اخترنا لك
اِلعب معي: بين التحفّظ والتربية الرقميّة
اخترنا لك: ألعاب
مسرحية الأطفال "اِلعب معي" من إنتاج مسرح الحنين في الناصرة، وهي من تأليف وإخراج أيمن نحاس، عن قصّة نجوى زريق، ومن تمثيل منى حوا وأروى حليحل
جاء في الشرح عن المسرحيّة: "تحكي المسرحية قصة تامر، طفل في التاسعة من عمره، تمثّل ألعاب الحاسوب والإكس بوكس كلّ عالمه، وتُشغله عن أصدقائه وعائلته ونفسه، الذين يطلبون منه شيئا بسيطا: "اِلعب معي" وهو بدوره يتهرّب. ذات يوم يكسر تامر يده اليمنى ويواجه أوقاتًا صعبة من دون لعبته المفضّلة، ويلعب "مضطرًا" ألعابًا أخرى مع أخته التوأم، فهل سينجح؟ المسرحية تعالج بشكل واقعيّ، طفوليّ وعميق موضوع تأثير ألعاب الحاسوب وغيرها على حياتنا وتصرفاتنا وعلاقتنا".
تجري كافة أحداث المسرحية في داخل غرفة تامر، ولكن ذلك لا يقلل من مهنيتها وتشويق أحداثها؛ فتامر يتمكّن خلال المسرحيّة من محادثة أصدقائه عبر شبّاك غرفته، ويكشف لنا بشكل متخيّل عالم الشارع والألعاب التي يلعبها أصدقاؤه، فقط من خلال الحديث بينهم. كذلك ينقلنا ديكور الغرفة في إحدى مراحل المسرحيّة إلى عالم الألعاب الرقمية عندما يحلم تامر بأنه موجود في داخل عالم اللعبة بحقّ، ويحاول لعبها من دون نجاح يُذكر.
فكرة المسرحية فكرة جميلة جدًا، بالذات كونها تنقل لنا عالم الأطفال بصورة قريبة جدًا من الواقع، يتمكّن الأطفال من التواصل معه. الحوار بين تامر وأصدقائه، مثلًا، وبينه وبين والدته وأخته، هو من أصدق وأجمل الحوارات في مسرح الأطفال، فيشعر المشاهد بأنّ الممثلتين (منى حوّا وأروى حليحل) تجسّدها بحق. تامر يتحدّث بعصبية وغضب وتسرّع وقلة صبر حول كل ما يتعلّق بمحاولات العالم الخارجيّ لفصله عن الإكس بوكس، ويتبنّى حيلًا وخططًا كثيرة تكشف لنا أحد وجوه نفسيته المركّبة: بلورة شخصية تامر في المسرحية من جميع النواحي، من حواراته وملابسه وتصرفاته وكذبه وصدقه تحوّله إلى شخصية طفل حقيقي، ابن ثمانٍ وتسع سنوات، ومنى حوّا تنفخ فيه روحًا تحوّله إلى شخصية محكمة التدوير.
