حكايا

الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة: جانر فرعيّ جديد


الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة: جانر فرعيّ جديد
يتلاعب المؤلّفون والرسّامون بالحبكات والرُواة ووجهات النظر المتعلّقة بتأليف كتب شيّقة لا يمكن التنبّؤ بأحداثها.
أ.د. بيت. ﭘـي. غولدستون، من أبرز الباحثات في ثقافة أدب اليافعين

مرجع المقالة العلمية:
Goldstone, B. P., & Labbo, L. D. (2004). The postmodern picture book: A new subgenre. Language Arts, 81(3), 196.‏

مقالة علمية مترجمة بشكل حصري لموقع حكايا

يُحكى أنّه كان هناك ثلاثة خنازير صغار . بنى هؤلاء الخنازير الثلاثة على مرّ القرون بيوتًا لهم، وفي كلّ مرة كانوا يواجهون الذئب. في جميع حكايات التقليد الشفويّ الجيّدة، تختلف القصص قليلا عن بعضها البعض، إلا أنّ المبنى الأساسيّ والمفاهيم المركزيّة تبقى ثابتة. يُحكى أنّه كان هناك ثلاثة خنازير صغيرة. بنى الخنازير بيوتهم من العصي والقشّ والطوب. وقف الذئب أمام كلّ بيت. وهنا تدور المحادثة الكلاسيكيّة "مرحبًا أيّها الخنزير الصغير، دعني أدخل". "لا، لن أدعك تدخل أبدًا". "إذًا سأغضب وسأنفخ على بيتك فيُهدَم". ينفّذ الذئب تهديده، وتتكلّل معظم محاولاته بالنجاح. هذه القصص، التي يسردها الراوي كليّ المعرفة، تقوم على نظام خطيّ من البداية إلى النهاية، وتنتهي بحلٍّ واضح ومتفائل. تعمل الرسومات والنص بتآزر، بغيّة التوسيع والاستشفاف المتبادلَين لمعاني الرسومات والنصّ. تُصمّم العناصر التصويريّة في مستويات مكانيّة أماميّة، وسطى وخلفيّة، بحيث تجري العمليّة أساسًا في المستوى الأوسط. هذا المبنى من السرد والرسومات لا ينطبق على الحكايات الشعبيّة المألوفة فحسب، بل على معظم الكتب المصوّرة أيضًا.

في عام 2002، فاز دافيد ويزنير بميدالية كالديكوت عن تأويله لقصّة الخنازير الثلاثة. في تقليد إعادة سرد الحكايات الشفويّة، أضاف ويزنير تأويله الخاص. ولكن هذه القصّة اختلفت نوعيًّا، إذ أنّ التغيير لم يقتصر على التفاصيل والعناصر الوصفيّة، بل شمل أيضًا المبنى الأساسيّ والرموز السيميائية. القصّة لا تسير على نمط خطيّ-تدريجيّ، وفي بعض الأحيان، الرسومات تناقض النصّ بدلا من دعمه، ويُكشَف الستار عن الاصطناعيّة والتكلّف في القصّة. تصبح صفحات الكتاب جزءًا من عناصر القصّة وليست مجرّد خلفيات ساكنة للكلمات والصور. هنا، تكون الصّور مُعادة التصميم على خمسة مستويات مكانيّة- مستوى خلفيّ، مستوى أماميّ، مستوى أوسط، الحيّز القائم خارج الصفحة (الحيّز الفاصل بين سطح الورقة والقارئ) والحيّز القائم أسفل الصفحات الفرديّة وحولها. يحدث في هذا الكتاب شيء مثير، فقد طوَّرت قصّة الخنازير الثلاثة في عالم أدب الأطفال نزعةً قائمة منذ ثلاثة عقود. المؤلّفون والرسّامون، مثل جون بيرننغهام، جانيت وألين آلبيرغ، كريس ﭬان آلسبورغ، جان بريت، كريس راسكا، جون سييزكا ولين سميث، "تلاعبوا" كثيرًا بالمبنى التقليديّ للكتاب المصوّر. تحطِّم كتبهم توقّعات القرّاء، وتتطلّب مشاركة فعّالة في التأليف وتثير الأسئلة عمّا هو حقيقيّ. عند نشر هذه الكتب، لحظ نقّاد كتب الأطفال التغييرات التي أدخلت عليها، وتشابه الموضوعات بين الكتب المصورة وأدب الكبار المسمّى بالأدب ما بعد الحداثيّ.

