبلاد، وتدلها على الطريق إلى مدينة الزمرد فيها يسكن ساحر أوز. هكذا ترشد غليندا الطفلة دوروثي لتسير على طريق حجارة الآجر الصفراء للوصول إلى مدينة الزمرد، وتقول لها إنّ الساحر سوف يساعدها في العودة إلى كانساس.
تنطلق دوروثي وكلبها نحو مدينة الزمرد، وفي طريقها تلتقي بفزاعة يحلم بالحصول على عقل، ورجل تنك يحلم بالحصول على قلب، وأسد جبان يحلم بالحصول على الشجاعة. ينضمّ كلّ من هؤلاء إلى دوروثي في رحلتها إلى مدينة الزمرّد للقاء ساحر أوز وليطلبوا منه أن يحقق أحلامهم.
عند وصول المجموعة إلى مدينة الزمرد ولقاء الساحر، يطلب منهم الساحر التخلص من ساحرة الغرب الشريرة، كما تمكنت دوروثي من التخلص من ساحرة الشرق الشريرة. هكذا تستمر رحلتهم إلى بلاد الغرب. بعد التخلص من ساحرة الغرب، يعودون إلى الساحر، الذي يقدّم لكلّ من أصدقاء دوروثي مطلبه، عقل للفزاعة وقلب لرجل التنك وشجاعة للأسد الجبان. لكن الساحر لم يتمكن من مساعدة دوروثي وسرعان ما يكتشفون كونه مخادعًا وغير قادر على تنفيذ أيٍّ من السحر والشعوذة المنسوبيْن إليه. تحزن دوروثي على مصيرها، ولكن غليندا تأتي وتنصحها باستعمال حذائها السحري للعودة إلى كانساس، وهكذا تتمكن من العودة إلى وطنها.
رواية "ساحر أوز العجيب" تحمل في طياتها رموزًا سياسيّة ونسويّة كبيرة. تحلم دوروثي طيلة الرواية بالعودة إلى الوطن، رُغم السحر والجمال زاهي الألوان اللذيْن تشهدهما في أوز. حتى أنّ في الكثير من المشاهد، تقترح الشخصيات على دوروثي أن تترأسها وتستلم كرسي الملك عليها، لكن دوروثي تواصل بمقولتها الشهيرة، التي أصبحت رمزاً للوطنية الأمريكية - "there is no place like home" [لا مكانٌ يشبه الوطن].
بالاضافة إلى فكرة العودة إلى الوطن، هناك فكرة أخرى يرمز إليها باوم وهي فكرة الهجرة وتغيير المكان من أجل النجاح والازدهار. قد تبدو هذه الفكرة مناقضة للفكرة الوطنية التي ذكرناها سابقاً ولكن هذا الصراع وارد بين التوجهين وباوم يحله بطريقة إبداعية جداً. عندما تلتقي دوروثي بالفزاعة، تجده معلّقًا على عصا، حزين، وخامل ويائس، تساعده على النزول عن العصا وتشجّعه على مرافقتها إلى الساحر، وكذلك الحال مع رجل التنك والأسد. في نهاية الرواية، بعد الرحلة الطويلة والمثيرة، يصبح كل واحد منهم ملكاً على شعبٍ ما. أي أنّ اختيارهم للانتقال من مكانهم الطبيعيّ والخروج في رحلة إلى العالم الكبير جعلهم يزدهرون.
بالمقابل دوروثي لم تختر وحدها أن تخرج من مكانها ومن وطنها، فقد تم انتزاعها بالقوة عنه. تغيير المكان كذلك جعلها تزدهر، ولكن رغم هذا ظلّ الوطن هدفها المركزيّ، في حين كل واحد من أصدقائها حلم بتحقيق وتنمية ذاته، هي بدورها، لم تتنازل عن الحلم بالوطن، ورفضت استلام الحكم مرة بعد الأخرى طيلة الرواية.
ربما في أيامنا هذه، الحلم الامريكي هو الانتقال من مكان إلى آخر من أجل النجاح والازدهار، ولكن هذا الانتقال يجب أن يكون في حدود الولايات الأمريكية ليبقى الفرد في حدود وطنه. وهكذا فقط دوروثي، أمريكية الأصل، سعت للعودة إلى الوطن كانساس في أمريكا، بينما غيّر الآخرون الموجودون في وطنهم من البداية- بلاد أوز، أماكنهم وازدهروا من غير التنازل عن الوطن.
