اخترنا لك
كلاوس: كلاسيكية كريسماسية جديدة تُضاف إلى قائمة المشاهدة السنوية
اخترنا لك: أفلام
قد لا ينسى البعض منا الأفلام المصوّرة الكلاسيكيّة من أيّام الطفولة. من "أحدب نوتردام" إلى "هرقل" وحتى "طرزان"؛ تحدّت الأفلام المصوّرة ثنائية الأبعاد قدراتِنا كأطفال على فهم المشاعر ولغة الجسد، ومتابعة تطوّر الشخصيات والحبكات المختلفة والمعقدة، ما يجعلنا نتوق -حتى اليوم- لمشاهدتها مرة أخرى، لنمتلئ بالدفء والرضى.
بعد مرور عشرين سنة تقريبًا على أشهر كلاسيكيات استديوهات ديزني المصوّرة ثنائية الأبعاد، يعود إلينا رسّامها الرئيس، الإسباني سيرجيو بابلوس، بكلاسيكية جديدة، مع طابع بهيج لعيد الميلاد المجيد. بابلوس يقرّر تطوير فيلم مُصوّر تقليديّ باستخدام الرسم اليدويّ، ليثبت بذلك أنه من الممكن، بل ومن الجميل أيضًا، استخدام الطرق التقليديّة العتيقة لإنجاز عمل فنيّ رائع حتى في عصرٍ يملؤه التطوّر وتميزه حوسبة جميع الأشياء.
كلاوس، فيلم مُصور ثنائيّ الأبعاد من إنتاج شركة (Sergio Pablos Animation Studios) وتوزيع شركة Netflix. أُطلق الفيلم عام 2019، قبيل شهرين من حلول عيد الميلاد المجيد.
يحكي الفيلم قصة جاسبر، ابن مدير أكاديمية البريد المدلل والكسول، الذي تنحصر اهتماماته بالمأكولات باهظة الثمن وأغطية الحرير الفاخرة ووسائل الراحة. بعد محاولات والده لجعله شابًا مسؤولا، يقرر إرساله إلى بلد نائية لإنشاء دار بريد، وختم 6000 رسالة بريديّة في عامٍ واحد، عوضًا عن زجّه في الشارع من دون نقود أو ثروة.
يسافر جاسبر كارهًا صوبَ سميرينسبورغ، ليكتشف أنه مكان قارص البرد بمناخه وسكانه، الذين لا ينفكّون عن القتال كلما سنحت لهم الفرصة، محافظين على سنواتٍ عديدة من العادات والموروث العنيف بين قبيلتيْن. الناس هناك لديهم شيء واحد ليقولوه لبعضهم البعض، وهم يفعلون ذلك من دون إرساله بالبريد.
يحاول جاسبر بشتّى الطرق أن يجد رسالة بريدية واحدة على الأقل ليختمها، ولكن من دون جدوى، إلى أن يحصل بالصدفة على رسمة لطفل، قد طارت منه بينما كان ينظر من الشباك. يقنع جاسبر الطفل بأنه لا يمكنه إعادة الرسمة إليه إلّا إذا أرسلها له بريديًّا، وقبل أن يفعل ذلك، تظهر كلاب والد الطفل وتطارد جاسبر، فيهرب مع رسمة الطفل. في الرسمة يظهر الطفل كسجين في بيته.
بعد أيام من البحث، يصل جاسبر إلى كوخ على تلة عالية، يسكن فيه رجل عجوز ضحم البُنية يُدعى كلاوس. يقتحم جاسبر بيته، وعند وصول كلاوس يخاف جاسبر من ضخامته ويفرّ هاربًا، تاركا خلفه رسمة الطفل التي كان قد وضعها في ظرف بريدي. يلتقطها كلاوس عن الأرض ويداهم جاسبر مرة أخرى، ويجبره على قيادته إلى بيت الطفل صاحب الرسمة.
يقوم جاسبر بإيصال رزمة بريدية حضرها كلاوس للطفل، ليكتشف لاحقًا أن كلاوس أهداهُ دمية خشبيّة رائعة.
في اليوم التالي، يتزاحم الأطفال أمام دار البريد حيث يقطن جاسبر، ليعطوه رسائل لإيصالها لكلاوس والحصول على دمية، بعدما سمعوا من الطفل أنّ كلّ من يُرسل بريدًا إلى كلاوس يحصل على دمية. ومن هنا تبدأ مغامرة جاسبر وكلاوس في قلب موازين "سميرينسبورغ" رأسًا على عقب، غير متعمّدين…
يُعنى الفيلم بالعديد من المواقف التي تصوّر الأطفال كمُربّين صغار ومُلهمين أذكياء ومؤثرين أبرياء. يقوم الأطفال بإرسال مضامين عديدة للكبار، ويقومون بحثّ أفكارهم على اتخاذ قرارات مختلفة عمّا كانوا ينتهجون. يفعل الأطفال ذلك ليس بالكلام والإصرار، بل بفعل الخير ومساعدة الآخرين وخلق النظام من حالات الفوضى الدائمة.