تعريف ما بعد الحداثة في أدب الأطفال

ما بعد الحداثة هو اصطلاح يتطرّق إلى التغييرات النظريّة والجوهريّة في المواقف والأساليب والتخصّصات الأكاديميّة التي نشأت في الحضارة الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية. يرفض هذا التوجّه القواعد والحقائق العامّة التابعة للحركات والفلسفات والتقاليد الفنيّة التي تعود إلى مطلع القرن العشرين ويتبنّى بدلًا من ذلك الفوضويّة والتجزئة والصدفة واللعب وعدم التسلّطيّة. في مجال الأدب، يمكن وصف هذه التغييرات بخمسة مفاهيم واضحة ومتكرّرة:
- الحياة مجزّأة، لذلك فإنّ الوحدة الفنيّة الكاملة ليست خطيّة، وتفتقر لبعض العناصر، أوّ أنّها تنتقل من حبكة ثانوية لأخرى.
- السلوك البشريّ هو وليد الصدفة التي قد تبلغ حدود العبثيّة. يُترجم ذلك إلى وحدة فنيّة كاملة تتّسم بهرج ومرح غير مألوفين وبسرد تشوبه المقاطعات والإضافات غير المتوقّعة.
- التناقض والسخرية هما محرّكا الدافعيّة البشرية. يتّضح ذلك عندما تناقض موضوعات القصّة في النصّ أو الرسومات الحبكة الرئيسيّة.
- بخلاف المبنى الهرميّ للسلطة، فإنّ مبنى القوى في العالم ما بعد الحداثيّ هو أفقيّ. يستطيع القارئ الآن المشاركة في تأليف القصّة من خلال تحديد شكل مبنى الحبكة وبلورة حبكات ثانويّة بشكل تمييزي.
- المواطنون في العالم ما بعد الحداثيّ ينكشفون على معلومات كانت سريّة في الماضي. لم تعد هناك معلومات مقدّسة. في مجال الأدب، أصبحت عمليّة الكتابة أو الرسم مكشوفة، الأمر الذي يتيح المجال لتحويل أنظار القرّاء إلى السيرورة الفعليّة لسرد القصة.
مع أنّ هذه الأفكار الخمس قد لا تتواجد معًا في نفس النصّ، إلا أنّها موجودة بوضوح في كتب الأطفال المصوّرة. كتب الأطفال المصوّرة قد تكون لا خطيّة، وتشمل عدّة حبكات تحدث في آنٍ واحد، أو عدّة وجهات نظر. قد تتّسم بمرح وهرج غير مألوفين، إلى حدّ العبثيّة، إلى جانب التقلّبات والتحوّلات المفاجئة. تتسلّل السخرية إلى هذه الكتب وتنعكس في الأسلوب وفي الحبكات المتناقضة. قد تُعتبَر هذه الكتب بمثابة مرجعيّة ذاتيّة للسيرورة الفنيّة لتأليف الكتاب. تدعو هذه الكتب المصوّرة إلى المشاركة في التأليف- بحيث يتشارك المؤلّف والقارئ الصغير صلاحيّة سرد القصة. الخنازير الثلاثة هي نموذج مثاليّ للكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة.
تبدو هذه الموضوعات الخمسة معقّدة جدًا، وبالتالي غير ملائمة لجمهور الأطفال، ولكنّها في الواقع ليست كذلك. كما نرى في الخنازير الثلاثة والقصص الأخرى المصوّرة ما بعد الحداثيّة، فإنّ الناتج المعروض جذّاب جدًا، ويساهم في المشاركة الفعّالة من قِبل القرّاء والمشاهدين. إنّ كتب الأطفال، هذه القصص التي يؤلّفها الكبار لأفراد المجتمع الأصغر سنًّا، تؤدّي دور الوكيل الاجتماعيّ الذي يساعد الأطفال على فهم عالمهم على نحو أفضل، وتحضيرهم لأن يصبحوا بالغين ذوي كفاءات. هذا الشيء بحدّ ذاته يجعل من هذه القصص أدوات ثقافيّة تعكس عقائد مجتمعيّة، وأخلاقيّة، وشعوريّة وإدراكيّة. كتب الأطفال هي أيضًا لغويّة-اجتماعيّة بطبيعتها، "ولها جذور في التجربة الحياتيّة للعالم". المظاهر ما بعد الحداثيّة تحيط بنا من كل اتّجاه- في الأفلام مثل Shrek و The Minority Report، وفي المواد الترويجيّة التي نراها على شاشة التلفزيون، وعلى لوحات الإعلانات وفي الصّحف، وفي جميع البرامج التلفزيونيّة مثل MTV و Third Watch و Preview Channel. ألعاب الحاسوب والشبكة العنكبوتيّة العالميّة هي أيضًا ظواهر ما بعد-حداثيّة. وكما أشار نيكولا-ليسا فإنّنا "نعيش في عصر ما بعد الحداثة وما بعد المعرفة، عصر يسوده الشكّ والريبة، عصر الغموض، عصر اللهو والهرج". ليس مفاجئًا إذًا أن تشمل كتب الأطفال المصوّرة عناصر ما بعد-حداثيّة، وليس غريبًا أن تنجح هذه الكتب في جذب الأطفال- فطبيعة النصّ مرحة وتنطوي على مشاركة فعّالة من قِبل الطفل في عمليّة القراءة.

