اخترنا لك
الفهد الأسود: عن سياسة العرق والجنس وقضية اللجوء
اخترنا لك: أفلام
في الأسبوع الماضي نشرنا في موقع "حكايا" مادة حول الفهد الأسود ووصفناه كفيلم مارفل المنتظر منذ سنوات. واليوم، بعد مشاهدة الفيلم نؤكد بوضوح: هذا الفيلم جاء ليحارب ظواهر العنصرية ولينتقد القمع التاريخي الأبيض لشعوب أفريقيا عامةً. الفهد الأسود قد آتى، وأتت معه الثورة السينمائية.
الفيلم لا يتلخّص بعرض قصة بطل خارق جديد، بل يبسط أمام مشاهديه أرضًا خصبة لحوار سياسيّ مستمرّ منذ الستينات. ظهر البطل في مجلات الكوميكس بداية في ستينات القرن السابق، وهي السنوات ذاتها التي ارتفعت فيها أصوات المجتمع الأسود في الولايات المتحدة، وأخرجت آلاف المتظاهرين وراء قيادات الحراك السياسي. هذه القيادات تمثّلت حينها بمارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس (الحاج مالك الشبّاز)، وكلاهما حصلا على تمثيل واضح وصريح في الفيلم الهوليوودي الحالي. الخلاف المركزي بين القائدين كان حول طريقة النضال السياسي ومقدار عنفوانيته، بالضبط كما جاء في الفيلم.
أحداث الفيلم تجري بمعظمها في واكاندا، الدولة الأسطورية في مركز القارة السوداء، أفريقيا. واكاندا هي دولة تحافظ على سرية حدودها واستقلاليتها، كما هي أطلانتيس الأسطورية أو إلدورادو. في الماضي، اكتشف سكان واكاندا معدناً نادراً مكّنهم من إخفاء حدود الدولة عن العالم الخارجيّ، كما مكّنهم من تطوير تكنولوجيا متقدّمة جدًا وكأنها تكنولوجيا مستقبلية.
يحكي الفيلم عن الأمير تاتشالا ويبدأ بحصوله على كرسي الملك بعد موت والده، الملك تاتشاكا. لكي لا نكشف الكثير من أحداث الفيلم نكتفي بأنه خلال الفيلم يكتشف الملك الجديد أنّ أمرًا ما في الماضي أدّى إلى نفي عائلة عمّه عن الدولة الأفريقيّة، ما أدى بابن عمّه، أريك كيلمونغر، بالترعرع والبلوغ في المنفى في أوكلاند، في الولايات المتحدة، ذاتها أوكلاند التي تطوّر فيها حراك "الفهود السود" في الستّينات، وذاتها أوكلاند، رمز العنصرية والقمع ضد المجتمعات المستضعفة في الولايات المتحدة. في المنفى يترعرع كيلمونغر، ويتبلور وعيه السياسيّ ليصبح ناشطًا سياسيًّا يدعو لكشف واكاندا على العالم واستغلال ثروتها وتكنولوجيتها لانقاذ باقي مجتمعات السود حول العالم.
