Image Background

اخترنا لك

سريالية ميازاكي: فيلم الولد ومالك الحزين- كيف تعيش؟

اخترنا لك: أفلام


سريالية ميازاكي: فيلم الولد ومالك الحزين- كيف تعيش؟
لؤي وتد

فيلم "كيف تعيش؟" الياباني الجديد، أو "الولد ومالك الحزين"، باسمه العالمي (The Boy and the Heron)، من إخراج هاياو ميازاكي الشهير، يأخذ جمهوره في رحلة سينمائية يمكن تشبيهها بركوب القطار الأفعواني - مزيج من التصاعد والهبوط، في لحظات تشعر بأنك في مركز الإثارة، ثم لحظات يهبط فيها الاهتمام إلى الملل. يبدأ الفيلم بوعودات بأنه سيكون فيلم رهيب، لكنه يغامر في مشاهد ضعيفة ومملة إلى حد ما قبل أن يغمر المشاهدين في عالمه السحري. الثلث الأخير من الفيلم يصبح تجربة آسرة، تتجاوز الحاجة إلى الفهم المنطقي، ولكن الطريق إليه طويل.

مثل الكثير من أعمال ميازاكي السابقة، يعرض الفيلم رسومًا متحركة مذهلة وتصميمَ عالم ساحر من الغرابة واللامنطق. مقارنة "كيف تعيش؟" مع أفلام ميازاكي السّابقة توفّر عزاءً للمشاهد لأنّه ليس بحاجة لفهم كافة التفاصيل في الفيلم ليستمتع به، ولكن أحيانًا يكون هذا غير كاف. بالذات كون الثيمات المركزية في الفيلم، مثل الحرب ومواجهة الأطفال لها، قد عولجت بطريقة أفضل في أفلام ميازاكي السابقة.
تدور القصّة المتأثرة بسيرة ميازاكي وعلاقاته الشخصيّة، حول سعي الطفل ماهيتو ماكي لإنقاذ والدته وخالته، زوجة أبيه. يبدأ الفيلم في حرب المحيط الهادئ 1943 في طوكيو، حين يفقد ماهيتو والدته هيساكو في حريق بالمستشفى. يتزوج والده من أخت والدته وينتقلون للسّكن في منزل بعيد عن المدينة في الرّيف. في مستنقع قريب من البيت، يلتقي ماهيتو بمالك الحزين غامض يلاحقه ويقوده إلى برج مهدوم قريب من المنزل، ثم يتكلّم إليه ويعده بأنه سيأخذه للقاء والدته. هكذا ينطلق في رحلة ساحرة تمثل إمكانية مواجهة مشاعره تجاه فقدان والدته وتهديد وطنه، وحتى كونه منبوذًا من بقية أبناء جيله في المدرسة الجديدة في الريف.
يقدم الفيلم عناصرَ سحرية وشخصيّاتٍ معقدة، وينسج معًا طبقات مختلفة من العلاقات الأُسريّة. مشهد فقدان الأم وموتها في حريق المشفى مثلا، هو مشهد ملحميّ رهيب ومؤلم، تمتزج فيه الأم بألسنة النار، ويتحوّل ألم ابنها إلى خوف ومأساة يتمكّن المشاهد من الشعور بتفاصيلهما وألمهما، رغم أنها تأتي في البداية. وفي حين أنّ بعض المشاهد قد تبدو وكأنها حلم ومُختصرة، إلّا أنّ السّرد العام للقصّة يعكس قدرة ميازاكي على استكشاف موضوعات عميقة مثل التشافي النفسانيّ والتضحية وقوّة الابداع والانتاج. تتميز ذروة الفيلم، التي تدور أحداثها في مواجهة عالم مُنهار، بتسلسلات مذهلة بصريًا، يدعو نهجها الشموليّ إلى تفسيرات مُتعدّدة، ما يُحوّلها إلى منجم للتأويلات. بالذات لهذا السبب هناك شعور بأنّ الفيلم يريد أن يقول شيئًا ما، ولكنه يتركه للمشاهد بطريقة غير مقنعة، وكأنّه يمكن تأويل الفيلم بأيّ طريقة ولأيّ هدف.

بالإضافة تحمل حبكة الفيلم بعض أوجه التشابه والتناصّ مع رواية لويس كارول "أليس في بلاد العجائب": رحلة ماهيتو إلى عالم غامض عبر برج، ومواجهة مخلوقات خياليّة، والتنقل عبر عوالم مختلفة توازي مغامرات أليس في جحر الأرنب. إنّ وجود حيوانات مُجسّمة، وتحوّلات سحرية، ومواجهات مع شخصيّات غريبة يعكس كذلك هذا النوع من التشابه؛ فمالك الحزين يكون بديلًا عن أرنب أليس وقط التشير، ولقاء حرس الببغاوات يشبه جيش الملكة الحمراء. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ استكشاف ماهيتو لعوالم مختلفة وانتقاله بين غرابة وأخرى، من دون تسلسل منطقيّ بينها بالضرورة، يعكس الإحساس السريالي الموجود في "أليس في بلاد العجائب". إنَّ المزج بين الواقع والخيال، فضلاً عن سعي البطل لاكتشاف الذات، يعكس العناصر الموضوعيّة الموجودة في عمل كارول الكلاسيكيّ. قد تضيف هذه المراجع التناصيّة طبقات من العمق والرمزية إلى السّرد، ما يدعو القراء إلى رسم روابط بين القصّتيْن، ولكن مرة أخرى- هذا لا يصب في صالح الفيلم، كوننا خضنا هذه التجربة السريالية سابقًا.
رغم السّرد المعقد وتحفّظاتي هذه، لا بدّ لنا من ذكر أنّ الفيلم قد تلقى إشادة من النقاد، وحاز على العديد من الثناء والتقدير، وقد فاز مؤخرًا كذلك بجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم رسوم متحركة، وكان أول فيلم مرشح من استديو جيبلي.

بكلمات أخرى، في حين أنّ "كيف تعيش" لا يتفوق على بعض روائع ميازاكي واستديو جيبلي السّابقة، إلا أنّه يمثل عملاً ناضجًا ومُعقدًا، ويتردّد صداه مع موضوعات المرونة والنمو النفسانيّ والارتباط الإنسانيّ بعالم يتّسم بالصراع والحرب. يقدم الفيلم تجربة سينمائيّة جذّابة، رغم أنّ مزيجه من العناصر الخياليّة وصراعات العالم الحقيقيّ قد لا يلقى صدًى متساويًا لدى جميع المشاهدين. أحدث إبداعات ميازاكي هو عبارة عن أفعوانيّة سينمائيّة تقدّم في النهاية تجربة آسرة بصريًا ومثيرة للتفكير، رغم صعودها وهبوطها.

مواد متعلقة:

عدنان ولينا: نوستالجيا ودور هام للأطفال

  • التاريخ: 27/01/2024
  • كلمات مفتاحية: أفلام