قراءة سياسية أخرى في الاطار الأمريكي تدّعي أنّ الفزاعة يمثّل طبقة الفلاحين، ورجل التنك يمثّل طبقة عمال المصانع، والأسد يمثل السياسي الصارخ للشعارات من غير أيّ شجاعة لتنفيذها. تبعاً لهذا التوجّه يمكننا رؤية دوروثي كتمثيل للمواطن الأمريكي الذي يجمع بين العناصر الثلاثة ويأخذهم إلى الرئيس (الساحر)، بطريق نظام الذهب الدولي (حجارة الآجر)، وهو نظام مالي يستعمل فيه الذهب كقاعدة لتحديد قيمة العملة الورقية.
بلاد أوز هي بلاد عجيبة عرّفنا عليها فرانك باوم أول مرة في كتابه "ساحر أوز العجيب". بلاد أوز هي بلاد "حقيقية" بحسب رواية باوم، وهو يزورها كلّ فترة ليأتينا بقصصها وبتاريخها. كانت هذه الرواية حول الكتاب، أحد أسباب نجاحه الكبير، إذ وقع القراء الصغار في عشق هذه البلاد وحلموا بالوصول إليها. لم تكن أوز ولو لوهلة بلادًا خيالية وبلادَ أحلام، كما هي أرض العجائب في قصة أليس، ولا بلادًا بعيدة تحمل كل مميزات بلاد الأدب الشعبيّ كما هي نيفرلاند في قصة بيتر بان.
في الكثير من دراسات أدب الفتيان في بداية القرن العشرين، وصف الباحثون القسمة بين الواقع والخيال كالقسمة بين الحيّز العام والحيّز الخاص، إذ يمثل الواقع الحيّز العام، فيه يتصرّف الجميع بحسب التعاليم والعادات والتقاليد المجتمعية، بينما في الحيز الخاص لا يعرف أحد كيف يتصرف الآخر؛ فقد يكون يمارس طقوسًا غريبة وعجيبة في حيّزه الخاص، ولهذا فقد تم تشبيه الحيّز الخاص بالخيال.
في رواية بلاد أوز هناك صراع واضح ومستمر بين الواقع والخيال، بين الحيز الخاص والحيز العام. جميع الحيوانات والكائنات الحية في بلاد أوز (الحيز الخاص) هي حيوانات متكلمة، وذات قدرة على التفكير والكلام بقدرات متفاوتة. ذلك مقارنة بكلب دوروثي، أمريكي الأصل، الذي لا يتمكن من الحديث في أي من البلاد (لا في الحيز العام- كانساس، ولا في الحيز الخاص- أوز). في أحد المشاهد الرائعة في الرواية، يعوي الكلب توتو في وجه الأسد الجبان، والصراع بينهما يتوقف بلطمة تضربها دوروثي على وجه الأسد. هذا اللقاء بين حيوان من عالم الواقع الأمريكي وعالم أوز يصبح لقاء مخيفًا جداً في نظر دوروثي. لقاء الواقع بالخيال، وهو ليس إلا تمثيلًا لاختلاط وصدام بين الحيز العام والحيز الخاص.
مؤخراً في الرواية، نجد الكلب توتو والأسد الجبان وقد أصبحا صديقين عزيزين. في نظر باوم، لا يمكن الفصل بين الحيّز الخاص والحيّز العام، فلا يتمكن الواحد من الوجود من غير الآخر. لا يحاول باوم نفي القسمة للحيّزين، فهو لا يقترح أن تعيش دوروثي وتوتو في بلاد أوز، ولا أن تتعايش الحيوانات المتكلمة مع غير المتكلمة. ولكنه يوضّح أنّ الامكانية الوحيدة للتعايش السلمي بين الحيّزين هي من خلال تقبّل الواحد منها للآخر، والتفاهم والصداقة.
وهنا نسأل السؤال عن علاقة باوم بهذا النقاش والصراع بين الحيّزين...
