اخترنا لك
حبّات الزيتون: دعوة لقراءة من جديد
اخترنا لك: كتب
التحفة الأدبية أو الكلاسيكية هي عمل ذي قيمة ثقافية كبيرة يجتاز اختبار الزمن، ويعتبر نموذجًا للأدب الحسن. قصة "حبّات الزيتون" هي من أكثر القصص المحلية التي يسهل تسميتها بكلاسيكية، حيث أنها لا تشيخ ولا تقل قيمتها رغم مرور أكثر من 20 عامًا على اصدارها الأول.
كطفل في نهاية التسعينات أذكر قصة "حبّات الزيتون" كقصة أحبتها أمي أولاً وقرأتها لنا مراراً وتكراراً حسب طلبنا أخي وأنا. في تلك الفترة أحببنا كثيرًا رسومات إيرينا كركبي وبحثنا على رفوف المكتبات عن رموز لرسوماتِها محاولين تمييز كتبها، وقبل أن تعلمنا القراءة تمكنّا من قراءة اسمها على الغلاف.
كانت تبدأ أمي فقرة قراءة القصة بقراءة اسم المؤلف والرسّام، وتفاجئنا كثيرًا حينها عندما كانت تقرأ لنا أسماء "نادرة يونس وروزلاند دعيم"، وتساءل أخي في كل مرة حملنا القصة، كيف لكاتبتين أن تكتبا نصًا واحدًا؟ اختلقنا العديد من الحلول لهذا التساؤل: إمّا أنّ كلّ كاتبة كتبت صفحة، ما جعل القصة رائعة إلى هذه الدرجة، أو أن واحدة من الكاتبتين كانت مشرفة على عمل الأخرى.
لكن سرّ حبنا لحبّات الزيتون يكمن في النصّ نفسه أكثر ما هو في تصميمه الخارجي، حيث قصّت علينا المؤلفتين قصة "حديثة" غير تقليدية معتمدة على أسس الأدب الشعبي الذي تمثّل بمعظمه في قانون الثلاث (التثليث).
تحكي "حبّات الزيتون" قصة البدوي العم خير (وقد استنتجنا هويته البدوية من خيمته في الصفحة الأولى) الذي أودع ثلاث حبّات زيتون عند جيرانه العم يوسف، صاحب الدكان، والعم جميل الخبّاز، والعم نعمان الفلّاح. كل واحد منهم حفظ حبة الزيتون في مكانٍ يمثّل نشاطه اليومي وعمله، صاحب الدكان وضعها في صندوق، والخباز وضعها في كيس طحين والفلاح زرعها في الأرض. إلا أنّ العم نعمان الفلاح تمكن هو فقط من المحافظة على حبة الزيتون لأنه وضعها في مكانها الطبيعي ولم يحتجزها.
لطالما تخبطت في التفكير، لماذا لم يعطِ العم خير حبات الزيتون الثلاث للعم نعمان الفلاح؟ ألم يفكّر مسبقاً بما سيفعله كل من الأعمام بحبّات الزيتون؟ ولكن هذا كان سير الأمور في النص، وعليّ التعامل معه كما هو، ومحاولة فهمه على ما هو. عندما كبرنا أكثر حاورنا أمي بهذه الأسئلة وهي بدورها وصفت القصة على أنها قصة عن الاستثمار، حيث يستطيع مَن يتمكن من استثمار الأشياء في مكانها الطبيعي، أن يطوّر قيمتها ويربحها. لا يمكن احتجاز حبة زيتون في داخل صندوق لسنوات طويلة، ولا في كيس طحين، فهذا سيؤدّي لتلفها، كما حصل حقاً في القصة.
تساءل أخي مرة عندما قرأنا القصة، ماذا كان سيحدث لو أن العم خير أعطى الأعمام الثلاثة ثلاث قطع نقود؟ قطع النقود لن تتلف في الصندوق ولا في كيس الطحين، وحينها سوف يحصل كل منهما كذلك على كيس من المال. ولكن هذا لم يكن الحال. استبدال كيس من المال بقطعة نقود واحدة ليس منطقيًّا كذلك، ولكنه قد يكون رمزًا أوضح للاستثمار. فما المغزى من وراء إعطاء حبة زيتون لصاحب دكان أو للخبّاز؟
بعد كل هذه التساؤلات، وبعد قراءة جديدة للنص، استنتجت أن القصة لا تحمل أكثر ما هي عليه، ربما، وقد تكون هذه البساطة التي فيها هي التي دفعتنا لحبّها وتذكرّها من بين الكثير من القصص. ربما نكون نحن الكبار نبالغ في العصر الحديث بتحليل قصص الأطفال، ما قد يؤدّي بنا لفقدان سحرها. لهذا اخترت مشاركتكم بهذه التساؤلات، كفرصة لفتح المجال أمام الجميع باعادة قراءة "حبّات الزيتون" مرة أخرى، ومشاركتنا بتردداتكم وأفكاركم حولها، فقد يصل أحد أطفالنا لأمور لم نصلها نحن الكبار. وهي فرصة لقراءة قصة بهذه النوعية بالذات في موسم قطف الزيتون.
- التاريخ: 05/11/2017
- كلمات مفتاحية: كتب