Image Background

اخترنا لك

دكتور سترينج وجنون الأمومة

اخترنا لك: أفلام


دكتور سترينج وجنون الأمومة
لؤي وتد

في نهاية الأسبوع الماضي، صدر في دور العرض في معظم أنحاء العالم الجزء الثاني لفيلم مارفل دكتور سترينج، باسم "دكتور سترينج في عالم الجنون الموازي"، Doctor Strange in the Multiverse of Madness. أثار الفيلم موجات من الاعتراض والجدل في الكثير من وسائل الاعلام في العالم قبل عرضه، ومُنع عرضه في الكثير من الدول، مثل روسيا والصين والسعودية ومصر وغيرها (اضغط هنا لقراءة المزيد حول منع الفيلم).
يعتبر فيلم "دكتور سترينج في عالم الجنون الموازي" لمغامرات البطل الخارق المعروف باسم دكتور غريب، أو دكتور سترينج، بعد مغامرته الغريبة في محاولة انقاذ العوالم الموازية، التي شهدناها في فيلم سبايدرمان الأخير، الصادر في العام الماضي (2021). نذكر كذلك أن فيلم دكتور سترينج هو الفيلم الثامن والعشرون بسلسلة أفلام عالم مارفل السينمائي (MCU).

قصة الفيلم (وحرق أحداث)

يبدأ الفيلم بمشهد محاولات هرب الفتاة أمريكا تشافيز، من وحوش تلاحقها وتلاحق شخصًا يبدو كالدكتور سترينج ولكن بملابس مختلفة عن المألوف وبشعر طويل. المشهد التالي ينقلنا إلى حفل زفاف صديقة دكتور سترينج (بنديكت كومبرباتش)، الدكتورة كريستين بالمر (راشيل ماك آدامز). تعترض الزفاف ضجة في الخارج، تصدر عن هجوم وحش عملاق بصورة أخطبوط يلاحق فتاة شابة تدعى أمريكا تشافيز (زوتشيتل جوميز). دكتور سترينج والساحر الأعلى بنديكت وونغ ينقذون الفتاة من الأخطبوط ويحاولون فهم سبب ملاحقتها. هنا تكشف لنا الفتاة أن الوحوش تلاحقها للحصول على قدراتها الخارقة في الانتقال بين العوالم الموازية، وأن من ساعدها حتى الآن كان دكتور سترينج آخر من عالم موازٍ قد ظفرت به الوحوش ومات. يقرر دكتور سترينج اللجوء إلى الساحرة واندا ماكسيموف (إليزابيث أولسن)، لتساعده في الكشف عن القوة الخارقة التي تلاحق أمريكا للحصول على قدراتها.

سبق وتعرّف متابعو مارفل على واندا ماكسيموف في أفلام سابقة، ومؤخرًا كذلك في مسلسل خاص به عُرض عبر شاشات ديزني بلاس، هو مسلسل WandaVision. يحكي المسلسل عمّا حدث مع واندا بعد أن قتل ثانوس حبيبها فيجن، ويكشف بأنها قد جنّدت قواها السحرية لاستعباد بلدة كاملة تحت سيطرتها وخلق عالم في فقاعة، فيه تعيش مع فيجن اختلقته بسحرها، بل وتلد منه طفلين- بيلي وتومي. في نهاية المسلسل، يتم الكشف عن سحرها وتوقيفه، فتخسر حبيبها وطفليها!

أحداث المسلسل مهمة جدًا لفهم الفيلم، لأن زيارة دكتور سترينج لواندا هي بؤرة الحبكة فيه. عندما يستشير دكتور سترينج واندا بالنسبة لأمريكا وكيف يمكنهم مساعدتها، يكتشف بأن من يلاحقه أصلًا هي واندا بنفسها، لأنها تسعى لتوظيف قوّتها للانتقال إلى عالم موازٍ تتمكن من العيش مع أطفالها فيه. في هذه المرحلة تهدّد واندا دكتور سترينج وتطلب منه أن يسلمها أمريكا، وإلا فستجلب عليه هول قواها السحرية الخارقة. وهنا يبدأ الفيلم بالتحوّل إلى جنون فعليّ بين العوالم الموازية.