تصنيف جديد في جانر الكتب المصوّرة

للكتب المصوّرة ما بعد الحداثية وظائف مختلفة وصِيغ مختلفة ورموز سيميائيّة مختلفة، فهي "تكشف السّتار عن مبادئ تنظيم جديدة". أقترح تصنيف هذه الكتب كجانر فرعيّ جديد- الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة. الجانر هو مجموعة من الخصائص المشتركة لمجموعة من الأعمال الأدبيّة التي تؤدّي دور الإطار الوسيط بين النصوص والمؤلّفين/الرسّامين والجمهور. مبنى الجانر الأدبيّ يقود القارئ نحو توقّعات تتلاءم مع هذه الفئة المحدّدة من الكتب. إلمام القارئ بالجانر الأدبيّ يزوّده بمعلومات متميّزة حول خصائص الكتاب، وسيرورة التأليف، وسيرورة تأويل النصّ والرسومات وفهم أدوار الكاتب والرسّام والقارئ (Mason, 2000)، ويمكّنه أيضًا من توقّع أحداث مستقبليّة منطقيّة ونتائج منطقيّة لـسلوكيّات الشخصيّات. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع القارئ التمييز بين المعلومات المهمّة وغير المهمّة. كما وتساهم معرفة الجانر الأدبيّ أيضًا في تطوير مجتمع أدبيّ متلاحم ومتجانس من خلال توفير مجموعة مشتركة من المعتقدات والمفردات المتعلّقة بآليّة عمل النصّ. فهم الجانر الأدبيّ يبني إطارًا مرجعيًّا أو مخطّطًا يقود إلى فهم هذا الجانر المحدّد بشكل معمّق وبإدراك فوق-معرفيّ. إنّها المعرفة التي تدفع التلاميذ نحو اكتشاف وتدارس النصوص الجديدة بشكل مستقلّ.
في الكتب المصوّرة التقليديّة، تأتي الحبكة بعد عرض الشخصيّات والإطار الزمانيّ-المكانيّ للقصّة، افتعال المشكلة وردود أفعال الشخصيّات حيال المشكلة وعواقب ردود الأفعال هذه وحلّ المشكلة. تتّضح معالم القصّة بشكل تسلسليّ، ويدعم النصّ والرسومات بعضهم البعض بشكل تبادليّ لتعزيز المعنى. للمؤلّف والرسام سيطرة على القصّة، فهما يرشدان القارئ للسير باتّجاه خطيّ ولاستقاء معلومات ومدارك وموضوعات محدّدة من القصة. توصّل موكبيوس إلى الاستنتاج بأنّ للرسومات مجموعة خاصّة من الرموز التواصليّة التي تقود السيرورة التأويليّة:
- موقع وحجم الشخصيّات في الصفحة
- طريقة وسبب توظيف المشهد
- وظيفة إطار الصورة وموقع الصورة نسبةً لحواف الصفحة
- الاستخدام الرمزيّ للألوان والخطوط

هذه الخصائص لم تختفِ من الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، بل أضيفت إليها خصائص بنفس الأهمية، أو ربّما أكثر أهميّة، والتي تساهم في فهم معنى النصّ وسحره ومغزاه الأخلاقيّ. الجانر الفرعيّ للكتب المصوّرة ما بعد الحداثية يتميّز بنفس الموتيفات التي نجدها في أدب الكبار ما بعد الحداثيّ:
- اللاخطيّة في الحبكة، وتعدّد الرّواة
- السخرية
- إطلاع القارئ على السيرورة الفنيّة لتأليف الكتاب، والمشاركة في التأليف.

