Image Background

اخترنا لك

مس مارفل: بطلة خارقة مسلمة في عالم مارفل

اخترنا لك: مسلسلات كرتونية


مس مارفل: بطلة خارقة مسلمة في عالم مارفل
لؤي وتد

مس مارفل هو مسلسل من 6 حلقات، تم عرضه على منصة ديزني بلاس في الشهر الأخير. يحكي المسلسل قصة البطلة الشابة كمالة خان (التي قامت بدورها الممثلة الرائعة أيمان فيلاني) التي تمثل أول بطلة مسلمة تحصل على سلسلة كوميكس خاصة فيها. ظهرت كمالة خان لأول مرة سنة 2013 في عدد #14 لسلسلة كابتن مارفل، وبعدها بسنة حصلت على سلسلة خاصة فيها اسمها مس مارفل. وهذه السنة 2022 حصلت على مسلسل تلفزيوني مكون من ست حلقات انتهت قبل أسبوعين! حصل المسلسل على تصويت 98% من النقاد و83% من المشاهدين على موقع "البندورة الفاسدة". المسلسل يحكي قصة البطلة الخارقة الصغيرة في الثانوية، التي تحصل على قوى خارقة بواسطة إسوارة جدتها. تبدأ كمالة بالتعرف إلى تاريخ عائلتها الباكستانية وكيف وصلتها الإسوارة، وتواجه أسئلة مركبة بين العادات والتقاليد والعالم الحديث، منها أسئلة دينية وأيمانية وبالأساس أسئلة مراهقة!

عرض الحيّز الإسلامي ورجل الدين المسلم

كون كمالة تأتي من عائلة مسلمة، أدى للتعامل مع الإسلام لأول مرة في عالم مارفل السينمائي، إذ تمثّل هذا العالم بالأساس من خلال شخصية رجل الدين المسلم الشيخ عبد الله، الذي عرض كشيخ رزين وإنسان متّزن وذكي وهادئ جدًّا، وكان بمثابة مرشد روحي ومستشار لكمالة خلال المسلسل. أحد أبرز دروسه للبطلة كان في مقولته "الخير ليس شيئًا تكونينه يا كمالة، إنما هو شيء تفعلينه". أو في مقولته النقدية لكمالة خلال خطبة الجمعة عندما يسمعها تتكلم خلال خطبته: "أشكرك يا أخت كمالة على تذكيرنا بأهمية مشاركة رأيك، ولكن من المفضل ألا يكون ذلك خلال الخطبة!". وفي اقتباس آخر رائع يقول لأحد الأبطال الذي يواجه اتهامًا بكونه عدوًا: "تذكّر، كون شخص ما يعاملك كعدو له لا يمنحك الحق في معاملته كعدو لك".

أثار تمثيل الإسلام في السلسلة حفيظة بعض المشاهدين في العالم العربيّ-الإسلاميّ، وبشكل خاص بعد نشر الحلقة الثانية، كونها عرضت الجامع بطريقة غير إيجابية حسب رأي البعض. صراحة، لم أشارك هذا التحفّظ بل أعتقد أنّ عرض الجامع كان رائعًا وواقعيًّا فعلًا- بالذات في هذه الحلقة.
ما أثار حفيظة البعض كان طريقة عرض الفصل الجندري بين الرجال والنساء في حيّز الجامع، حيث جلست هناك كمالة مع صديقتها نقية، وتحدثتا خلال الخطبة عن كون قسم النساء في الجامع أقلّ نظافةً وترتيبا من قسم الرجال، لأنّ منطقة النساء لم يتم ترتيبها أو ترميمها من يوم بناء الجامع تبعًا للبطلة. أعتقد أنّ هذا كان نقدًا شرعيًّا جدًا. لكن في مصر مثلا هذا كان أحد أسباب مقاطعة المسلسل عند البعض. مشهد آخر أغضب بعض المشاهدين هو فكرة سرقة الأحذية في المسجد التي عُرضت بشكل فكاهيّ وكوميديّ. لا أعرف، أظن الأمر واقعيًا وفكاهيًا، إذ أنّ كلّ طفل أو بالغ يدخل المسجد قد يتردد أحيانا ما إذا كان عليه ترك حذائه في الخارج، وما إذا كان سيعود ليجده مكانه.

