Image Background

اخترنا لك

ذئب الرمال: عن فلسفة الحياة اليوميّة

اخترنا لك: كتب


ذئب الرمال: عن فلسفة الحياة اليوميّة
كتب: لؤي وتد

رائعة أدبيّة من السويد كتبتها أوسا ليند وزرعتها رسومات الفنانة كريستينا ديغمان وترجمها لنا إلى العربية المترجم جاسم محمد عن اللغة السويدية.

تسكن زاخارينا مع أمّها وأبيها في بيتٍ قربَ البحر. اعتادت زاخارينا اللعب وحدها على الشاطئ، حتى التقت في أحد الأيام بكائن غريب يلتحف رمال البحر. بعد أن تعرفّت زاخارينا على ذلك الكائن وأخبرها بأنه ذئب رمال، أصبحت تزوره على الشاطئ بشكل يومي.
فصول الكتاب "ذئب الرمال" تنتقل بين أحداث يمر بها الأطفال يومياً مع أهاليهم أو مع أنفسهم. في كل فصل نتابع حدثًا معينًا تمُر به زاخارينا يحرك فيها التفكير في أمر ما، فتختار مناقشته ومشاركته مع صديقها ذئب الرمال، تارة تشكو من والديها وتارة تشكو مللها، تارة تنشغل بلانهائية الكون وتارة تنشغل بالكدمات على جسدها، وبين كل تارة وتارة يتفلسف ذئب الرمال فلسفة مُفاجِئة، عميقة ومجردة، سطحية ومبسّطة في ذات الوقت.
يتميّز الكتاب بكونه يتطرق إلى الأمور العادية والبسيطة بطريقة غنية ومُثرية تؤدي لإعادة النظر في أبسط الأمور، مثل ركوب الدراجة والخوف من الظلام. هذا بالإضافة لقدرته على وصف طرق تفكير "أطفاليّة" (لكون الكلمة "طفوليّة" تحمل شحنات سلبية عادةً)، تتمكن من تجسيد تصرفات الأطفال وإضفاء روح المنطق العملي عليها. في الكتاب تطرق لمسائل فلسفية معقدة ولكن بطرح بسيط جداً ومريح يأتي بالفلسفة المجردة إلى أرض الواقع وإلى الحياة اليومية، وكل هذا بنقاشات قصيرة وسريعة تُبقي للقارئ مكاناً للتفكير والتمعّن بنفسه بهذه الأمور. فمثلاً في أحد الفصول تتساءل زاخارينا عن معنى الكون ووسعه، ثم تحاول فهم معنى اللانهائية وغيرها من التساؤلات الكبيرة التي تصبح بسيطة ببساطة "السجق الذي لا نهاية له".
ان قرأنا الكتاب بنظرة نفسية أكثر قد نجد بأن ذئب الرمال يُمثل عبقرية الطفل الداخلي في قلب زاخارينا، ذلك الطفل الذي "يعرف كل شيءٍ في كل العوالم، وكل الأجوبة عن كل الأسئلة"، ذلك الطفل الذي يستثير غضباً و"يسن مخالبه مقرقعاً" عندما يحرجه أحد طالباً منه الغناء أمام حشد. هكذا يصبح ذئب الرمال جزءًا من تفكير زاخارينا ونفسيتها فنقاشاتها معه ولجوؤها إليه ما هي إلا خيار توحّدي من أجل التفكير والتعمق في التأمل. قد يبدو هذا الوصف التزهدي للطفلة متطرفاً نوعاً ما، إلا أن هذه حقيقة حياة الطفل الذي يكبر في بيئة وحيدة، هو الطفل الذي يلعب وحده ويتخيل أصدقاء يلعبون معه، يُفكر ويناقش ويجادل نفسه أحياناً كآلية لحل المفارقات التي يجدها في الواقع. قد يذكر لنا المربي الفرنسي جان جاك روسو أن هذه ليست حالة مرضية انما هي طبيعة الانسان حتى يفرض عليه المجتمع التخلص منها. فالانسان بحاجة للتوحّد أحياناً ولمناقشة الأمور مع نفسه، فما الاشكالية بتخيّل أصدقاء ورفاق لنقاش هذه الأمور بطريقة أفضل؟
ذئب الرمال هو الصديق الذي تختاره زاخارينا، خيالياً كان أم واقعيًا، فهو يكشف أمامها أفقًا واسعة جداً وغفيرة إلا أنها ليست بجديدة بل هي مجرد تأمل وتعمّق في ذات الأفكار والأحداث الصغيرة التي تأتي هي معها من البيت.

تتمكن من تجسيد تصرفات الأطفال وإضفاء روح المنطق العملي عليها

لفتة جميلة أخرى في الكتاب، ليست بمركزية إلا أنه لابد من ذكرها لتميّزها هي اللفتة الجندرية لعائلة زاخارينا، حيث تخرج في كل صباح والدتها إلى العمل، ويبقى الأب في البيت للعمل في مكتبه. لا نعرف بماذا يعمل كل منهما، إلا أن الوالد في بيت زاخارينا يتكفل بتنظيف المطبخ وبجلي الأطباق والأم في تحضير القهوة. في خلفية قصة الطفلة ومغامراتها مع ذئب الرمال، تنكشف لنا عائلة يعمل فيها الوالدان بشراكة وصداقة على بناء أسرتهما والاعتناء بها.

ربما يبدو الكتاب بأنه طويل ويتعدى قدرة الأجيال الصغيرة، إلا أن النص مقسّم لفصول ومُعد لقراءة فصل واحد قبل النوم لأطفال بجيل خمس حتى ثماني سنوات. ونذكر كذلك أن الكتاب ممتع جداً وقيّم للقراءة لكافة الأجيال، فيمكن إدراجه كذلك تحت إطار أدب الفتيان والناشئة، أو أدب الكبار بكل سهولة.

"ذئب الرمال" هو رائعة أدبية من السويد كتبتها أوسا ليند وزرعتها رسومات الفنانة كريستينا ديغمان وترجمها لنا إلى العربية المترجم جاسم محمد عن اللغة السويدية. صدر الكتاب لأول مرة بالعربية عام 2011 من اصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي بدعم من الممثلية النرويجية. يمكن الحصول على الكتاب في كافة مكتبات البلديات في الضفة، وفي متجر فتّوش في حيفا.

اقتباسات من الكتاب:

"أومأ ذئب الرّمال وقال:
فهمتُ الآن، الكدمات هي نوعٌ من الميداليات يحصلُ عليها الشَّخص حين يقومُ بأعمالٍ خطرةٍ، أليس كذلك؟
ميداليات؟ تمغَّطت زاخارينا.
نعم، إنّها نوعٌ من ميداليات الشَّجاعةِ." (ص 30)

"ماما تعني الجلوس برجلين ساكنتين. قال الأب. فكل الطّاولة تهتزُّ حين تفعلين هكذا!
رفعت زاخارينا طرف شرشف الطّاولة ونظرت تحتها، كانت هناك الكثير من الأرجل، اثنتان منها كانتا لها، وواحدة منها كانت تركل رجل الطاولة، "طج طج طج" لكنها لم تكن تقصدُ ركل الطاولة. حصل وأنَّ رجلها كانت ترفسُ، فالذّنب ليس ذنبها لأنَّ الطّاولة كانت في طريقها، وهذا ما قالته أيضاً لأمِّها وأبيها." (ص 48)

  • التاريخ: 27/04/2017
  • كلمات مفتاحية: كتب