اخترنا لك
أكوامان: كليشيهات وإشكاليات أمومة
اخترنا لك: أفلام
فيلم أكوامان هو الفيلم الجديد لاستديوهات دي.سي. للكوميكس. كل من يتابع تطوّر أفلام الكوميكس والأبطال الخارقين، يعرف جيدًا أنّ استديوهات دي.سي.، المسؤولة عن شخصيات سوبرمان وباتمان، تحصد نقدًا سلبيًّا من كلّ اتجاه في العقد الأخير على كافة أفلامها. طبعًا هذا النقد لا يرحم، بالذات في ظلّ نجاح الاستوديو المنافس، استوديو مارفيل، الذي يحصد نجاحًا تلو الآخر في كافة أفلامه الجديدة، من سبايدرمان والمنتقمون وغيرها.
في ظل هذه المنافسة الشديدة، تحاول شركة دي.سي. إنقاذ نفسها بكلّ طريقة؛ فأوّل خطوة قامت بها في هذا الفيلم هي تخفيف دكانته وظلمته نسبيًا لأفلامها السابقة. هذا التغيير أدّى لنجاح كبير في دور العرض، ولكنه لم يُرضِ النقّاد بعد. وبحق.
آرثر كوري (جايسوم ماموا) هو ابن لملكة المدينة الأسطوريّة أطلانتس، ولحارس المنارة في مدينة ميناء ساحلية منعزلة. تعود والدته (التي لعبت دورها الفنانة نيكول كيدمان) إلى المملكة الأسطورية، وآرثر يترعرع على اليابسة مع والده من غير والدته. بما أنه ابن لمخلوقة تعيش تحت الماء، يتمكن آرثر من التنفس تحت الماء أيضًا، فيأتي أحد المستشارين لوالدته ليعلمه السباحة والقتال. هكذا يتحوّل آرثر إلى بطل خارق من عالم البحار، يترعرع على اليابسة، ويُدعى أكوامان. يُدرك أكوامان أنّ والدته قد أُعدمت في أطلانتس، كونها قد خانت عالم البحار.
في أحد الأيام تأتي أميرة (أمبر هيرد) إلى الأرض لإقناع آرثر بالانضمام إليها إلى أطلانتس لمحاربة أخيه الذي يخطط لتدمير البشر الذين يعيشون على اليابسة، كونهم يدمرون ويلوثون عالم البحار. يعود أكوامان لأطلانتس ويحاول ردع أخيه عن شنّ الحرب، ليحمي العالميْن ويجد مكانه كحاكم للبحار.
يبدو أنّ الفيلم لم يقرر بعد ما هو جانره المركزيّ. فمن جهة هو فيلم أبطال خارقين، ولكنه يهزأ من هذا الجانر، ومن جهة أخرى يحاول أن يكون فيلم أكشن، ولكن مشاهده لا توفر تشويقًا فعليًّا واضحًا. حتى بمحاولته ليكون فيلم مغامرات وبحث عن الكنز، كـ"إنديانا جونز"، يفشل بوضوح؛ فجزء صغير جدًا من الفيلم يمثل فيلم مغامرات.
إضافة إلى هذا كله، هناك الكثير من المشاهد المفعمة بالكليشيهات النحيلة التي أرهقتنا في ثمانينات القرن الماضي. فمثلًا في وقفة آرثر تحت الشلال، يلفّ رأسه وينظر إلى المشاهد بنظرة مثيرة برفقة موسيقى تشويقيّة. ربما كانت هذه النظرة مثيرة ومناسبة في الثمانينات إلا أننا في عام 2019، في عصر فيه الأبطال لا يتصرّفون "ببطولة" مفرطة بل يهزؤون بهذه الفكرة ويضحكون على كل شيء من هذا النوع. في كل مشهد كليشيهاتي ومبتذل كهذا، كنت أنتظر بتأكيد أنه سوف يسخر من نفسه على هذه الحركة. في مشهد آخر، يقفز آرثر من البحر إلى سطح غواصة، بعد أن رفعها إلى سطح الماء (بحركة مشابهة لحركة سوبرمان عندما ينقذ الطائرات)، وعندما يصل السطح، يقف وقفة المحارب على الغواصة وكأنه بطل مسرحية شيكسبيرية ينتظر تصفيق الجماهير.
