اخترنا لك

حكاية شعرية وشاعرية، تحكيها لنا "زهرة" عن التاء المربوطة (المقيّدة في اسمها ودورها في اللغة) وحياتها مع الحروف الأبجدية. تبدأ الحكاية في المأزق الذي تمر به زهرة عندما تطالب التاء المربوطة بحريتها وترفض أن تكون أسيرة بعد اليوم.

في غلاف قصة تبدو بسيطة ومجردة، تبلور لنا الكاتبة الفلسطينية إبتسام بركات نشرة أخبار سريعة عن حال العالم العربي، بكلمات شاعرية ورسومات خلابة. أبطال الحكاية هي حروف اللغة العربية وكلماتها التي تأخذ القارئ في رحلة حول الأصالة والتراث والثقافة العربية الغنية وتركز على مواضيع متعدّدة بما يشمل الوحدة العربية وأهميتها، رغم الاختلاف وتعدد اللهجات. يحمل النص أبعاداً تغني فكر الطفل وتشجعه على التواصل مع لغته وتثير مشاعره تجاه حروفها وقصصها بالإضافة إلى العديد من المفاهيم الإنسانية والاجتماعية التي يتم التطرق إليها مثل العائلة والانتماء، وأن حرية الفرد لا تتعارض مع مشاعر المحبة التي يحملها أو يتلقاها.
من أبرز المجازيات وأوضحها في الكتاب، التطرق لقضية محو الأمية في الوطن العربي:

"نواجه الصعوبات ما بين فَينةٍ وفَينةٍ
نواجه صعوباتٍ ليست هيِّنةً
حين تعترضنا حواجز "الأمَّيةِ"
فنرجو الياء في كلمةِ "الأمَّيةِ"
أن تغادر مكانها إلى كلمة أخرى
حتى يصير العربُ من جديد "أمةً" حضاريةً.
لكن الياء العنيدة
تلوح لنا بشدتها مصرةً
وترفض المغادرة".

هكذا تتمكن المؤلفة، خلال تأنيس الحروف، من التلاعب بالكلمات وبمعانيها لتخضعها لرسائل الوحدة العربية ومحو الأمية معاً. رسائل كهذه ومجازية أكثر كونها جزءًا من القصة، تملأ الكتاب وتحوّله إلى بيان سياسيّ خفيف وممتع يسعى لتطوير الفكر الاجتماعيّ عند القارئ العربيّ الصغير.

لكن النص لا يتوقف عند الرسائل السياسيّة، بل يضيف إليها كذلك رسائلَ نِسوية تختبئ في صراع التاء المربوطة للتحرّر من قيودها الأزلية في الأبجدية. كلمات زهرة تعبر عن التخوّف من حرية التاء المربوطة: "ماذا عن الكلمات التي بغيابك ستصير بدلاً من التأنيثِ مذكرةً؟". يبدأ نضال التاء المربوطة في الكلمة "زهرة" لتحولها إلى "زهراً كثيراً، وليس فقط زهرةً"، ويستمر نحو رحلة بحرية و"نورسيّة" مع الطيور. تحرر التاء المربوطة يضع الحروف في مأزقٍ شديد، ولكن سرعان ما تعود إليها التاء المربوطة وكأنها أرادت فقط أن تُشعِر الحروف بحاجتها إليها.
إذاً نضال الحرية للتاء المربوطة لم يأت لمعاقبة الحروف الأبجدية ولا لتهشيم النسيج الاجتماعي المتكامل للغة العربية، بل، وبكل بساطة، لاعطائها الحق الأساسي في الحرية وفي اختيار المكان المناسب لها.
وتتلخص هذه الرسالة في كلمات زهرة:

"يظلُّ الأبُ والجدُّ والجدةٌ في كلمة "أبجدية"
واللغة الأم العربية
في حالة متجددةٍ وبهيةٍ."

تضيف رسومات الفنان حسني رضوان سحراً على الكتاب، وتأخذ الحروف في رحلة غريبة وشيّقة تأخذ القارئ إلى "نزهات خيالية في البحور الشعرية والأنهار والجبال النثرية، وكل ما يستهويه من تضاريس اللغة العربية". تتعدى رحلة الحروف حدود اللغة وتنطلق لتكسر حدود الجغرافيا، حيث تجمع كافة العالم العربي، من خلال رسم مبانٍ مختلفة تميّزه مثل الأهرامات وقبّة الصخرة وأبراج الكويت، على خط أُفقٍ واحد.

ابتسام بركات هي شاعرة وكاتبة ومترجمة وفنانة تشكيلية فلسطينية، ولدت في مدينة القدس (بيت حنينا) ونشأت في مدينة رام الله، فلسطين. تقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية وتعمل باللغتين العربية والإنجليزية. صدر لها كتاب "تذوًّق طعم السًّماء" عن طفولتها في فلسطين، وحصل على أكثر من عشرين جائزة وتقدير. قصة "التاء المربوطة تطير" هي أول إصدار لها في مجال أدب الأطفال باللغة العربية، وحاز على جائزة "اقرأ في كل مكان" لكتب الأطفال من مؤسسة الآنا ليند السّويدية الأورو-أوسطية.
صدر عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله عام 2011 بدعم من الممثلية النرويجية. إصدار مؤسسة تامر يشمل كذلك قرصًا مضغوطًا، فيه قراءة للقصة بصوت المؤلفة إبتسام بركات.

تبعاً لكل ما ذكر، ننصح بهذا الكتاب بشدة للأطفال في مراحل تعلّم الأحرف والقراءة، لينكشفوا قدر الامكان لشاعرية اللغة العربية ولجمالها.