Image Background

اخترنا لك

قراءة تحليلية لرسومات نُقْطَةٌ وَنُقَيْطَةٌ

اخترنا لك: كتب


قراءة تحليلية لرسومات نُقْطَةٌ وَنُقَيْطَةٌ
لؤي وتد
مقدمة

"ننسى في الكثير من الأحيان أن دورة المياه ودورة الحياة ما هي إلّا واحد" (جاك ايف كوستو)
أفتتح المادة في هذا الاقتباس على لسان الكابتن كوستو كونها تتطرق بمعظمها للحوار الدائم بين الدورتين، دورة المياه ودورة الحياة، وهو ذاته الحوار في "نقطة ونقيطة" بين النص المكتوب والنص المرسوم. في هذه المادة سأتطرق لتحليل كتاب "نقطة ونقيطة" للأديب سامي ميخائيل الحائز على جائزة أندرسن، الأرقى في أدب الأطفال، والرسامة ليئورا غروسمان، الحائزة كذلك على جائزة أندرسن لرسومات أدب الأطفال، وترجمة أنطوان شلحت.
يحكي كتاب "نقطة ونقيطة" قصتين مقابلتين تكمّل احداها الأخرى. الأولى تحكي قصة نقطتي ماءٍ، نُقْطَةٌ وَنُقَيْطَةٌ، فرّقت الحياة بينها ومرّت كل واحدة منها في الكتاب رحلة مغامرات مميّزة تمثل دورة المياه في الطبيعة. بالمقابل لقصة نُقْطَةٌ وَنُقَيْطَةٌ، تجري قصة الطفلين نديٌّ ومي، اللذين كانا صديقين عزيزين واضطرتهم الظروف للفراق والانطلاق في رحلتين شخصيّتين ومختلفتين، كلٌّ منهما رحلة تمثل دورة حياة الانسان بصورة أو بأخرى.
العلاقة الوطيدة بين النّص المكتوب والنّص المرسوم، متغيّرة وديناميكية في النص بين الصفحة والأخرى بناءً على خيارات الرسّامة غروسمان، ما يمثّل نمط رسمها بشدة. في بعض الصفحات تختار غروسمان رسمًا مطابقًا للنص، وفي صفحات أخرى تضيف إليه سردًا جديدًا لاكمال القصّة في الرسومات، ما يُسمّى في بحث الرسومات لأدب الأطفال- استكمال متبادل. في هذه المادة سأتطرق إلى الصفحات بداية بالصفحة الأولى التي فيها يظهر "الفصل الأول"، وحتى الصفحة الأخيرة. سأتطرق إلى كل صفحة كمزدوجة صفحات على كلا طرفيها الأيمن والأيسر من الكتاب.

تصميم الكتاب

على غلاف الكتاب يمكننا ملاحظة العلاقة الأولية بين نقطتي الماء والطفلين، حيث يجلس الطفلين، ندي ومي، على مقعد بنفس لون الورقة التي تحمل نقطتي الماء نقطة ونقيطة. بنفس اللّون يظهر عنوان الكتاب ويرمز للعلاقة العامة في الكتاب بين الشخصيات والقصتين المقابلتين. في الغلاف نجد رموزًا لأفكار مختلفة يقترح عرضها الكتاب، مثل أوراق الشجر المتساقطة التي تغطي الغلاف بعد أن فُرض عليها الانفصال عن مصدرها ومكان استقرارها الأولي، كنقطتي الماء والطفلين.
شكل الكتاب الخارجي، وكونه مصمماً كمربع فيه الطول والعرض متساويان، بخلاف عما هو دارج في أدب الأطفال، يمثّل استعارة لأفكار ميخائيل وغروسمان في الكتاب بحسبها الحوار الدياليكتيكي بين المقابلات يبرهن أن الاختلاف بينها هو وهمي في الكثير من الأحيان. طول الكتاب وعرضه متساويان بالضبط كما أصبح نقطة ونقيطة متساويين ومكمّلتين واحدة للأخرى في نهاية القصة، بالضبط كما كمّلت دورة المياه دورة الحياة، وكمّل النّص الرسومات والعكس، وكذلك شكل الكتاب – في طوله وعرضه.