موضوع الأحذية تكرّر مرة أخرى في المسلسل عندما دخل عناصر من الشرطة الأمريكية إلى المسجد للبحث عن "البطل الخارق" الذي قد يكون اختبأ هناك، فيتوجه إليهم بشكل ذكي وهادئ جدًا الشيخ عبد الله ليطلب منهم أن يخلعوا أحذيتهم في المرة القادمة التي يدخلون فيها المسجد، احترامًا لقداسة المكان. وفي هذا نقد على الشرطة الأمريكية في تعاملها مع المؤسّسات الدينية الإسلامية في أمريكا. في المشهد ذاته، يبرهن لنا الشيخ عبد الله ثقافته وفطنته عندما يقول للضابطة "أنا لست قلقًا حتى إذا كان الله في جانبي طالما أنني إلى جانبه. الله دائما على حق". عندما تجيبه الضابطة بأنها لا تريد أن تسمع اقتباسات أخرى من القرآن يقول لها متهكمًا إنّ هذا الاقتباس لم يكن من القرآن بل كان من بطل الليبرالية الأمريكية أبراهام لينكولن.

قضية أخرى أثارت حفيظة البعض هي قضية الكحول، إذ أنّ كمالة تكون في حفلة ويقدمون لها مشروبًا، فتسأل ما إذا فيه كحول فيكذبون عليها بأنه عصير ليس إلّا. لكن هذا مشهد غير غريب ولا يؤذي الإسلام بأيّ صورة، بل العكس تمامًا، فهو يدل على ضرر وقلة احترام غير المسلمين لمحافظة المسلم على عدم شرب الكحول.
مكانة المرأة المسلمة لم تتمثل كثيرًا في شخصية كمالة كما تمثلت بصديقتها نقية بهادير، التي تترشح للجنة إدارة شؤون المسجد، وهي صبية محجبة في الثانوية. تهتم نقية بترميم قسم النساء في المسجد فتترشح وتنجح وتصبح بنفسها رئيسة اللجنة. في نشاط جميل جدًا تقوم به لعرض برنامجها الترميميّ خلال أيام العيد في مهرجان العيد الباكستاني. معظم المسلمين الذين شاركوا في المهرجان هم من الهند والباكستان وبورناي وغيرها من دول شرق وجنوب آسيا أكثر من الشرق الأوسط، ومن الممكن بالأساس أن يكون هذا ليعرض المسلسل ان المهجر وبلاد العم سام عمليًا جمعت المسلمين أيام العيد، رغم الفوضى السياسية اللي يعيشونها في بلادهم.
بنظري، معظم التحفظات التي جاءت من العالم العربي الإسلامي، كانت تحفظات على الشكليات المعروضة بالمسلسل وليس على المضمون. فلو كان المضمون هو الإشكالية، لكان من الممكن عرض نقد لفكرة تمثيل الجن كمخلوق شرير في المسلسل، أو عرض القوى الخارقة كبديل عقائدي نقدي للإيمان الإسلاميّ، بحيث أنّ المسلسل يعرض عمليا معجزات! ولكن لم يتطرق أحد من النقاد المحافظين لهذه القضايا العقائدية والإعجائزية في فكرة البطولة الخارقة التي تظهر في المسلسل. قد تولّد هذه الأسئلة نقاشًا غنيًّا جدًا حول مصداقية المسلسل الإعجازية وإمكانية وجود أبطال خارقين في سياق إسلاميّ.