خدمة المعجبين Fan Service

يهرب دكتور سترينج وأمريكا من واندا إلى عالم آخر، وتبدأ هي بكشف قواها الخارقة الواحدة تلو الأخرى. واحدة من هذه القوى، هي قدرتها على الانتقال ذهنيًا إلى جسدها في عالم مواز، فهكذا تلاحق دكتور سترينج وأمريكا إلى العالم الجديد الذي وصلوا إليه، بل وتتمكن من قتل كافة الأبطال الخارقين فيه. هذا المشهد يقدّم ما يسمّى بخدمة للمعجبين (Fan Service)، وهو مادة أو ظهور في عمل خيالي أو في سلسلة خيالية تتم إضافته عمدًا لإرضاء جمهور المعجبين (ما قد قدمته مارفل بامتياز في فيلمها السابق سبايدرمان). هذا المشهد يأتي بالكثير من الشخصيات الخارقة التي لم تظهر بعد على شاشات السينما، أو أنها ظهرت سابقًا قبل عشرات السنوات، وقد اشتاق إليها المعجبون. مثلًا شخصية بروفيسور إكسافيير، قائد مجموعة الاكسمن، الذي ظهر على الشاشة في هذا الدور في بداية الألفية خلال سلسلة أفلام إكسمن (X-Men)، وظهور كرسي العجلات الأصفر من مسلسل إكسمن الذي عُرض في التسعينات. أو شخصية ريتشارد ريد، قائد مجموعة "المذهلون الأربعة" (Fantastic Four)، الذي لطالما انتظر متابعو مارفل ظهورهم في العالم السينمائي. بإختصار، تتمكّن واندا من قتلهم جميعًا، وتتحوّل إلى قاتلة خارقة وعديمة الرحمة في النظر الجميع، ما يزيد من هول طاقتها وتهديدها.

ذكر آخر لخدمة المعجبين يأتي في الكثير من الرمزيات والتناص مع عالم ديزني، بالذات أن استديوهات مارفل أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من عالم ديزني ومن منصة ديزني بلاس. في الكثير من المشاهد التي يظهر فيها الطفلان بيلي وتومي، نجدهما يشاهدان مشاهد رمزية من عالم ديزني؛ ففي أحد المشاهد نجدهما يشاهدان الأرنب أوزوولد (1927)، وهو أول اصدار لوولت ديزني، سبق ميكي ماوس، ويعتبر الشخصية التي ألهمته. ثم في مشهد آخر نجدهما يشاهدان فيلم بيضاء الثلج (1937)، وهو أول إصدار سينمائي لأستديوهات ديزني. بالمناسبة، أحد المشاهد التي تظهر هو ملاحقة الملكة الأم الشريرة لابنتها بيضاء الثلج، وقد يكون في هذا رمزية لما يحدث بالفعل في فيلم دكتور سترينج. مشهد أخير أذكره لروعته، يأتي في نهاية الفيلم، حين يلتقي دكتور سترينج بصيغة شريرة موازية لنفسه، ويتعارك معها بإلقاء تعويذات سحرية تتمثّل بنوتات موسيقية. مشهد من هذا النوع ظهر لأول مرة في السينما، كذلك في استديوهات والت ديزني مرتين، المرة الأولى في فيلم فانتازيا (1940)، والمرة الثانية في فيلم الجزء الثاني للحسناء والوحش (1997)، فيه يتعارك الوحش مع الشرير فورتي، الأرغن ذو الأنابيب. التعويذات السحرية التي تتمثّل بنوتات وأصوات موسيقية في المشهد هي أحد أروع المشاهد في الفيلم، فيها توظيف رائع يدمج بين البصري والموسيقي. ليس لدي شك بأن هذا المشهد بالذات سوف يصبح أحد أبرز المشاهد وأكثرها ذكرًا من الفيلم، وقد يأتي لداني إيلفمان (المنتج الموسيقي للفيلم) بالأوسكار على موسيقى الفيلم.
بعد مطاردة "غريبة" ومعقدة بين العوالم الموازية، يصل الحال بدكتور سترينج إلى أن يقرر الاستيلاء على جثة لدكتور سترينج آخر كان قد مات، لكي يساعد أمريكا في معركتها مع واندا، وهنا يحصل المشاهدون على خدمة معجبين أخرى، وهي ذكر مشهد دكتور سترينج الزومبي، الذي ظهر في مجلات الكوميكس منذ 1984، وكذلك في مسلسل ماذا لو..؟ (What if..?)، الذي عُرض كذلك على ديزني بلاس في العام الماضي (2021).

دكتور سترينج الزومبي، يحاول اقناع أمريكا تشافيز بأن تؤمن بنفسها وبقدرتها على السيطرة على قدراتها الخارقة. وهكذا، يقدم لنا سام رايمي (المخرج) أحد أغرب المشاهد السينمائية، فيه نرى زومبي ميت-حي، مخيف ومرعب، وجهه مهشّم وعيناه جاحظتان ميتتان، يحاول قدر الإمكان أن يرسم ابتسامة على وجهه، ليمثّل صورة إنسان لطيف ومتعاطف مع فتاة شابة خائفة، تخاف الساحرة التي أمامها أكثر منه. فعلًا مشهد ملحمي مكابري (Macabre) كما يقولها الفرنسيون.