حوار بين الألوان

أضافت غروسمان إلى النّص تقنية رسم مميزة، وهي الحوار بين الألوان؛ فالألوان الباردة (الزرقاء) تميل إلى "الانتقال إلى الخلفية" ولمسات الألوان الدافئة (بالذات الأحمر) تميل إلى "المضي قدما" في عين الناظر. لهذا نجد الشجرة والمقعد والعنوان باللون الأحمر. هذه الألوان والحوار بينها، جاء ليذكر المشاهدين في كل وقت أن القصة هي عبارة عن حوار مستمر بين الأشياء، بين ندي ومي، وبين نقطة ونقيطة وبين النص والرسومات.
هذا الحوار بين الألوان، ربما يكون شفافًا لعينيّ الطفل في البداية، إلا أن تأثيره كبير على فهم النص وفهم ديالكتيكيته حتى بشكل باطني وغير واعٍ. يمكننا متابعة هذه التقنية بشكل واضح في الفصل الثاني في الكتاب، إذ تحكي لنا غروسمان قصصًا مختلفة في الرسومات، إلا أنّ اللون الطاغي الذي يبدو وكأنه ثلاثي الأبعاد وأقرب إلى القارئ، هو لون ورقة الشجر الحمراء التي تحمل نقطة ونقيطة. هذه التقنية تضع النقطتين في مركز الصورة، رغم أن مكانها من الصفحة هو هامشي نسبيًا.

نقطتا مياه

أما بالنسبة لمضمون الكتاب، فنجد في الصفحة الأولى أنّ النصّين المكتوب والمرسوم مكمّلان الواحد للآخر بشكل مطلق. لكن في الصفحة الثانية مباشرة، نجد استكمالًا متبادلًا بينهما. أي أن النص المكتوب والنص المرسوم مكمّلان الواحد للآخر وكلاهما يدعم سرد القصّة من خلال تمرير بعضها لغوياً وبعضها بصرياً. يتمحور النص المكتوب في الصفحة الثانية، حول الحوار بين نقطة ونقيطة حيث تعبر نقطة عن أسفها وأساها عمّا يحدث على المقعد تحتها. في مركز الرسمة نرى ندي ومي يجلسان على المقعد بحزن، ويمسكان الواحد بيد الأخرى وينظران بشكل مباشر إلى الطفل، "قارئ" النص المرسوم. بعدها يكمل النص الرسومات ويحكي للطفل المستمع للنص عن سبب حزن ندي ومي. نقطة ونقيطة لا تظهران في الرسومات في هذه الصفحة ومركزية الأحداث في الرسم تتمركز في شخصية ندي ومي.