التاريخ السياسي بين باكستان والهند

في سنة 1947 قضى برلمان المملكة المتحدة بتقسيم الهند إلى دولتين هي الهند والباكستان. يحكي المسلسل قصة كمالة خان ابنة عائلة مسلمة من كراتشي في باكستان، حيث كانت جدتها طفلة فترة التقسيم ونزوح المسلمين لكراتشي. خلال المسلسل من بدايته هناك نقاش واضح جدًا ومباشر حول التقسيم وكيف أثّر على المجتمع الإسلامي في الهند والباكستان وكيف بلور حيواتهم. لكن المسلسل لا يكتفي بنقاش الموضوع وذكره، انما يعيدنا في الحلقة الخامسة لسنة 1947 ويقدم لنا مشاهد تحكي قصة أهل جدة كمالة خان. أم جدتها، عائشة، هي التي تحصل على القوة الخارقة فترة التقسيم وتنقل قوتها لابنتها وكمالة تفهم كلّ الاحداث من خلال مشاهد قاسية جدا للنزوح في القطارات من الهند الى كراتشي. في مشهد قاس آخر في الحلقة نرى كيف بدأت العنصرية ضد المسلمين في الهند تبعا للسياسات الاستعمارية البريطانية، وأصعب ما في هذا المشهد هو أنّ مشاهد التنكيل بالمسلمين ما زالت تحدث حتى يومنا هذا على أرض الواقع في الهند، بعد عشرات السنين على انتهاء الاستعمار البريطانيّ!

زيارة كراتشي في الحلقة الرابعة، والانتقال إلى سنة 1947 في الحلقة الخامسة، جعلا المسلسل ينتقل في الزمان والمكان بشكل مرن وسلس ومريح، إلى جانب فتح إمكانيات للتعرف إلى عالم إسلاميّ جديد لم نعرف عنه كثيرًا، سواء أكان في المهجر أم في جنوب آسيا.

توصية

في قلب المسلسل، هو مسلسل فتيان، مُعد لأجيال صغيرة أكثر من عامة أفلام مارفل، وكونه يبدأ في المدرسة الثانوية، يجعله مناسبًا جدًا لجماهير صغيرة لتتعرف إلى الواقع الذي تعيشه مجموعات الأقلية في المهجر. في السنوات الأخيرة، أصبحت كمالة خان بطلة مميزة من بطلات مارفل، بالذات كونها تحاكي الجمهور الصغير وكونها فتاة صغيرة في الجيل، فلهذا السبب تتم مقارنتها كثيرا بشخصية سبايدرمان (الرجل العنكبوت)، الذي تميّز منذ ظهر في الستينات بأنه بطل الفتيان والأطفال، وهو البطل الذي يعتني بالمضطهدين والأقليات. أوصي كثيرًا بمشاهدة المسلسل، فهو عرض واقعي وجميل جدًا لواقع الحياة المركّبة التي يعيشها الفرد في الغربة وفي أماكن بعيدة عن ثقافته.

ديزني ومارفل تزور عوالم جديدة

آخر مسلسلين عرضتهما مارفل على منصة ديزني بلاس، مس مارفل وفارس القمر (Moon Knight)، أخذانا برحلات إلى عوالم جديدة. فارس القمر أخذنا لمصر وعرّفنا إلى الأهرامات ومصر القديمة والقوة الخارقة عند الفراعنة ومس مارفل أخذنا للباكستان وعرفنا إلى تاريخ الهند والباكستان وكشف لنا القوة الخارقة المزروعة في تاريخ النزوح واللجوء والاحتلال- وبالأساس في قسوة الاستعمار.
هذه الأماكن الجديدة والجغرافيا الجديدة تحوّل مارفل لعالم جديد وتفتح أمام المشاهدين هذا العالم. تسعدني جدًا الفرصة لمشاهدة هذه النقلة في هذا العالم، خاصة أنّ المسؤولين عنها هم الأشخاص الذين يأتون من هذه الأماكن بشكل خاصّ؛ أي أنّ مخرج فارس القمر كان محمد دياب المصري، وكاتبة ومخرجة مس مارفل هي بيشا علي الباكستانية. بهذه الصورة يتم استرداد الرواية وإعادتها إلى الضحية لتحكي قصتها بنفسها، من دون أن يكون البطل فيها هو الآخر أو المختلف.

كون شخص ما يعاملك كعدو له لا يمنحك الحق في معاملته كعدو لك