نظرة سريعة إلى سيرة باوم الحياتية تظهر لنا أن حماته كانت من قياديات الحركة النسوية السوفراجية (حركة حق النساء بالتصويت) في الولايات المتحدة، وأن زوجته كانت ناشطة نسوية فعّالة في السنوات التي عمل بها على كتابة الرواية. نذكر أنّ الصراع النسويّ في تلك الفترة من بداية القرن العشرين، كان في نقاش ميدانيّ كبير في قضية الصراع بين الحيّز العام (السياسة والتمثيل) والحيّز الخاص (أعمال البيت ودور النساء). في تلك الفترة خرجت النساء من الحيز الخاص وتظاهرن بأعلى صوت من أجل الحصول على "صوتهنّ" الذي كان ممنوعاً في الحيز العام.
اذاً من خلال الصراع بين الحيوانات المتكلمة والحيوانات الصامتة، يستخدم باوم استعارة الصراع على الحق في اسماع الصوت ليقترح حله الأمثل لقضية النساء، وهو مشاركتهن في كلا الحيّزين.
تمثيل آخر للحراك النسوي السوفراجي، جاء بطريقة السخرية في الكتاب الثاني من السلسلة "بلاد أوز العجيبة"، فيه تقود جنرالة باسم جينجر، جيشاً من النساء لاحتلال بلاد أوز. الجنرالة جينجر تقود جيشًا يصرخ شعارات حول سلطة الرجال وقمعهن للنساء، ولكنهن يطالبن بالحصول على السكاكر والمجوهرات. هذه السخرية جاءت في الكتاب كنقد للحراك النسوي المتطرف الذي يسعى لصراع ونضال خاص للنساء لا يشمل الرجال ولا يشاركهم. من وجهة نظر هذا الكاتب الأمريكي النسوي بامتياز، النضال النسوي يجب أن يكون نضالًا مشتركًا للنساء والرجال لقمع الأبوية والشوفينية المجتمعية. وهذا كله يتمثل في رحلة دوروثي في الكتاب الأول، وحُكم الملكة أوزما في الكتاب الثاني.
في عام 1939 صدر فيلم ساحر أوز، من بطولة جودي جارلاند وراي بولجر، وأصبح الفيلم السادس في قامة أفضل 100 فيلم أمريكي في التاريخ. وحصل على لقب أفضل أغنية في تاريخ السينما الأمريكية (Over the Rainbow). هذا النجاح لم يتمثل فقط بالقصة الأمريكية بامتياز، التي تدعو لتمجيد الوطن والحنين إليه كل يوم من جديد، بل هو كذلك بفضل الامتياز السينمائي وريادة الانتاج، ففيلم "ساحر أوز العجيب" كان أوّل فيلم سينمائيّ يعرض مشاهدَ ملونة وليست بالأسود والأبيض فقط.
بداية الفيلم في كانساس تعرض مشاهد تقليديّة بالأبيض والأسود، تكتسب جميع ألوان الطيف عند انتقال دوروثي إلى بلاد أوز. في هذا العمل هناك الكثير من الرمزية السياسية والوطنية. فبحسب المنتجين، ربما بلادنا (الأمريكية) لا تحمل كل ألوان الطيف وعجائب الدنيا، ولا أيًّا من سحر وجنيات أرض أوز، ولكن بالرغم من هذا – "there is no place like home" [لا مكان يشبه الوطن]. فدوروثي تواصل طيلة الفيلم بحلمها بالعودة إلى الوطن.
للأسف الشديد، بالرغم من نجاح السلسلة العالمي، لم تتوفر ترجمة صادقة وكاملة للسلسلة للغة العربية حتى عام 2013، فيه تقدمت مكتبة البطريق في سلطنة عمان ووكّلت المترجم فهد السعيدي. هذه الترجمة كانت مميزة كونها الأولى التي أخذت النص كاملاً ولم تزيّف أو تغيّر أياً من تفاصيله العامة والخاصة.
في قراءة الترجمة العربية ومقارنتها بالنص الانجليزي نقتبس المترجم والباحث بدر الجهوري في حديثه لمجلة الوطن: "نجده ملتزماً بالنص الأصلي ولكن بشكلٍ مبالغٍ فيه في بعض الأحيان، فنجده يستخدم مكافئاً شكليًا (حسب نظرية المكافئ اللغوي ليوجين نايدا) فيترجم جملة “Make yourself at home” إلى “اجعل نفسك وكأنك في بيتك” رغم أنه كان قادراً على استخدام مكافئٍ ديناميكي يؤدي وظيفة النص الأصلي ولكن بصياغة أقرب للقارئ العربي مثل “اعتبر البيت بيتك”.