في هذه الصفحة، يقوم الرسم بالفصل بين قسمي النص بخط أفقي يمتد على عرض الكتاب. في هذا الأفق يمكن تمييز الخلفية الحضرية الاسرائيلية لمدينة تل أبيب، ويمتد من وراء ندي ومي الجالسيْن تحت الشجرة في يمين الصفحة، ويعطي مكانًا للطفل، "قارئ" النص المرسوم، لاكمال الرسم وتخيّل نقطة ونقيطة على احدى أوراق الشجرة. وفي الجهة اليسارية من الصفحة نجد خطّ الأفق الحضري يفصل بين قسمي النص المكتوب، الأول الذي يعرض القصّة على لسان نقطة والثاني الذي يعرض مأساة الوقت الباقي لندي ومي قبل ساعة الفراق.
في الصفحة التالية نعود لرؤية نقطة ونقيطة في الرسومات، وكذلك النص يعود لمركزتهما وللحوار الدائر بينهما. في هذه الصفحة تستعمل غروسمان تقنية رسم جديدة وهي تقنية النصّ المرصوص أو الدوّري، حيث تظهر الشخصيّات مرّتين في ذات الصفحة. عنصر الظهور المزدوج - هنا وهناك - يمثل في الواقع انتقالًا زمنيًا بين الآن ولاحقاً في السّرد. هكذا يرتبط الرسم بالتسلسل الزمني الذي ينقله النص المكتوب بشكل طبيعي، كونه مكتوبًا بتسلسل يقرأ جزء منه قبل الآخر. على اليمين، نقيطة "كادت تذرف دمعة"، وعلى اليسار نجد نقطة تحاول احتواءها واحتضانها بابتسامة عزاء.
في الصفحتين الرابعة والخامسة نقطة تشجع نقيطة وتحكي لها عن دور المياه وأهميتها، وغروسمان تواصل استخدام الرسم بتقنية النّص الدوري، ولكن ليس بشكلٍ تام ومطلق حيث تضيف قاطعًا في مركز الرسمة ليفصل بين طرفي الصفحة. في الصفحة الرابعة، تظهر شجرة على طول الكتاب، وتفصل الجانب الأيمن عن الأيسر، وتعرض مظهرين مختلفين للطقس، الأول ماطر والثاني ثلجي، ولا يمكن أن يظهرا في نفس الوقت. قد يمثّل هذه القاطع بصورة شجرة فصل بين فترتين زمنيّتين مختلفتين، ولكن البيوت المرسومة في كل طرف من الصفحة يشير إلى معمارية مختلفة، ولذلك فمن المنطقي أن الفصل هو أيضا فصل جغرافي.
في كلا هاتين الصفحتين نجد تقنيات أخرى تستعملها غروسمان لتمرير عواطف ومشاعر مختلفة. التركيب الفني (Composition) للأشجار في الصفحة الرابعة مثلاً، ينقل الشعور بالتهديد الذي تمر به نقيطة الخائفة والضعيفة، وكذلك التركيب الفني للقاطرات المُهرولة في جميع الاتجاهات، في الصفحة الخامسة. لكن في مواجهة هذه التهديدات، تظهر قطرات الماء على كل جانب وهي واقفة معًا على ورقة الشجر الآمنة، والضخمة جدا نسبةً لحجم الأجسام الأخرى في كلا الصفحتين. تضخيم الورقة التي تحتوي القطرتين يضمن الأمن لنقيطة، وبهذه الطريقة يضمنه كذلك للطفل "القارئ".

ساعة الفراق

في الصفحة السادسة (الفصل الثالث)، نجد استكمال متبادل مجددًا، عندما تعيد غروسمان ندي ومي إلى مركز الرسمة وتدفع بنقطة ونقيطة إلى طرف الصفحة المخيف والمُهدِّد. في النص المكتوب، يظهر ندي ومي في عيون عصفورة غناء صغيرة، أرادت رفع معنوياتهما بصوتها العذب. وفي النص المرسوم نجد العصفورة تهدد نقطة ونقيطة في ذات الوقت. في هذه الصفحة تظهر تقنية رسم أخرى هي الفضاء الديناميكي، حيث فيه تظهر أوراق الشجر في تركيب فني يُعبر عن التحليق في الهواء، أي أنها في حال لا يمكنه الدوام نتيجة لقوانين الفيزياء حيث يفرض عليها الحركة المباشرة في لمح البصر، بالضبط كما هو حال فراق ندي ومي. بكلمات أخرى، ظاهرة تساقط أوراق الشجر، تعبّر هنا عن ديناميكية الحياة المفروضة على الانسان وعجز حرية الإرادة والاختيار أمامها.
في الصفحة التالية (السابعة)، يتضاعف الفراق ليصبح فراق ندي ومي وفراق نقطة ونقيطة. في الجهة اليمينية للصفحة نرى ندي يصعد مع أمه إلى الحافلة المتّجهة يميناً، ومي تراقبهما في السيارة المتّجهة يسارًا في الجهة اليسارية للصفحة. في هذه الصفحة كذلك نجد قاطع يتمثل في شجرة ضخمة تفصل بين طرفي الصفحة وبين الطفلين. بشكل مواز لفراق ندي ومي، يصف لنا النصّ فراق نقطة ونقيطة حين تتبخر الأولى وتتغلغل الأخرى إلى أعماق الأرض، ما يتمثّل بالرسومات على صورة فزع شديد يظهر في عيون نقيطة وهي تسقط أرضاً.
هذا الفراق المزدوج في النص، يصبح فراقًا واحدًا في الرسمة التي ترسل ندي يمينًا ومي يساراً، نقطة إلى فوق ونقيطة إلى تحت، لينفصلا الأبطال الأربعة، الواحد عن الآخر.

