اخترنا لك
الفراشات الثلاث: صداقة حقيقية في الطبيعة
اخترنا لك: كتب
قصة الفراشات الثلاث، هي قصة من الأدب الشعبي ينسبها كل شعب لنفسه، كما هو الأدب الشعبي بشكل عام. كونها أدباً شعبياً، خلقَ لها أدباءً مختلفي الجنسيات في فترات زمنية مختلفة، إلا أن أشهر النصوص للقارئ العربي كان النص الأردني لمارغو ملاتجليان، والنص المترجم عن العبرية للفين كبنس. في فلسطين، صدرت القصة مرتين بالعربية، الأولى عام 1986 على يد دار المشرق في شفاعمرو، واعداد دار الطفل العربي في عكا، بعد ترجمة نص لفين كبنس بتصرّف على يد المترجمة سلمى ماضي. لهذا الاصدار تم اختيار رسومات طوبيا كورتس، رسّام الطبيعة والحشرات، لارفاقها للنص. الاصدار الثاني كان في عام 2016 لمشروع مكتبة الفانوس، بنفس ترجمة سلمى الماضي المتصرفة، ولكن برسومات جديدة أعدتها الفنانة أوريت برغمان للنسخة العبرية عام 2015.
قصة الفراشات الثلاث هي قصة مفعمة بوصف الطبيعة والربيع، ويكاد القارئ يشتم رائحة المطر الأول ورائحة الأزهار في بداية ازدهارها، عند قراءة النص. وأكثر من ذلك فهو يخرج إلى مغامرة خلابة في الطبيعة المحلية عند مشاهدة الرسومات – سواءً أكانت رسومات طوبيا كورتس أم رسومات أوريت برغمان.
تحكي لنا القصة عن ثلاث فراشات تتعرف ببعضها عند بحثها عن رفقة للتجوال بين الأزهار واللعب في الطبيعة. تختلف الفراشات بينها على شكلها الخارجيّ: فلكلّ واحدة منها لون مختلف، بيضاء، وحمراء وصفراء. تزداد صداقة الفراشات حتى يأتيها الامتحان عند هطول المطر الشديد وبحثها عن مأوى للاحتماء. تطلب الفراشات من الأزهار أن تخبئها من المطر، إلا أن الأزهار ترفض بحجة أنه ليس لديها مكان لأكثر من فراشة واحدة. ترفض الفراشات هذه الصفقة مع الأزهار ولا تقبل أي منها أن تفترق عن صديقاتها، وعندما تشاهد الشمس ما يحصل، تقرر أن تساعد الفراشات وتفرّق الغيوم لكي تبدد الأمطار.
قصّة الفراشات الثلاث تحكي بشكل واضح عن الصّداقة والتّضامن في أوقات الشّدة بين الأصدقاء. القصّة تتطرق بشكل مباشر للقيم الاجتماعية التي على الأطفال أن يتفاعلوا معها ويحاولوا تطويرها بينهم، من قيم صداقة، وتقبّل الآخر وحتى قيم الوفاء والبقاء معاً بالذات في أوقات الشدّة والضيق. بواسطة هذه الفراشات، والأزهار والطبيعة الخلافة جميعها، يمثّل لنا كبنس عالم الانسان بشتى أنواعه وتصرفاته، فنرى الصديق الذي يساند صديقه، وكذلك صاحب النفوذ الذي يفرض قوانينه على الأفراد بادعاءات قد تكون صحيحة وقد تكون ضعيفة، وبالاضافة نقابل كذلك صاحب نفوذ آخر تحركه الرقّة واللطافة ليقوم بالفعل الصواب وقت الشدة.
في النص العبري للقصة، قبل تصرّف الترجمة، كان هناك بعد آخر في القصة، فقده القارئ العربي. ففي نص كبنس الأصلي، عندما تذهب الفراشات إلى البرقوقة الحمراء، بالاضافة لادعائها بضيق المكان وعدم قدرته على تلقّي أكثر من فراشة واحدة، فهي تدعّي أنها لا تقبل استقبال غير الفراشة الحمراء لأن لونها مشابه. كذلك الزنبقة البيضاء التي تقبل استقبال الفراشة البيضاء والصفراء فقط لأن ألوانها قريبة أكثر من لونها.