باختصار، الفيلم مفعم بالمشاهد الكليشيهاتية المبتذلة، تصبّ جميعها في الجملة الأخيرة للفيلم: "كان أبي حارس المنارة. كانت والدتي ملكة. لم يكن من المفترض أن يجتمعوا، ولكن حبّهم أنقذ العالم. جعلوني ما أنا عليه. ابن الأرض، ملك البحار. أنا حامي الأعماق. أنا أكوامان". لا عزيزي، ليس حبهم من أنقذ العالم. قوتك الخارقة هي ما أنقذ العالم، وهذه الجملة هي مجرد جملة مبتذلة!
كل من شاهد أفلام دي.سي. الأخيرة، "باتمان ضدّ سوبرمان: فجر العدالة" و"فرقة العدالة"، يعرف أنّ معظم مشاكل عالم دي.سي. ناتجة عن أبطال ترعرعوا من غير أمهات، ويحلمون بالانتقام ممّن قتل والدتهم. كلّ الحرب التي دارت بين باتمان ضد سوبرمان، تلخصت في النهاية بغضب باتمان وصرخته لاسم أمه مارتا.
لا يختلف آرثر كثيرًا عن باتمان وسوبرمان، فيبدو أنّ دي.سي. لم يتعلموا شيئًا من فشل ذلك الفيلم. آرثر كوري، أكوامان، فقد أمه في طفولته، وظنّ أن سكان أطلانتس هم من قتلوها طيلة الفيلم، ولهذا يرفض بشكل متكرّر زيارة أطلانتس. رفضه يختفي من أجل انقاذ العالم، ولكنه لا ينسى من أعدم والدته- حتى يجدها في نهاية الفيلم حية ترزق في جزيرة منعزلة في باطن الأرض.
لا أعرف ماذا يحصل في استديوهات دي.سي. ولكن عليهم ترك موضوع الأمومة ووضعه جانبًا، على الأقل في الأفلام القريبة. فهذا الموضوع لا يوفّر له أي نجاح إضافي، لا في الحبكة ولا في دور العرض.
يبدو أنّ إصدار الفيلم في عصرنا الذي يواجه موضوع التلوّث البيئي والاحتباس الحراريّ، أدّى للتطرّق لقضية تلويث البشر للبحر، وردّ سكان البحر على هذه الهجمة. في الفيلم يتطرق الملك أورم (أخ أكوامان الموجود في الحكم)، إلى قضية التلوث البيئيّ، ويدّعي أنه يريد مهاجمة عالم البشر لأنه يلوّثون البحار ويهددون حياة سكانها. في هجمة سكان البحار الأولى ضدّ سكّان اليابسة، نرى مشهدًا في نشرة الأخبار، فيه يناقش المحللون السياسيون سبب الفوضى العارمة التي حدثت في الساحل. يدّعي بعضهم أنّ البحر قذف كلّ أوساخه وشوائبه على اليابسة. ذاتها الأوساخ البلاستيكية التي يرميها البشر في البحار.
الاشكالية المركزية في هذه الفكرة، هي أنها اختفت نهائيًا بعد هذا المشهد، ولم تعد تُذكر بتاتًا في الفيلم. وكأنّ التطرق لموضوع البيئة كان مجرد اسقاط واجب، ليس له مكان في الحبكة.
بالرغم من كل هذه التحفظات، لا شك بأن الفيلم هو أفضل ما أصدرته دي.سي. في العقود الأخيرة. تصوير الفيلم ومشاهده خلّابة وممتعة جدًا للمشاهد. الاشكاليات المركزية، كما ذكرت، هي في الحبكة والكليشيهات، ولكن كلّ ما هو جمالي في الفيلم هو رائع ويستحق المشاهدة. الفيلم يناسب أجيال 11 سنة وما فوق.
- التاريخ: 21/01/2019
- كلمات مفتاحية: أفلام