معادلة بمتغيّرين

في الصفحتين التاليتين (الثامنة والتاسعة) تعود غروسمان للاستكمال المتبادل وتعزّزه بشدة، حيث تكمل هي قصة ندي ومي بينما يتجاهلها النّص تماماً ويرتكز على قصة نقطة ونقيطة. في كل صفحة نجد قاطع من نوع آخر، في الثامنة، نجد القاطع المتمثل في بناية الـ"امباير ستيت" في نيويورك، يفصل بين بلاد باردة وثلجية، فيها تظهر مي ونقطة التي أصبحت بلورة ثلجٍ، وبلاد حارة وصيفية فيها يظهر ندي ونقيطة. في الصفحة التاسعة يستمر الأمر كذلك مع قاطع على صورة شجرة ضخمة.
في الصفحة العاشرة (الفصل الرابع)، نقطة ونقيطة تختفيان تمامًا من النص المرسوم، وفقط نقطة تظهر في النص المكتوب. بعد قراءة النص والتمعن بالرسومات، نجد أن الأماكن المرسومة هي كافة الأماكن التي زارتها نقطة في هذه المرحلة. في هذه الصفحة تستعمل غروسمان تقنية شبيهة بالنصّ الدّوري، تدعى الرسم التّسلسلي، فيه تظهر وضعيات وظواهر متتالية ومختلفة ترمز لأحداث ملحمية، وهي التقنية الأنسب لوصف أحداث رحلة. في هذه الصفحة، ما زال ندي ومي يظهران وبينهما قاطع يتمثّل بزهرة كبيرة، ولكن هذه المرة من غير اختلاف موسمي واضح بين طرفي الصفحة.
في نظرة أولى إلى الصفحة الحادية عشر، يظن الطفل "قارئ" النص المرسوم، أنها مكمّلة استمرارية للصفحة السابقة، كونها تحافظ على تقنية الرّسم التّسلسلي وتفصل بقاطع بين طرفي الصفحة (صاروخ في هذه المرة). لكن الطفل "القارئ" يبحث مباشرة عن مي كونه يتوقع رؤيتها في الطرف الأيسر بعد رؤية ندي في الطرف الأيمن، ولكن مي لا تظهر. عمليًا، ليس من المفروض أن نجد مي في الرّسمة، فهي لا تظهر في النص المكتوب، ولكن الطفل "القارئ"، يعلم جيدًا أن عليها أن تظهر، لأن هذه الصفحة هي استمرارية للصفحة السابقة.
رحلة البحث عن مي لا تطول، فطرف البركة الذي يتكئ عليه ندي يستمر ليتحول إلى شارع، عليه تسير سيارةً زرقاء باتجاه ندي. كون مي قد اختفت من الصفحة نهائياً، وندي بقي، فلابد من وجود مي في مكان ما في الصفحة، والتفسير الوحيد الممكن لاختفائها هو وجودها في داخل السيارة المتّجهة نحو ندي. ربما هذه فقط فرضية، ولكن ان عدنا إلى الصفحة السابعة، نجد ذات السيارة الزرقاء مرّة أخرى. هي ذاتها السّيارة التي فصلت بين ندي ومي وأخذت مي بعيدًا.
الصفحة الثانية عشر بنظري هي نقطة التحول المركزية في القصة. في النّص المرسوم نجد معالم تاريخية من كافة أنحاء العالم، وتحتها مياه تجري، كاستعارة لكون المياه تنتقل من مكان إلى آخر، ومهما اختلفت لغتنا وجغرافيتنا وتاريخنا وبحضارتنا – ذات المياه تجري من تحتنا وتتبخر من حولنا وتمطر من فوقنا.
في الصفحة السابقة ذكر: "لكن في جميع رحلاتها وتقلباتها، لم تنس نقطة لحظة أنه سيأتي يوم ستقابل فيه أختها نقيطة، ولم تكترث أين وكيف"، ونحن نعلم أن من انطلقت في رحلة حول العالم هي نقطة. في هذه الصفحة يشاركنا النّص المكتوب أن نقيطة كذلك لفّت العالم "في الأعماق، تحت سطح الأرض". هذه الصفحة تبرهن لنا كيف يمكن لنقاط المياه أن تجتمع بعد أن انفصلت بقسوة وحزن شديد، الواحدة عن الأخرى. هذه الصفحة المركزية التي تتعامل مع دورة المياه بأوضح صورة ممكنة.
بالإضافة إلى دورة المياه، نجد تطرق مباشر لدورة الحياة في الجهة اليسرى للنصّ المرسوم. على سطح ماء البحيرة، نرى وجه فتاة وفي الجهة الأسفل يكمله وجه شاب، وان فرضنا أن ندي ومي، حقاً التقوا بعد وصول السيارة الزرقاء في الصفحة السابقة، فهذه الصفحة تمثّل لنا لحظة اللقاء المنتظرة. تظهر دورة الحياة في ذات البحيرة مرة أخرى، حيث نرى امرأتين، الواحدة شابة والثانية عجوز وبينهما رضيع، وكأن الرسمة جاءت مباشرة بعد لحظة ولادة الرضيع. كذلك يمكننا رؤية المرضى المذكورين في النص المكتوب، يحاولون الشفاء وغسل أجسادهم في المياه، وكل واحد منهم بلون بشرة مختلف، كتشديد على فكرة شراكة المصير البشري ودورة الحياة.

