اخترنا لك
السنافر: القرية المفقودة - سنفورة تبحث عن هوية
اخترنا لك: أفلام
في اللحظة التي بدأ فيها الفيلم، عادت إلي ذكريات الطفولة، ومعها عادت إلي كذلك تردداتي وتحفظاتي من الكائنات الزرقاء الصغيرة. لطالما نظرت إلى هذا المسلسل باستخفاف وحتى بعض الحقد. لطالما كرهت فكرة وجود قرية متعددة الشخصيات والأجيال ولكنها تفتقد النساء كافة. لم أحب سنفورة، ولم أعتبرها شخصية كافية لتسد مكان نساء القرية، فهي كانت مثالا حيًا على المرأة الخاملة التي لا تعمل ولا تساعد أحدًا ولا تقوم بأي نشاط سوى التنقل في القرية من بيت إلى آخر. باختصار، عندما توجهت لمشاهدة الفيلم، لم تكن لدي أي توقعات ايجابية منه.
هذا الشعور حصل على دعم كبير كذلك من الأفلام الأخيرة التي صدرت للسنافر عام 2011 وعام 2013، فيها وصل السنافر إلى العالم الحقيقي. لم أحب الفيلمين ولم أفكر بتاتاً بأن أعطي السنافر فرصة أخرى، إلا أن الفيلم الجديد شدّني حال شاهدت تشويقته، كونه يعرض قصة مختلفة كلها تحدث في عالم الصور المتحركة، وليس فيها أي ربط مع العالم الحقيقي.
هكذا وجدت نفسي مع مجموعة أطفال وعائلات في صالة العرض، أنتظر بابا سنفور وباقي السنافر. بدأ الفيلم بعرض بسيط لخلفية القصة، وهو أن عائلة السنافر تمثل الكثير من الشخصيات مختلفة الطباع، وكل سنفور يتميز بطبع خاص به. سنفور حالم وسنفور قوي وسنفور مفكر وسنفور غضبان وغيرهم الكثير، حتى يصل الفيلم إلى سنفورة. الأنثى الوحيدة في قرية السنافر (سمرفيت في الانجليزية – وسنفورة الجميلة في العربية). عند التعريف عن سنفورة، يحكي الراوي بداية قصتها، كونها لم تولد سنفورة، بل صنعها الساحر الشرير شرشبيل من الخزف لتخدمه وتدله على قرية السنافر، إلى أن بابا سنفور قد ساعدها بأن تترك قوى الشر وتنضم إلى القرية لتعيش معه ومع باقي السنافر. يستمر الراوي ويخبرنا أن سنفورة تختلف عن باقي السنافر كونها لم تحصل على اسم مثلهم، ولذلك ما زالت تبحث عن صفة تميزها، ليدعوها بها. رغم أن سنفورة حاولت البحث كثيراً عن صفة وميّزة لها، إلا أنها لم تتمكن من ايجادها.
في رحلة بحثها عن هوية وصفة تميزها، تجد سنفورة قبعة لونها بيج وشكلها يشبه قبعات السنافر، تدفعها للبحث عن السنفور الضائع والغريب صاحب هذه القبعة، وعن "قرية السنافر المفقودة" في الغابات المحرمة. يصطحبها في رحلة البحث كل من السنفور قوي (Hefty)، ومفكر (Brainy) وأخرق (Clumsy). وبشكل طبيعي ومتوقع يلاحقهم كذلك شرشبيل وقطه هرهور. حتى هذه اللحظة كل ما جاء في الفيلم كان متوقعاً، وقد بدأت أشعر بالملل منه، إلا أن لحظة ايجاد القرية المفقودة كانت مفاجأة سارة جداً أيقظتني وأعادتني مصدوماً إلى الفيلم. في قرية السنافر المفقودة لا يسكن سنافر ذكور، كما في قرية السنافر التي نعرفها، بل جميع سكان القرية المفقودة هنّ نساء، سنفورات.
قرية السنفورات تختلف كثيراً عن قرية السنافر، حيث أنها تعتمد بأكملها على استعمال عناصر الطبيعة وتسخيرها لخدمة ساكنات القرية. طريقة عرض نهج حياة السنفورات النساء، أخذتني للتفكير في العمق الجندري الذي قد نجده في الفيلم، حيث يعرض الفكر النسائي كفكر رومانسي مناقض لفكر التنوير الذي يضفي على قرية السنافر. كونها قرية فيها إناث فقط، جعلتهن يتمكنّ من عناصر الطبيعة ويسخرنها لتخدمهن، وهكذا تمكنت السنفورات من الحفاظ على سر مكان قريتهن بعيداً عن أعين السنافر وشرشبيل، وفقط سنفورة تمكنت من ايجاد القرية. يستمر الفيلم بطابعه النسوي البسيط والطبيعي، ويعرض السنفورات يعملن وينشطن في كافة المجالات التي يعمل بها السنافر الذكور الذين نعرفهم مسبقاً. هكذا يظهر الفيلم للمشاهد الصغير أن كل ما يتمكن من فعله السنفور الذكر، تتمكن من فعله السنفورة الأنثى، وفي بعض الأحيان، حتى بطريقة أفضل، كالطيران على ظهر دعسوقة التنين مثلاً. يستمر الفيلم بوصول شرشبيل إلى قرية السنفورات وتحطيمها ويأسر جميع من فيها، سوى سنفورة، التي تتمكن بعد ذلك من خداعه وانقاذ الجميع. وهكذا تتلخص رحلة بحث سنفورة عن هوية، بكونها تحمل الكثير من الصفات المشتركة، ولا تختزل شخصيتها بصفة واحدة كما باقي السنافر.
بكلمات أخيرة أقول، ليس الفيلم ابداعاً كبيراً ولا انتاجاً مميزًا، ولكنه جدير بمشاهدة الأطفال، حيث فيه الكثير من الأفكار المميزة وفيه مناقشة جديدة لقضية السنافر وفكرة كون سنفورة، هي السنفورة الأنثى الوحيدة في القرية. الفيلم يتناول الاشكالية المركزية التي وردت في مسلسل الكرتون ويناقشها مع الأطفال بطريقة جميلة وبسيطة جداً، ما يجعله يناسب أعمار الثلاث سنوات حتى سبع سنوات بكل سهولة وسلاسة. غير أن فيه فقرات كوميدية كثيرة يضمنها السنفور أخرق باخفاقاته المستمرة والمتتالية.
ملاحظة للأهالي: قد يبكي أطفالكم عند مشاهدة الفيلم، ولكن هذا أمر جيد. ومن المتبع في أفلام الأطفال الحديثة التطرق لفقدان شخصية ما، واسترجاعها أو اعادة احيائها مرة جديدة، ولكن هذه قضية أخرى. وبالنسبة للدموع، أظن أن هناك أهمية لأن يشعر الأطفال أن السينما، كما هو الفن، لها علاقة مباشرة بتحريك مشاعرنا والتأثير علينا، فالقليل من الدموع في فيلم، تمسحها فرحة النهاية السعيدة، هي مباركة جداً في أفلام لأجيال صغيرة.
"السنافر: القرية المفقودة" (2017)
من يوم 30 آذار في دور العرض
مدة الفيلم: ساعة و29 دقيقة
- التاريخ: 08/05/2017
- كلمات مفتاحية: أفلام