اشتهر المسلسل الكرتوني "عدنان ولينا" في العالم العربي وأصبح الاثنان زوجين معروفين كقيس وليلى أو عنترة وعبلة. ولكن ما هو مصدر هذا المسلسل وكيف وصل إلى قلوب العالم العربي بهذه السهولة وأصبح جزءًا لا يتجزّأ من طفولة العربي وثقافته؟
مصدر المسلسل هو أنيمي، أو كرتون ياباني باسم "ميراي شونِن كونان" (كونان فتى المستقبل)، صدر سنة 1978 معتمدًا على رواية "المدّ المذهل" (1970) للروائي الأمريكيّ ألكسندر هِل كي. عدنان ليس إلّا كونان في الصيغة الأصليّة، وكذلك لينا التي كانت في الأصل لانا. أشرف على إخراج الكرتون المخرج هاياو ميازاكي، أحد أعظم مخرجي ورسّامي الرسوم المتحركة اليابانية في العالم، ومؤسّس شركة استديوهات جيبيلي للانتاج السينمائيّ للأطفال. اشتهر ميازاكي بالغرب بفضل أفلامه "الأميرة مونونوكي" و"المخطوفة" اللذيْن حصلا على جوائز عالميّة. وبفضل هذا النجاح طمعت شركة والت ديزني بشراء الحقوق على توزيع إصداراته في الغرب، إلّا أنهم لم يحصلوا إلّا على بعض هذه الحقوق.
إحدى أحبّ الشخصيّات على القلوب كانت شخصيّة عَبسي (جيمسي في الأصل)، وهي شخصيّة فتى أدغال نجا من الحرب وتربّى في الأدغال وحده، فتعلم الصيد والقتال وكلّ المهارات الهامة للبقاء على قيد الحياة
عودة إلى عدنان ولينا... كما يذكر الكثيرون، تدور أحداث الكرتون في فترة ما بعد الحرب العالمية الثالثة، التي وقعت بحسب المسلسل سنة 2008، وتسبّبت بإحداث فوضى عارمة وتدمير الكرة الأرضيّة كما نعرفها، وإغراق جميع قارّات الكرة الأرضيّة. وحاولت مجموعة من روّاد الفضاء الهرب إلى الفضاء الخارجيّ، إلّا أنّ جميع محاولاتهم باءت بالفشل. وتسقط إحدى المركبات الفضائيّة على جزيرة قد نجت من الدمار في المحيط اللانهائيّ.
بعد عقديْن من الحرب، بقي على قيد الحياة كونان وجدّه، ولكن سرعان ما يكتشفان أنّ هناك ناجين غيرهما يحاولون الحصول على أسلحة أقوى من التي اُستعملت في الحرب، معتمدين على الطاقة الشمسيّة. لهذا الهدف، يخطفون طفلة في سنّ الحادية عشرة، هي لينا (أو لانا)، كي يبتزّوا جدّها، أحد أهم علماء الطاقة الشمسيّة، ليعطيهم سرّ استعمال الطاقة لبناء السلاح.
إحدى أحبّ الشخصيّات على القلوب كانت شخصيّة عَبسي (جيمسي في الأصل)، وهي شخصيّة فتى أدغال نجا من الحرب وتربّى في الأدغال وحده، فتعلم الصيد والقتال وكلّ المهارات الهامة للبقاء على قيد الحياة. شخصية عبسي تمثل بشكل رائع الفرد الذي يتمسّك بالماضي ولا يرضى بتحمّل مسؤولية كوارث التكنولوجيا والتطوّر التّي سببها أجداده. وبرغم هذا، ينضمّ إلى رحلة عدنان من أجل إنقاذ لينا من أيدي العصابة- سكان القلعة.
كانت سنة 2008 سنة مميزة جداً وهامة في المسلسل، كونها سنة نشوب الحرب العالميّة الثالثة، ولذلك استوقفت الكثير من النقاد لدراسة المسلسل من جديد. في تلك السنة ذكر ميازاكي أنّ أهمّ ما أراد إظهاره في المسلسل كان أنّ الصغار يتمكّنون من الاعتناء بأنفسهم كما فعل عبسي وعدنان، ولكنه ندم على أنّ شخصية لينا كانت خاملة إلى هذه الدرجة. بالمقابل، وفي العالم الإسلاميّ، بدأت أصوات عالية تنادي بتحريم المسلسل الكرتونيّ بسبب رمزيّته الكبيرة للديانات اليهوديّة والبوذيّة والمسيحيّة، حيث قارنوا بين شخصيّة جدّ لينا والمسيح الدجّال، وكذلك انتقدوا بشدّة فكرة لعب عبسي مع صغار الخنازير وأكلها، بالاضافة لعلاقة عدنان بلينا ولفكرة مخاطبة الطيور وإنزال المطر بأمرٍ من البشر. إلّا أنّ أصوات التحريم سرعان ما تلاشت بسبب نوستالجيتة المسلسل ومكانته في قلوب الأهالي، بما لا يقلّ عن الأطفال.
للمسلسل فوائد ممتازة تساعد على تطوير ذهن الطفل وتفكيره النقديّ، وهو يتعامل مع موضوع العلم والتكنولوجيا بذكاءٍ وفطنة، بالاضافة لطرحه موضوع دور الطفل ومكانه في تطوير المجتمع نحو الأفضل
لا شكّ في أنّ للمسلسل الكرتونيّ فوائدَ قمة في الروعة تساعد على تطوير ذهن الطفل وتفكيره النقديّ؛ فالمسلسل يتعامل مع موضوع العلم والتكنولوجيا بذكاءٍ وفطنة، حيث يعرض المفارقة اللانهائيّة بين فكرة نعمة العلم ونقمته، وبين نعمة التكنولوجيا ونقمتها. وهو يعرض أيضًا دور العالِم كدورٍ مركزيٍّ في تنظيم الحياة المستقبليّة، بالاضافة لطرحه موضوع دور الطفل ومكانه في تطوير المجتمع نحو الأفضل.
تعليقات (0)
إضافة تعليق