اغلاق الحلقة

الصفحة الثالثة عشر تعيد إلينا حزن ندي مرة أخرى، وتبرهن لنا أنه ما زال لم يلتق بمي، كما أن نقطة ما زالت لم تجد نقيطة. بالرّغم من هذا، نجد بعض الأجوبة في الطرف الأيسر لنص المرسوم، المفصول عن الأيمن بنبات البوط الذي يميّز المستنقعات. في أيسر الرسمة نجد ذات الشجرة والمقعد التي بدأت القصة، وكما هي اللغة العبرية والعربية، تبدأ القصص في يمين الصفحة وتنتهي في يسارها. وهكذا، بنقل المقعد والشجرة إلى يسار الصفحة تنتهي قصة ندي ومي.
بجانب المقعد، نرى شخصية شاب يتوجه نحو فتاة أمامه وتدفعه الرياح باتجاهها وترفرف بلفحته كذلك باتجاهها وهو يوجه مظلته كسهم بنفس الاتجاه. وهي، الفتاة، كذلك تتقدم بسرعة باتجاهه. أعتقد أن هنا نجد في الحقيقة نهاية الفراق الطويل بين ندي ومي، ما يمثل كذلك بداية جديدة في ذات المكان الذي افترقوا فيه.
في الصفحة التالية (الرابعة عشر)، تلتقي كذلك نقطة ونقيطة وتغلق لنا حلقة دورة المياه بشكل نهائي، حتى لو كان هذا بعد سنوات طويلة. في الصفحات الأخيرة تلتقي نقطة ونقيطة بعائلة جديدة وبطفلين آخرين، مُنايا وعُمري.
يمكننا أن نضيف أن شعر الأم في الصفحة السادسة عشر، يبدو كشعر مي، وأن بُقلة شعر مُنايا، مطابقة لبُقلة شعر مي الصغيرة، على مدار الكتاب كله. بالإضافة إلى ملابس عُمري المشابهة جداً لملابس ندي. ربما تكون هذه كلها رموز أن إلى أن العائلة الجديدة هي ليست جديدة حقًا على القارئ بل هي العائلة التي أنشأها مي وندي.
تبدأ القصّة بفراق نقطة ونقيطة، وفراق ندي ومي، بالرغم عنهن، وبعد رحلات طويلة ومغامرات عديدة، لم تنسى أيٌّ منهن الأخرى بالرّغم من أن النص المكتوب لا يقدّم لنا الكثير من المعلومات حول نهاية قصة عدي ومي.

