اخترنا لك
أبي صاروخ وجدّي قمر صناعي: توافق نوعي بين النص والرسومات
اخترنا لك: كتب
"أبي صاروخ وجدّي قمر صناعي" من تأليف كاتبة أدب الأطفال المربية هديل ناشف، ورسوم الفنانة شارلوت شاما من اصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم.
تصف هديل ناشف كتابها بأنه يمثل "مدخلًا لتناول قيمة تقدير الذات، على ألّا تتحول الى نرجسية تلغي الآخر وحقه في الوجود والاختلاف". ولا بد من الإضافة أن في هذا الكتاب النوعيّ قد تمكنت الكاتبة والرسامة بانتاج قمة جديدة من الابداع المحلي يذكّر قراء أدب الأطفال المحترفين والمختصين بالكتاب الرائع، "أين كانت الأشياء الجامحة" بقلم موريس سينداك.
تدور أحداث القصة "أبي صاروخ وجدّي قمر صناعي" في مطبخ الملكة زمردة والملك نور بين الأواني الملكيّة التي تتعارك وتتشاحن وتتحارب في الحاضر، منشغلة بالتغنّي بذاتها وبماضيها المجيد ما يدفعها بسرعة لإلغاء الآخر واحتقاره واستصغاره، فيفقدها المستقبل. أو بكلمات الغلاف الخلفي: "ما الذي جرى في قصر الملكة زمردة والملك نور؟ وأي غلطة ارتكبها الجميع، فدفعوا ثمنها غالياً على مائدة الافطار الملوكية؟".
ما يميّز الكتاب ويجذب أنظار وانتباه الكبار والصغار بشدّة هو الحوار الواضح بين النص والرسومات، حيث يدخل القراء إلى عالم الخيال الواسع الذي يراه ويتخيّله الأطفال، أولاً من النص المجرّد وثم في الرسومات الخلابة والمركبةّ بابداع شديد يعطي شرعية لتخيّلات الطفل التي تجعل من الجماد كائنًا حيًّا يتنفّس ويشعر ويتفاخر.
تجربة القارئ تتبلور بمساعدة هذا اللهو والتلاعب في الرسومات والنص والخيال الداخلي للقارئ. الرسومات تمثّل عالم الخيال الذي يعيشه الطفل في واقعه الآمن في البيت، والنص يدعمها باعطائها شرعية ومكانًا للتنفيس عن هذا الخيال. يبدأ النص في تمثيل معين لعالم الحكايات فيه القصور والملوك والفرسان والخيل والأعداء، نراها في الرسومات تتحقق على أرض الواقع اليومي الذي يعيشه الأطفال في غرف نومهم. سرعان ما يتحوّل هذا الخيال إلى "حقيقة" تحصل على شرعية النص والرسومات معاً في استيقاظ الجمادات المختلفة في المطبخ، من الأطباق وحتى القلايات التي تبدأ بنقاشاتها حول تغنّيها بذاتها وايقاظ نرجسيتها للتحرر من الوظائف الملقى على عاتقها.
بالإضافة إلى هذا كله، تزرع الكاتبة في النص شخصيات تاريخية وثقافية تُعطي فرصة للأهالي والمربين والمربيات باستغلالها لتعريف أطفالهم عليها، مثل صلاح الدين وفان كوخ. كذلك لا تبخل الرسامة على قرائها بغمزات ثقافية ممتعة، كإبرازها أحادية الأذن اليسرى للفنجان المُدّعي كونه فان كوخ (الذي قطع أذنه اليمنى).
قد يقرأ باحثو علوم الاجتماع هذا النص على أنه دعوة للبنيوية الوظيفية فيها يحصل كل فرد في المجتمع على وظيفة عليه تنفيذها من أجل النظام الاجتماعي وتكامله أي أن الوظيفية الاجتماعية، هي الدور الذي يلعبه أو يؤديه النظام في البناء الاجتماعي. قد تتعارض هذه الأفكار مع فكرة تنمية التوجهات الشخصية وتحقيق الذات، وبالأخص مع فكرة الصراع الاجتماعي لتطور الحراك والتغيير الاجتماعي والثورة على المجتمع التقليدي. ما يضيف ويؤكد على هذه القراءة هو نداء الطفل/الملك في نهاية الكتاب للتخلّص من "هذه الأطباق البالية". أي أنه ينادي بتغيير الشعب المشاغب الذي يثور على دوره التقليدي، والإتيان بـ"طقمٍ جديد"، يتّبع وظيفته التقليدية.
إلا أن قراءة نفسية للنص ستوّلد نقاشاً مختلفًا مدعياً بكون الكتاب يتعدى هذا النقاش بكونه يفصل الطفلين عنه ويجعلهم مراقبين خارجيين لكل ما يحدث في المطبخ. بالإضافة لأن الأطباق لا تثور على وظائفها التقليدية بشكل مباشر، بل هي تترك وظائفها بدوافع النرجسية والغرور والتعالي والشعور بالأهمية ومحاولة كسب الراحة والإعفاء على حساب الآخرين. ليست هذه الثورية المنشودة لمجتمع "الأطباق" في المطبخ.
في النهاية، لابد من التعامل مع الكتاب ككتاب جدلي ونوعيّ حول موضوع الوظيفية الاجتماعية وموضوع النرجسية ومدح الذات المفرط بالإضافة للإنشغال المهووس في الماضي على حساب الحاضر. بالإضافة لكونه لوحة فنيّة غاية في الابداع لابد من وجودها في كل بيت.
الكاتبة هديل ناشف، حائزة على الجائزة الاولى من مؤسسة الفكر العربي للعام 2015 عن كتابها ” رغيف خبز على الطريق ” ( دار العالم العربي) وجائزة مرتبة شرف للائحة القصيرة عن كتابها "كلام من صخر ". صدر لها 15 كتاب أدب أطفال. وهي مؤسسة ومديرة مركز حكايا الثقافي لتنمية تمكين ابداع. تنشط في مجال تنمية وتمكين الأطفال بالقصّة والدراما من خلال ورشات في أنحاء البلاد. وناشطة في جمعيات أهلية للتغيير المجتمعي.
الرسامة شارلوت شاما وُلدت في فرنسا، ودرست الفنّ في فرنسا وفي بريطانيا، بعد إتمام دراستها انتقلت إلى النّاصرة عبر منظّمة تطوّعيّة، فيها عملت في مساعدة معلّمي الإنكليزيّة والفرنسيّة، وفي تدريس الفنّ. عملت بمجالاتٍ مختلفة - في التّصوير الفوتغرافي وفي المركز الثّقافي الفرنسي، وتسكن مع عائلتها في حيفا.
- التاريخ: 25/04/2017
- كلمات مفتاحية: كتب