هكذا يحتد الصراع بين كيلمونغر وتاتشالا، حيث يسعى الأول لانقاذ كافة السود في العالم، والآخر للحفاظ على استقلالية بلاده أمام الرجل الأبيض المستعمر. بهذه القصّة يتمكّن الفيلم من كشف توجهين أيديولوجييْن يمثّلان سياسة النضال المسّلح التي اقترحها مالكوم إكس، وسياسة النضال الدبلوماسي التي اقترحها مارتن لوثر كينغ. فهل من الممكن أن تبرّر الغاياتُ الوسائلَ؟
قضية أخرى يناقشها الفيلم هي قضية اللجوء؛ فأحد مستشاري الملك تاتشالا يقترح عليه فتح الحدود لاستقبال اللاجئين من الدول المجاورة، ان كانت إريتريا أو أثيوبيا أو الصومال، كون الدول الأفريقية تتميّز بفقرها المدقع، بخلاف واكاندا الغنية والمتطوّرة. إلّا أنّ الملك تاتشالا يعرض أمامه إشكالية فتح الحدود كونها سوف تفتح باباً، لا بل بوابة، لمشاركة كافة العالم بخيرات البلاد المستقلة الغنية. ومرة أخرى نسأل السؤال: هل من الممكن أن تبرر الغايات الوسائل؟
يضيف الفيلم على قضية قمع السود حول العالم قضية شائكة أخرى، ولكنه يقترح حلًا بسيطًا وواضحًا لها، وهي قضية قمع النساء. في الفيلم نجد أنّ الملوك ما زالوا ذكورًا، ولكن قيادات الجيش والتكنولوجيا يمكنها أن تكون بشكل طبيعي من النساء. هذه الدولة الغنية والمتطوّرة تتمثل بجيش قويّ جداً من النساء، التي تدير التكنولوجيا الأكثر تقدماً في العالم، أيضًا. كون النساء جزءًا لا يتجزّأ من المجتمع البشريّ، من الطبيعي أن يكون لها دور كذلك في قيادة المجتمع، ما يؤدّي إلى تطوّره وتقدّمه سنوات ضوئية أمام المجتمعات القامعة لنصفها الآخر.
بشكل طبيعيّ وراقٍ، يعرض الفيلم المدينة الفاضلة واكاندا كدولة تحترم نساءها ورجالها على السواء، ولا تفرّق بين مواطنيها بحسب لون بشرتهم.
إذا كنتم فوق جيل الـ11 سنة، فعليكم بمشاهدة الفيلم حالاً. للأهالي أقول، إضافة لكل ما ذكر حول فوائد الفيلم الايديولوجية، فكما هو الحال في غالبية أفلام الأبطال الخارقين، في الفيلم هناك الكثير من مشاهد العنف. غالبية هذه المشاهد تتميز بالقتال بالرمح والنصل، ومع ذلك، فإنّ بعض المواجهات تشمل معارك تفجيريّة أكبر وصراعات بتكنولوجيا متطوّرة. مشاهدة الفيلم سوف تقدم للأهالي الكثير من المواضيع التي بحاجة إلى نقاش من تصوير العرق والجنس وأهمية وجود الأبطال الخارقين السود كأبطال في مركز القصّة وليس كمساعدين.
توضيح التناصّ- فقط لمن شاهد الفيلم
ذكر التطرق لفيلم "الأسد الملك" في إطار "الفهد الأسود" بداية على يد شركة ديزني بنفسها (صاحبة الحقوق على أفلام مارفل)، عندما أعلنت عن "الفهد الأسود" بواسطة اقتباس مباشر من "الأسد الملك" وهو: "The king has returned" (لقد عاد الملك). عند مشاهدة الفيلم، يمكن مباشرة فهم هذه العلاقة، كون قصص الفيلمين مترابطة جدًا وهناك تناصّ مثير للفضول بينهما.
في "الفهد الأسود"، يقتل أحد الفهود أخاه ويترك ابنه في المنفى، بالضبط كما فعل سكار بسيمبا. عودة كيلمونغر من المنفى مطالبا بحقه على كرسي الحكم، تهدّد النظام السياسيّ القائم وتزعزع كيانه، بالضبط كما في "الأسد الملك". اضافة إلى هذا التشابه، نجد أنّ قصة حياة كيلمونغر مطابقة جداً لحياة سيمبا، بينما ايديولوجيته بالمساواة ومحو الطبقية مطابقة لايديولوجية سكار. هذا التغيير إن دلّ على شيء فقد يدل على تغيير في وجهة النظر السياسية المحافظة التي حصلت على كافة التقدير في "الأسد الملك" عام 1994. واليوم، تتحول وجهة النظر هذه إلى نظرة تسعى لدمج النشاط الاجتماعي بالدبلوماسية السياسية.
- التاريخ: 18/02/2018
- كلمات مفتاحية: أفلام