الترجمة العربية

لا شك أن أنطوان شلحت قام بعملية ترجمة غاية في الرّوعة والنّوعية، إلا أنه قدّم بعض التنازلات والقرابين من أجل تقديم الإصدار العربي الأفضل للطفل المستمع للنص المكتوب. أما عن النّص المرسوم، فأظن أن الترجمة العربية لم تعطيه حقه بل تجاهلت الحاجة إلى ترجمته كذلك للقارئ الطفل العربي. بالرغم من هذا فلم تكن هناك حقًا حاجة ماسّة إلى هذا، وليست هذه إلا ملاحظة من أجل الوصول إلى الرؤية الترجمية الأمثل التي يستحقها القارئ العربي عامة، والفلسطيني خاصة.
بداية أذكر موضوع أسماء الشخصيات في القصة. في اللغة العبرية، ندي ومي كانوا طال وأدفا، حيث أن ندي هو ترجمة مباشرة لطال، ولكن مي بعيدة جدًا عنه أدفا. الأسماء العبرية – وبأعقاب ذلك العربية أيضاً، لم تكن عشوائية، بل لها معنى مباشر يتواصل مع عالم النص. الندي أو الطال (في العبرية) – هو الرذاذ الليلي، نقاط الماء التي يتغطي النباتات في ساعات الليل. أما الأدفا، فهي الأمواج الصغيرة الهادئة. اختيار مي كترجمة للأدفا، لم يكن مطابقاً للمعنى إلا أنه مطابق لكلمة "ماء" – في اللهجة المحكيةـ مما قد يجعله خيارًا أفضل حتى من الأصل العبري.
الاسم عُمري، الذي جاء في نهاية النص، في العبرية هو اسم يرمز للحبوب والمحصول، وبالتالي فهو يرمز للخصوبة، والتواصل مع الأرض، أما في العربية فهو اما قديم الشجر أو السِّدرُ القديمُ عَلَى نهر – وفي كلا الحالتين فهو ترجمة موفّقة جدًا تحافظ على العلاقة بالماء والخصوبة. اسم البنت في نهاية النص العبري هو "باز" أي الذهب الخالص الذي جاء في الرواسب الرملية في قنوات المياه، وترجمته العربية جاءت في النّص "مُنايا"، وهو اسم مأخوذ من المُنية والمُنى أي ما يتمنى المرء وما يرغب في الحصول عليه. أي أن الاسم هنا يتواصل مع الاسم العبري أكثر من تواصله مع النص، فربما "لولو" أو لؤلؤة، قد يكون أنسب في هذه الحالة ليحافظ على المعنى المقصود كونه معدنًا ثمينًا اخرً يُستخرج من البحار.
بالنسبة للرسومات، ربما ما جعل الأمر سهلاً جداً هو كون العربية كالعبرية تكتب من اليمين إلى اليسار، ولم يكن هناك حاجة أوّلية لأي ترجمة للرسومات. لكن بالرغم من هذا ربما كانت هناك حاجة لاعادة تمثيل البيئة الحضرية خلف ندي ومي، كونها تمثيل واضح لمدينة تل أبيب. ربما كان من الأنسب لو تمت اعادة بعض الرسومات لتمثيل بيئة قروية أو فلسطينية أو حتى حضرية عربية بدلاً عن يهودية-اسرائيلية.

كلمة أخيرة

أحد أسمى أهداف أدب الأطفال هو تدشين رؤية فنية في عيون الطّفل وتربيته لقراءة الفن الراقي. كما رأينا في هذه المادة، قصة "نقطة ونقيطة" هي قصة مميزة ونوعية جداً، كونها تربي جيلاً كاملاً على رقي فنّي في رسوماتها وتواصل الرسومات مع النص. هذه العلاقة بين الرسم والنّص، تزيد من حدّة وتركيز الطفل وتجعله يتعامل مع النّص بمسؤولية كبيرة لأن الكلمات التي يقرأها البالغ على مسمعه، لا تكفي لفهم النص بشكل وافٍ.
ترجمة أنطوان شلحت قدّمت رونقاً عربيا مميزاً جعل النص متوفر للقارئ العربي كما هو للقارئ العبري. وبهذا أنهي وأنصح بشدة بقراءة "نقطة ونقيطة" والتمتع بتأمل رسومات ليئورا غروسمان الراقية والسامية، كما هو نص سامي ميخائيل المكتوب.

  • التاريخ: 12/02/2018
  • كلمات مفتاحية: كتب