ثيمة الأمومة الهستيرية المنتقمة

في نهاية الفيلم، تتمكّن أمريكا بالفعل من فتح شباك إلى عالم موازٍ في مركز بيت واندا موازية وأمام عيون أطفالها. خوف أطفالها من الساحرة المرعبة التي تهدد طفلة فتاة في بيتهم، يدفع الأطفال للصراخ برعب، والركض إلى حضن أمهم (واندا من العالم الموازي). وهكذا، يتحوّل الفيلم إلى نقاش وحوار صامت تديره عيون الشخصيات، بين واندا وأطفالها، ثم الأطفال وواندا الموازية، ثم الوانداتين – الساحرة الشريرة، والأم الحنونة. نظرات العيون تخلق تعاطفًا قويًّا بين الواندتين، كون كل منهما تفهم ألم الأخرى، فتهدّئ واندا الموازية (الأم) من روع واندا الساحرة وتعدها بأنّ الأطفال سيكونون بخير، وأنها ستحميهم من كلّ تهديد. أسى واندا الساحرة وألم فقدانها يتفجر في هذه اللحظة، فتقع على الأرض يائسة ومكسورة. نظرات الأطفال المرعوبة لرؤيتها أدت بها لفهم ما قد فعلته، ولاستيعاب هول حربها على كلّ العوالم من أجل أطفالها. هنا تفهم واندا بأنها تحوّلت هي بنفسها إلى الوحوش التي سلبت منها أطفالها، وأن الرعب في عيونهم حدث بسببها! عندها تقرّر واندا هدم معبد السّحر وتسحق كافة كتب السحر من العالم، لتمنع أيّ أحد من تهديد أطفالها كما فعلت هي بنفسها.

هذا المشهد، وهذه النهاية، يضعان الأمومة في مركز الفيلم، وتحوّل الفيلم كله لفيلم يدور حول جنون الأمومة. واندا واجهت مأساة تراجيدية تلو الأخرى، فقد سُلب منها والداها فكبرت يتيمة، ثم سُلب منها أخوها التوأم، ثم حبيبها، ثم حبيبها المتخيّل مرة أخرى، وفي النهاية أطفالها. كلّ ما فعلته في المسلسل WandaVision، من استعباد بلدة كاملة وتوظيفها لخدمتها، كان مجرّد تحضيرًا لما ستفعله في هذا الفيلم! واندا أصبحت شريرة يخشاها الجميع، فقط بسبب محاولتها لخلق إطار عائليّ بسيط جدًا كانت تحلم فيه منذ ظهورها على الشاشة، وفي كلّ ظهور فقدت قطعة من روحها.

نقاش عرض الأمومة بهذه الصورة كمحرّك للانتقام والاجرام والقتل، لم يبدأ في فيلم دكتور سترينج، بل هو ثيمة سينمائية تتكرّر في السنوات الأخيرة من خلال جانر أفلام الرعب مثل فيلم Mama, Mama (2013)، Run (2020)، mother! (2017)، وغيرها الكثير. والمشترك بينها جميعًا أن المحرّك المركزي للحبكة هو جنون الأم ومحاولتها للدفاع عن أطفال بحب يؤدي إلى تهديد حياتهم. كذلك في سينما الأبطال الخارقين، مفهوم الأم ودورها الأمومي هو مفصلي؛ ففيلم باتمان ضدّ سوبرمان (2016) يتمحور في النهاية حول قتل مارثا، والدة باتمان، ثم في فيلم الحرب الأهلية (2016) التي تدور بين آيرون مان وكابتن أميركا، وتعود إلى قتل والدة آيرون مان، ماريا ستارك. فعلًا إنها ثيمة متكرّرة وتزداد ظهورًا مع السنوات، فهل هي مجرّد رد فعل على الحراك النسوي الذي يعادل ويوازن بين الأبوة والأمومة، أم أنها مجرد صورة جديدة لمفهوم الهستيريا النسائية الذي داهم الثقافة البشرية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأدى إلى ولادة نظرية فرويد حول الأمومة الجنسية المفصلية في حياة الأطفال.

خلاصة

كما ذُكر في البداية، تم حظر الفيلم في العديد من الدول حول العالم، والسبب المركزي هو عرض عائلة أميركا تشافيز، التي تتمثّل بأميْن اثنتين. لكن دورهما في الفيلم ضئيل جدًا وليس له تأثير على حبكة الفيلم، بل فقط على بناء شخصية أميركا، كبطلة جديدة في عالم مارفل السينمائي. بالإضافة لأمهاتها، تحمل أميركا على صدر قميصها وسام العلم المثلي الملوّن ولكنه صغير جدًا وصعب الملاحظة، لولا حوّل منع الفيلم الموضوع إلى قضية مفصلية.
الفيلم معدّ بالأساس لأجيال 13 عامًا وما فوق، بسبب مشاهد مخيفة، وكونه ينتقل بين جانرات مختلفة، من الفانتازيا المظلمة، إلى الرعب، وحتى المغامرة البوليسية الخارقة. يظهر في الفيلم بعض المشاهد المخيفة والعنيفة، كمشاهد القتل وإحراق الجثث إلا أنها خياليّة بطريقة واضحة لا تختلف كثيرًا عن المشاهد في أفلام أبطال خارقين آخرين. باختصار، أنصح جدًا بالفيلم خاصة لجمهور المتابعين لعالم مارفل السينمائي.

  • التاريخ: 08/05/2022
  • كلمات مفتاحية: أفلام