في بادئ الأمر، سار الأطفال في سميرينسبورغ على نهج عائلاتهم العنيف والمؤذي. فكلما سنحت لهم الفرصة، كانوا يسدّدون الضربات وينصبون الأفخاخ لأبناء القبيلة الأخرى. من الظاهر أن هذه هي التربية الوحيدة التي حظي بها الأطفال، فهُم لم يذهبوا للمدرسة خوفًا من اختلاط أطفال القبيلتين ببعضهم البعض، ولم تكن هناك أية فعاليات خاصة بهم.
لاحقًا، يستنتج الأطفال أن كلاوس يمنح الدمى للأطفال الجيّدين فيحصلون على ألعاب، ليبدأوا بحملة ضخمة من أعمال الخير ومساعدة الآخرين ونزع طوابع الخلاف من المكان.
"بدلًا من سرقة توت السيدة رونا، قطفناهُ وأعطيناها إياه، وأتت إلى بيتنا لاحقًا، وأحضرت لأمي الكثير من مربّى التوت، ثم قدّمت إليها أمي فطيرةً بالتوت."
منجرفين إلى فكرة أنّ من دفع الأطفال هما والداهم، يبدأ الكبار بتغيير طباعهم ولو على مضضٍ في البداية، ومن ثم تستقبل عائلاتٍ من القبيلة الأولى عائلاتٍ من الأخرى، ويتصرّفون كما لو أنهم لم يختلفوا يومًا.
يقرّر الأطفال بأنفسهم أيضًا أنهم سيذهبون إلى المدرسة لتعلم الكتابة، فبغير ذلك لن يتمكّنوا من الكتابة لكلاوس عن الأعمال التي قاموا بها كلّ يوم ليحصلوا على الدمى. إنها فكرة مخالفة تمامًا للواقع الذي تعمل من خلاله أنظمة التربية والتعليم عمومًا، حيث يُشرف البالغون على تعليم الصغار ويحدّدون الوقت المناسب لفعل ذلك.
يترك الفيلم المُشاهد الصغير (وربما البالغ) حائرًا مع دستة من الأسئلة الأخلاقية والتربوية، بِدءًا بتعريف التضحية وعمل الخير وكونهما فعلين خاليين من الأنانية والفائدة الذاتية، ما يتمحور في قول كلاوس: "فعلٌ حقيقي من الإيثار دائمًا ما يُشعلُ آخرًا مِثله"؛ هل حقًا ما فعله جاسبر يُعتبر تضحية؟ ماذا عمّا فعله الأطفال أنفسهم تجاه المكان؟ فكلا المذكورين لم يقصدوا بالفعل استهداف النتيجة التي حصلوا عليها في النهاية، وهي بداية للسلام، فُرصٌ للتغير ومكانٌ جميل، مركّب من ألوان جديدة وأهداف جديدة.
ماذا يفعل الأطفال إذا نفدت الدمى، وتوقفوا عن استلام الهدايا يومًا ما؟ هل ستعود سميرينسبورغ إلى أيامها الرمادية القارصة البرد والمليئة بالعنف؟ هل من الممكن أن تكون الحياة بهذا التطرف: إما مليئة بالألوان والحياة وإما مظلمة وعنيفة؟ إنها بلا شك أسئلة تستحق غوص القارئ الصغير فيها، كما أنها ميزة رائعة للفيلم.
يعلّق الفيلم آمالًا عديدة بالطفل الصغير المشاهد له. فيقول له بشكل مباشر إنه يستطيع التغلب على أيّ مشكلة من صنع الكبار فقط بالمبادرة لحلّها بفعل الخير والتسامح وتقديم المساعدة. لا يطلب الفيلم الكثير من المشاهد الصغير، بل يطلب منه فقط أن يبدأ بعائلته أو بالجيران، وأن يفعل ذلك مترقبًا لسعادة الآخرين.
كلاوس، الفيلم المصوّر ثنائي الأبعاد هو تُحفة فنية تستحق المشاهدة والنقاش، فهي قصة تربوية مؤثرة ومُلهمة جدا، بألوانها الجميلة وتركيبها الصُّوري وأضوائها المُحجّمة والفكاهة غير المُبتذلة المزروعة فيها. وهي تستحقّ أيضًا أن تُحفر في ذاكرة المُشاهد ككلاسيكية كريسماسيّة لا بُدّ من تداولها كواحدة من طقوس عيد الميلاد: أمام التلفاز على أريكة دافئة، قرب الأضواء المتلألئة المبشّرة باقتراب العيد.
(يُبثّ الفيلم على شبكة "نيتفليكس")
- التاريخ: 24/12/2020
- كلمات مفتاحية: أفلام