ومثال آخر على هذا، هو مشهد قتل ساحرة الغرب، فيه تعتذر دوروثي من الساحرة على فعلها وتعترف بأنها كانت تجهل أن أعمالها قد تؤدي لقتلها.
يدّعي بدر الجهوري أن هذا النوع من الترجمة الدقيقة، ربما يفقد النص نوعاً من تحويله الثقافي، ولكنه ضروري لمحاكاة الكاتب الأصلي في جعل النص سهل القراءة للأطفال.
مسرح سفر الفلسطيني
مسرحية الساحر أوز هي الانتاج الجديد لمسرح سفر الفلسطيني الذي يشرف عليه الفنان فادي الغول، بدعم وتمويل من الصندوق العربي للثقافة والفنون- آفاق.
لأول مرة في فلسطين ينتج هذا العمل مسرحيا وقد أعدّ النص المسرحي الفلسطيني فتحي عبد الرحمن وأخرجه فادي الغول وهو من تمثيل مجموعة من الشباب الموهوبين في مسرح سفر. وتتضمن مسرحية الساحر أوز العشرات من الرسائل التعليمية والتربوية التي من شانها ان توعّي الاطفال وتثير اهتمامهم في الكثير من المواقف المؤثرة في المسرحية.
وقال الغول لموقع حكايا إنّ إخراج مسرحية ساحر أوز كان واحداً من أحلامه، لأنه يرى بها رسائل تربوية وثقافية كبيرة ورائعة للأطفال. ويضيف: "كان هدفي توصيل معلومات تعليمية وتربوية، بشكل فني وراقٍ للأطفال". وعلى صعيد الاخراج اعتمد المخرج على عنصر التمثيل بشكل اساسي والاهتمام في تفاصيل الاداء المتقن للادوار. وجرت كذلك الاستعانة بالتقنيات الحديثة كبديل عن الديكور التقليدي، حيث سنشاهد جميع مشاهد وأحداث المسرحية من خلال صور ولوحات تجسد عن طريق الفيديو بروجكتر (فيديو آرت)، وتم استخدام نفس الموسيقى الكلاسيكية الاصلية للفيلم العالمي مع إعداد موسيقى خاص ليتناسب مع المسرح، وترجمة بعض الأغاني إلى اللغة العربية.
يذكر ان المسرحية سوف تقدم باللغة العربية الفصحى المبسطة للاطفال، ويشارك في المسرحيّة سبعة ممثلين وهم: وداد عطا الله وأميرة الغول ومحمد أبو عوقة وجمال عرار وهبة أبو لبدة وعزت النتشة وفادي الغول. تقني الصوت: طارق رشماوي، وتنفيذ الفيديو آرت وإدارة الانتاج كرستينا شاهين، وقامت بتنفيذ الملابس رجاء الريماوي، ووضع تصميم الاضاءة للمسرحية الفنان المسرحي المعروف عماد متولي.
في هذه الأيام، تُعرض مسرحية "ساحر أوز العجيب" للأطفال من اخراج الكاتب المسرحي فادي الغول في قصر رام الله الثقافي.
تاريخ العروض: الخميس ٢٨/١٢/٢٠١٧ والجمعة ٢٩/١٢/٢٠١٧
ساعة العرض : الخامسة مساءً
مكان العرض : قصر رام الله الثقافي
مدة العرض : 75 دقيقة
الفئة المستهدفة : الاطفال من عمر ثلاث سنوات فما فوق وبامكان جميع افراد العائلة مشاهدة المسرحية.
التذاكر: للجميع، باستثناء الأطفال تحت عمر سنتين (الرُّضّع).
سعر التذكرة : ٢٠ شيكلًا فقط.
مكان بيع التذاكر : محلات شاورما وائل ابو العبد بفرعيه رام الله التحتا والارسال (لا نضمن وجود تذاكر على باب المسرح ونأسف للجميع في حال نفدت التذاكر قبل موعد العرض).
- التاريخ: 24/12/2017
- كلمات مفتاحية: كتب