هذه الإضافة هي غاية في الأهمية من ناحية المغزى، فهي تضفي على القصة بعداً عنصرياً بالاضافة إلى الأبعاد التضامنية المذكورة فيها، وخسارةً أن قارئ العربية لا يحصل على هذه الفكرة كذلك. إلّا أنني أتفهم المترجمة التي اختارت ابعاد هذه الفكرة والتنازل عنها، فربما هي تنتقد العنصرية بشكل غير مباشر، إلّا أنها تعطيها شرعية الظهور بشكل مباشر في نص للأطفال، ما قد يفرض رفع جيل الأطفال لقراءة القصة لكي يتمكنوا أكثر من فهم هذه التركيبة في النقد غير المباشر للعنصرية. لهذا فقد ننصح بالتطرق إلى هذه الفكرة في أجيال أكثر متقدمة وبعد معالجة القصة بشكل كامل في الروضة، أو في البيت.
فوجئ الكثيرون عندما صدرت قصة الفراشات الثلاث بحلة جديدة ورسومات جديدة، وقد كان نظر غالبية النقاد بعين مشبوهة وغير واثقة، إلا أن أوريت برغمان تمكنت من مفاجأة الجميع باصدارها رسومات خلابة لا تنافس الرسومات السابقة ولا تتحداها، بل تضاف إليها وتحادثها في بعد آخر وكأنها مكمّلة لها.
تقول برغمان إنّ المحاولة لرسم رسومات لقصة مألوفة كانت مخاطرة ومغامرة بالنسبة لها، فالتوقعات كبيرة جداً بسبب حب الناس إلى هذه القصة، إلا أنها اختارت أن ترسم رسومات مختلفة تماماً عن رسومات طوبيا كورتس الذي حاول جاهداً أن يحافظ على الطبيعة حقيقية وطبيعية قدر الامكان، وعن رسومات عنبال ساريد، الرسامة المشهورة لاصدار آخر صدر في العبرية وكان كذلك يحاول تقليد الحقيقة وتصويرها في الرسومات. برغمان لم تحاول فعل كل هذا، بل حاولت أن ترسم عالم الطبيعة كما هو في نظر الفراشات ذاتها. وكما قالت في مقابلتها مع مكتبة الفانوس: "أردتُ رسم العالم تمامًا مثلما تراهُ الفراشات. استلقيتُ في الحقل ونظرتُ حولي إلى حركة الهواء، وتألُق الشمس، وحُبيبات الغبار التي تحوم في مهب الريح، مما جعل المشهد عظيمًا، قررتُ محاولة رسم الحركة اللانهائية هذه بمساعدة بُقع ملوّنة".
ما نتج عن هذه المحاولة لالتقاط الحركة اللانهائية كان الرسم بتقنية "التّنقيط (Pointillism)". فرغم أن برغمان استعملت فقط ألوان أساسية في الرسم، وأبقت فضاءً كبيراً بالأبيض، يتمكن المشاهد من الربط بين النقاط ورؤية الصورة كاملة. هذه القدرة على اكمال الصورة، تعطي المشاهد كذلك القدرة على تخيّل الحركة في الرسومات، كما حركة هطول الأمطار، أو الرياح التي تحرك النباتات، أو حتى رفرفة أجنحة الفراشات.
في نهاية مقابلتها مع مكتبة الفانوس، تنصح برغمان الأهالي بالتمعن برسومات جورج سورا (Georges Seurat) التنقيطية مع أطفالهم، ومحاولة الابداع بواسطة استعمال ملصقات دائرية صغيرة بألوان أساسية.
في موقع مكتبة الفانوس، يمكن ايجاد العديد من النصائح والاقتراحات للحديث والنشاط حول الكتاب مع الأطفال في البيت مع الأهالي، مثل:
- نتحادث حول الأمور التي نحبّ أن نقوم بها معهم. نستذكر مواقف ساعَدْنا بها أصدقاءَنا أو هم ساعدونا. ماذا شعرنا وقتها؟
- تعاطفت البرقوقة والزّنبقة مع الفراشات، لكنّهما لم تساعداها. نتحادث عن سلوك الزّهرتين، هل كان بالإمكان فعلاً أن تساعدا الفراشات؟ نستذكر مواقف شبيهة في حياتنا، حين نرغب بالمساعدة ولكن لا نستطيع.
- الفراشات خائفة وبردانة، لكنّها فضّلت أن تبقى في العاصفة على أن تفترق. هل صادفتنا مواقف شبيهة في العائلة؟
- هل نعرف هذا الكتاب برسوماتٍ مختلفة؟ من الممتع أن نقارن بين رسومات الكتابين. بماذا تتشابه، وبماذا تختلف؟
- التاريخ: 18/12/2016
- كلمات مفتاحية: كتب