اخترنا لك
درجات المئذنة: دليل شهر رمضان للأطفال
اخترنا لك: كتب
يعتبرُ أدب الأعياد والمناسبات الثقافية والدينية فرصةً لإشراك الأطفال في حياة المجتمع، كما أنها إمكانيةٌ لتثقيف الطفل بتاريخ هذه المناسبات، وما يقف وراءها من قيمٍ وأسباب. عادةً ما تجيب قصص الأطفال المتخصصة بالمناسبات الدينية والثقافية عن أداة الاستفهام التي لربّما تكون الأكثر استخدامًا عند الأطفال: "لماذا...؟". باستخدام صورٍ ملونة وكلمات بسيطة وجملٍ قصيرةٍ محبوكة باهتمام، تُعنى قصص الأطفال بهذا الجانب الاجتماعي، وتهتم بانخراط الأطفال في الحياة الاجتماعية، وبتزويدهم بصندوق الأدوات الاجتماعي المناسب، من الكلمات الشعبية المتداولة، إلى تعليماتٍ حول كيفية التصرف في المناسبات.
شهر رمضان هو إحدى المناسبات الدينية المُنتظرة عند المسلمين. شهرٌ كامل من أشهر السنة، يقوم فيه المسلمون بتحقيق أحد أركان الإسلام الخمسة: الصوم. يصومُ المسلمون من توقيت مشرِق الشمس وحتى مغربها عن الشرب والأكل، ليتجمّعوا حول مائدة الإفطار وقت غروب الشمس بانتظار أذان المغرب. يقوم المسلمون بإحياء شهر رمضان كبارًا وصغارًا، كلٌّ بقدر ما تسمح له الشريعة الإسلامية. كما أن هناك طقوسًا ومظاهر ثقافية عديدةً ترتبط بهذا الشهر الكريم، وقد تكون مألوفةً لغالبية المسلمين حول العالم.
احدى قصص الأطفال التي تتناول شهر رمضان كموضوعها الأساسي هي قصة "درجات المئذنة: قصة عن شهر رمضان" للبروفيسور نعيم عرايدي، ورسومات طارق شريف. صدرت القصة في سنة 2002 في مركز أدب الأطفال في حيفا، وتُعتبر من القصص القليلة التي كُتبت في الداخل الفلسطيني عن شهر رمضان. على غلاف الكتابِ، رُسمَ فانوسٌ معلّق بهلالٍ أصفر، وهي رموزٌ شعبية للشهر الكريم.
يروي قصة "درجات المئذنة" الطفلُ الأصغر من عائلةٍ تصومُ شهر رمضان، ويشارك الطفل قرّاء القصة بمقتطفاتٍ لأحاديث الأطفال عن اهتماماتهم في شهر رمضان، كعودتهم باكرًا من المدرسةِ وإعفائهم من الوظائف والامتحانات. يتحدّث الراوي أيضًا عن أطراف الحديث الذي يسمعه من والديه وإخوته حول القيم الدينية لشهر رمضان؛ نقاشٌ حول ما يُطلب من الأطفال فعله، مقابل ما يُطلب من الكبار، كما أنه يشارك أيضًا حدثًا مركزيًا، فيه يكسر أحد طلاب المدرسة صيامه أمام الجميع، وحديث مدير المدرسة عن الموضوع أمام الطلاب، ليعترف الراوي لوالديه لاحقًا بأنه أيضًا لم يقدر على استكمال صيامه، فهو استطاع فقط أن يصوم نصف مدة الصيام كل يوم. يهدّئ الوالدان من روع طفلهما، ويقولان له إنه إذا كان قد صام نصف المدّة، فإنه قد صام "حتى درجات المئذنة".
تعرض القصة العديد من تمثيلات شهر رمضان والجانب الاجتماعي له، فتتحدث عن مساعدة المحتاجين والشعور بما يمرّون به، والاستثناءات التي يقوم بها المجتمع من أجل مساعدةِ الأطفال على تحمُّل الصيام، كقُصر اليوم الدراسي وإعفاء الطلاب من الوظائف والامتحانات؛ ملاءمات يمنحها المجتمع والجهاز التعليمي للأطفال وصغار السنّ لمساعدتهم على القيام بفرض الصيام، أو على الأقل محاولتهم لفعل ذلك. علاوةً على ذلك، تعرض القصة مظاهرَ وطقوسًا اجتماعية وعائلية لشهر رمضان، كالاجتماع حول طاولة الإفطار والذهاب إلى المسجد والبرامج التلفزيونية المميزة والمسابقات.
يسود القصة طابع التساهُل في فرض الصيام على الأطفال، فهذه احدى الثيمات المركزيّة للقصة، التي تُذكر تقريبًا في كل جانبٍ من جوانب القصة. عنوان القصة ينطقُ بهذا المبدأ، حيث يشجَّع الأطفال على الصيام بقياس درجات المئذنة، وتقدّمهم نحو قمة المئذنة عندما يقومون بالصيام بشكلٍ كامل. "درجات المئذنة" هو أحد المصطلحات التي تم تبنّيها لمساعدة الأطفال على الصيام، ويكثر استخدام هذا المصطلح في سوريا. في فلسطين نذكر مثله مصطلح "صومة العصفورة" للصغار مقابل "صومة الأسد" لمن تمكنوا من الصيام الكامل. تذكّرنا صورة المئذنة كاملةً مع درجاتها بنظرية الجشطالط في علم النفس التربوي، حيث تُستخدم صورة المئذنة كاملةً لتصوير الصيام الكامل للأطفال، وتجزئة هذه الصورة إلى أجزاء أبسط لمساعدتهم على إتمام قياس صيامهم والتقدم إلى قمة المئذنة؛ الصورة الكاملة التي صوّرت في أذهانهم للصيام الكامل.
رسومات القصة مقبولة، تصوّر في الأغلب ما يعرضه النصّ المكتوب في القصة، وتهتم بإظهار بعض المعالم الإسلامية كالمسجد والفانوس والهلال، ولكنّها لا تصوّر بالضرورة ملامح أطفالٍ كما جاءَ في النص. فشخصيات الأطفال تشبه كثيرًا شخصيات البالغين في الرسومات، قد يختلفون عنهم فقط في الحجم. الرسومات هي أحد أهم العناصر في قصص الأطفال، فهي تساعدهم على فهم النص المكتوب وإثارة الحس الخيالي لديهم. في قصة "درجات المئذنة"، أعتقد أن هذا الجانب لم يأخذ اهتمامًا كافيًا.
في المُجمل، نتحدّث عن إحدى القصص القليلة التي تحمل موضوع شهر رمضان والتي كتبت في الداخل الفلسطينيّ. قصة جيّدة المحتوى، تناقش موضوعاتٍ مهمةٍ في حياة الطفل المسلم وتساعده في التخفيف من توتّره بما يتعلق بفرض الصيام عليه، وتحاكي أمورًا أساسية في مكانة الطفل الاجتماعية وملاءمة الظروف له، وتجيب عن تساؤلاتٍ مهمة وتدحض معتقداتٍ من الممكن أن تكون شائعةً بين الأطفال.
من الجدير بالذكر أن ما ذُكر في هذه المادة هي قراءتي الشخصيّة للقصّة. قد يضيف البعض إضاءات أخرى تتعلق بذات القصة، خصوصًا أننا نتحدث هنا عن عالم الأطفال وثقافتهم; مجالٌ تتعدد القراءات فيه بلا شك.
- التاريخ: 15/04/2021
- كلمات مفتاحية: كتب