أمّا بالنسبة لأخت تامر التوأم، أميرة، فلديّ بعض التحفظات الجندريّة على بلورة شخصيتها. أميرة هي أخت تامر التوأم، في ذات عمره، ولكن علاقتها معه هي علاقة الأخت الصغيرة مع الأخ الكبير. تامر لا يضايق أميرة كما تضايقه هي (لأنه مشغول في الاكس بوكس)، وتامر لا يطلب من أخته أن تلعب معه كما تفعل هي. أميرة مشغولة بألعاب بيتوتيّة جدًا كألعاب الطاولة والرسم والتلوين، وصديقاتها لا ينادينَها من الشباك لتأتي لتلعب معهنّ، ولا يتّصلنَ بها، ولا أيّ شيء من هذا. فما المقصود بهذا البناء؟ هل هو مطابق للواقع؟ هل حقًا ما زلنا نتوقع من البنت ألا تهتم بألعاب الحاسوب كما الولد؟ وألا تخرج للعب في الحارة كما الولد؟ لا أعرف مدى قرب هذا إلى الواقع، فهذا يتعلق بالمناطق المختلفة في بلداننا، وربما كذلك بالجيل الذي تعيشه أميرة. ولكن في جيل ثماني وتسع سنوات، لا أظن أنّ هذه الاسقاطات الجندرية مفهومة ومفروضة على البنات الصغيرات اليوم بشكل قطعي في هذه الأجيال. ثم أنّ النقد المركزيّ على تامر في المسرحية جاء لكونه لا يتواصل مع أصدقائه ولا يخرج للّعب معهم في الحارة، بل يحافظ على قوقعته ولعبه (مع أصدقائه الرقميّين) في داخل البيت، وأميرة تقوم بذات الأمر، فهل النقد موجّه إليها أيضًا؟
تحفّظ آخر لدي حيال المسرحية، هو كونها محافظة، بعض الشيء، من ناحية تربوية. المسرحية تعرض الإكس بوبس كجهاز يأخذ الطفل عن عالمه ويفصله عنه بشكل نهائي وكل اسقاطاته سلبية. ولكن علينا أن نتذكر أنّ الاشكالية ليست في الجهاز ذاته، بل في مدى استعماله. المسرحية ترمز إلى هذا بصورة خفية قليلًا في النهاية، عندما يقوم والدي تامر بتصليح الإكس بوكس المكسور على حسابهما، ولا يخفيانه تمامًا. المسرحية تتجاهل الاسقاطات التي قد تكون ايجابية للجهاز مثل كونه يفتح الباب أمام الأطفال المنبوذين أو الأقلّ شعبية في المدارس للتعرف على أصدقاء جدد وعرض مهاراتهم بشكل مختلف. ربما التعارف من هذا النوع هو رقميّ في أساسه، ولكن وراء اللاعبين الرقميّين هناك لاعبون حقيقيّون (في بعض الألعاب طبعًا، وخاصة التي ترمز إليها المسرحية). بالاضافة، تكشف هذه الألعاب للأطفال الكثير من المهارات وتوقفهم أمام العديد من الترددات والتساؤلات الأخلاقية، فهذه الألعاب ليست مجرد شخصيات تركض وتحمل أسلحة، بل هي بحاجة لقدرات ومهارات مركّبة من اتخاذ القرارات وسرعة التخطيط وغيرها.
ولكن. بالرغم من هذه التحفّظات، علي أن أنهي بأن هذه المسرحية هي بلا شك واحدة من أهم المسرحيات الموجودة اليوم في مسرح الأطفال المحلي، ولابد من ذكر دور مسرح الحنين في هذا العمل الممتاز والنشاط المبارك الذي يقومون به. من ناحية فنية وإبداعية مسرحية "اِلعب معي" هي انتاج رائع يضع الأطفال في المركز، ويحاول بكل أدواته، بنوعيّة ومهنية، التعبير عن قلقه تجاه العالم الرقميّ، الذي قد يؤدي لتشتيت الأطفال وتهديد حيواتهم الاجتماعية، على الأقل بمفاهيمها التقليدية.
ملاحظات أخيرة:
- على ما يبدو أن اللعبة التي كان يلعبها تامر هي لعبة PBG، بالرغم من أن اسمها لم يذكر – وهي لعبة ترمز للألعاب الاجتماعية التي تشمل العنف والقتل.
- طيلة المسرحية يتم التعامل مع الجهاز على أنه Xbox، ولكن الجهاز الموجود على الطاولة والمقود بين يدي تامر، هو جهاز Playstation. أمر الذي لاحظه بعض الأطفال في المسرح.
تأليف وإخراج: أيمن نحاس عن قصة نجوى زريق
تمثيل: منى حوا وأروى حليحل
موسيقى: حبيب شحادة حنا
تصميم ديكور وملابس: فيتا تنيل حليحل
مساعد مخرج: طارق شقور
تصميم إضاءة: بشارة خوري
ملائمة لأجيال 6 وما فوق
- التاريخ: 14/07/2019
- كلمات مفتاحية: ألعاب