اخترنا لك
عودة ويني الدبدوب في فيلم كريستوفر روبين
اخترنا لك: أفلام
صدر كتاب "ويني الدبدوب" قبل 92 عامًا، ومنذ حينها يعتبر أحد أشهر وأحبّ الشخصيات في أدب الأطفال العالمي. يعود جزء كبير من هذا النجاح لاصدار فيلم الرسوم المتحركة لاستديوهات والت ديزني حول الكتاب من عام 1966، فيه تمت بلورة الشخصيات بصورتها المألوفة في أيامنا هذه.
منذ يومها صدرت عشرات الأفلام المختلفة التي تتعامل مع القصة بطرق مختلفة. في هذا العام صدر فيلمان يحملان اسم شخصية الطفل، كريستوفر روبين، بطل السلسلة. "إلى اللقاء كريستوفر روبين" الذي يحكي قصة كتابة الرواية، وفيلم "كريستوفر روبين" الذي يحكي قصة البطل بعد أن بلغ. في هذه المادة سوف نتطرّق للفيلم الثاني، كونه يعتبر فيلم أطفال مباشرًا أكثر من الفيلم الأول.
فيلم "كريستوفر روبين" هو كذلك من اصدار استوديوهات والت ديزني، ويحكي قصة الطفل، كريستوفر روبين الذي بلغ ونسي طفولته وصداقته مع ويني الدبدوب. كريستوفر يعمل كمدير قسم في شركة وينسلو للحقائب في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يفرض عليه مدير الشركة إقالة 20% من العاملين في الشركة، فيضطر كريستوفر التنازل عن العطلة مع عائلته في بيت طفولته، ويترك زوجته وابنته وحدهما. قبل أن تذهبا إلى الرحلة، تجد ابنته رسومات ويني الدبدوب وأصدقائه التي رسمها كريستوفر في طفولته. بطريق الخطأ تنسكب جرة عسل على الصورة، فيستيقظ ويني الدبدوب من سباته في بيت الشجرة، وينطلق في رحلة إلى لندن للقاء كريستوفر. عند لقاء ويني الدبدوب مع كريستوفر، ينطلق كلاهما لرحلة أخرى لايجاد باقي أصدقاء طفولتهم، تيجر النمر، ايوا الحمار، كانغا الكنغر وبيغليت الخنزير. رحلة العودة إلى البيت، تفرض على كريستوفر مواجهة طفولته وتذكرها، ما يؤثر مباشرة على طريقة تعامله مع ابنته مادلين.
يتعامل الفيلم بشكل مباشر مع قضية التنازلات التي يقوم بها الفرد عن أمور يحبها. التنازلات تتأثر كثيراً بسلم الأولويات الموهوم الذي يحمله كل فرد في المجتمع، وفي الفيلم يتمثل هذا في سلم أولويات كريستوفر الذي يختار حياته البالغة ومسؤولياتها بدلاً من ذكرى طفولته العفوية، ويختار مهنته ومسؤولياتها بدلاً من عائلته. عودة ويني الدبدوب لحياته تمثّل زعزعة لهذه الخيارات ومحاولة تذكير كريستوفر بسلم أولوياته، فإذا كانت ابنته هي أغلى ما في حياته، فلماذا يفضّل العمل على قضاء الوقت معها؟ وان كان يفضّل البساطة والعفوية فلماذا يختار الجدية وحياة البالغين مرة تلو الأخرى؟
في الفيلم هناك مشاهد رمزية ومجازية كثيرة تشدّد على هذه الرسالة، وأهمّها هو المشهد الذي فيه يطلب ويني من كريستوفر بالوناً أحمر. قسم كبير من رحلة العودة يتمثل في المقارنة بين البالون الأحمر الذي يحمله ويني وبين حقيبة المستندات التي يحملها كريستوفر. ويني يلخص الأمر بقوله: "هل حقًا حقيبة المستندات هي أهم من البالون الأحمر؟".
رسالة الفيلم بسيطة جدًا وهو يتعامل مع الأمور على ما هي، من غير تعقيدات وحركات سينمائية بهلوانية، لمجرد اعجاب الجماهير. هذه البساطة قد تكون دليلًا مباشرًا على الحنين إلى الماضي الذي يعرضه الفيلم. فحتى في مشاهد الغابة، التي كان من الممكن تحويلها إلى أداة سينمائية لإنارة الفيلم الشاحب بمعظمه، يختار المخرج الحفاظ على هذا الجو بشكل واع وواضح.
بالإضافة إلى هذا، يجد المشاهد في الفيلم العديد من الرسائل الايجابية حول قيمة اللعب والاسترخاء (وفلسفة "عدم فعل أيّ شيء") والتواصل مع العائلة. التوازن بين العمل والحياة العائلية هما من الموضوعات الرئيسة في الفيلم، بالإضافة لقوة وأهمية خيال الأطفال. يتذكر كريستوفر روبين أنه ممتنّ لكل شيء لديه في حياته، وأنّ لا شيء أولى من عائلته. هناك أيضًا رسالة واضحة في نهاية الفيلم حول حق الجميع، وليس فقط الأغنياء، بالحصول على وقت فراغ للاستمتاع بالريف أو الطبيعة، أو لمجرد قضاء الوقت مع عائلاتهم.
لم يكن هذا الفيلم مميزًا جدًا بأفكاره، فقد صدر منذ 27 عاماً فيلم "هوك" (1991)، الذي قام بعملية شبيهة مع قصة بيتر بان. فيلم هوك يتعامل مع شخصية بيتر بان الذي بلغ وأصبح عبدًا لوظيفته، حتى يخطف كابتن هوك أطفاله، فيضطر للانطلاق بمغامرة كاملة لانقاذهم. ولكن الفرق المركزيّ بين الفيلمين هو أن بيتر بان نسي طفولته تمامًا، ولكن كريستوفر روبين لم ينسَها، بل اختار أن يتناسها بعد عودته من الحرب.
أحد أكثر الأمور تميزاً في قصة ويني الدبدوب، هو فلسفته الغريبة والمثيرة للتفكير والتأمل. في الفيلم، هناك العديد من هذه الاقتباسات، نذكر منها:
- القيام بـ"لا شيء" غالباً ما يؤدّي إلى أفضل نوع من الأشياء.
- يقول الكثيرون إنّ "لا شيء مستحيلًا"، ولكنني أقوم بلا شيء كلّ يوم.
- عادة أصل إلى أماكن جديدة، عندما أبتعد عن الأماكن التي كنت فيها سابقًا.
فيلم "كريستوفر روبين" الجديد في دور العرض هو فيلم مميز ورائع لكل من بلغ على قصص ويني الدبدوب، ولكل من نسي طفولته وبحاجة لدبدوب ليذكره بسلم الأولويات الحقيقي في الحياة. الفيلم يناسب أجيال 6 سنوات وما فوق، ويدعم نقاشات عائلية كبيرة حول التوازن في الحياة العصرية بين المهنة والعائلة وبين حياة البالغين وذكرى طفولتهم. باختصار، ننصحكم بشدة بمشاهدة الفيلم مع أطفالكم ومناقشة كافة أجزاءه ومركباته.
- التاريخ: 18/08/2018
- كلمات مفتاحية: أفلام