سرد لاخطيّ

الخاصيّة الأكثر شيوعًا في الكتب ما بعد الحداثيّة هي اللاخطيّة. كثيرًا ما تنعكس اللاخطيّة في تعدّد الحبكات المعروضة على شكل نصوص أو صور، أو في نص سرديّ واحد متقطّع يسير باتّجاهات خاصّة به. إنّ عالم القصص ما بعد الحداثيّ ليس كاملًا ومتوقّعًا، إنّما مجزّأ ومُبهم. إنّ عامل الجاذبيّة في هذه القصص هو القوّة التي تُمنح للقارئ علنًا، والتي تدعوه للمشاركة الفعّالة في بناء قصص جديدة ومتكاملة واختيار طريقة القراءة. يُعتبَر القارئ بمثابة قوّة موازِنة تنظّم السرد الفوضويّ ظاهريًّا. في نسخة ويزنير للخنازير الثلاثة، تبدأ القصّة بالمقدّمة التقليديّة "يُحكى أنّه كان هناك ثلاثة خنازير صغار خرجوا في رحلة سعيًا وراء الثروة. قرّر الخنزير الأوّل بناء بيت، وقد بناه من القش". سرعان ما تفقد القصّة مسارها الخطيّ لأنّ الخنازير الثلاثة يخرجون حرفيًّا من الكتاب وينتقلون إلى واحدة من أغاني الأوزة الأم، ومن ثمّ إلى قصّة أطفال خياليّة، ويعودون أخيرًا إلى قصّة الخنازير الثلاثة. يتعيّن على القارئ الرّبط بين القصّة التقليديّة وهذه التحوّلات النصيّة المميّزة لكي يبدو هذا العمل القصصيّ منطقيًّا.
في Time to Get Out of the Bath, Shirely، يسرد جون بيرنينغهام (1978) قصّتين في آنٍ واحد. في كلٍّ من الصفحات اليُسرى، تظهر الأمّ في غرفة الاستحمام وهي تخاطب ابنتها الصغيرة، شيرلي، وتبدو شاردة الذهن. في الصفحات اليُمنى، تظهر شيرلي وهي تستحمّ، وتبدو مشغولة بأفكارها. مونولوجات الأمّ المتذمّرة معروضة على صفحات قليلة التفاصيل ورتيبة ظاهريًّا. يتباين ذلك بشكل حادّ مع العالم الذي تحاول شيرلي بناءه في أحلام يقظتها. الصفحات اليمنى مصوّرة بالألوان ومليئة بالتفاصيل والمشاهد من مملكة بعيدة مورقة. في أحلام اليقظة لدى شيرلي، الصور غير مصحوبة بنصوص. يختلق القارئ النصّ ويقرّر ما إذا كان يريد قراءة القصّة بشكل تسلسليّ أو قراءة قصة حلم اليقظة أولا ومن ثم العودة إلى حوار الأمّ، أو العكس.
في قصّة Armadillo from Amarillo، تضع لين شيري (1994) النصّ الرئيسيّ في الربع العلويّ من كلّ صفحة. إنّها قصّة أرماديللو (حيوان المدرّع) يُدعى ساسـﭘاريللو، والذي يعيش في مدينة أماريلو في تكساس. يفكّر بينه وبين نفسه "أين أتواجد في هذا العالم؟ ماذا يوجد خلف هذه الغابات المتشابكة؟ ومن ثمّ يحزم أمتعته ويخرج في مغامرة. الصفحات المزدوجة الملوّنة والغنيّة بالتفاصيل تستعرض كلّ مكان جديد يخوض فيه ساسـﭘاريللو مغامرة جديدة. تتداخل في الرسمة الرئيسيّة الجهتان الأماميّة والخلفيّة لبطاقات بريديّة مصوّرة بُعثت لصديقه الأرماديللو الذي يعيش في حديقة حيوانات في فيلادلفيا. تشير هذه البطاقات البريديّة إلى المعالم المهمة لكلّ مدينة. يستطيع القرّاء قراءة هذا الكتاب بعدّة طرق، كما يحلو لهم. تلاميذ الصفّ الثاني الذين أعرفهم ينظرون إلى البطاقات البريديّة أوّلًا، ومن ثمّ يعودون لسماع القصّة والبحث عن الرابط بين النصّ الرئيسيّ والرسائل المدوّنة على البطاقات.
وبينما تقدّم لنا لين شيري قصّة ثانويّة بالكلمات والصور، تختلق جان بريت قصّة ثانويّة عبر الصور فقط. تقدّم لنا نصًّا خطيًّا يسير من اليسار إلى اليمين، مع رسومات تحتلّ الصفحة بأكملها، تدعم وتعزّز الحبكة الرئيسيّة، ثمّ تزوّدنا بمجموعة أخرى من الرسومات التي لا تتطابق بشكل مباشر مع النصّ المرافق. تُعزَل هذه الرسومات عن القصّة الرئيسيّة من خلال توظيفها كرسومات جانبيّة في Comet’s Nine Lives (2001)، رسومات مؤطّرة في The Mitten (1989) أو توضع في أسفل الصفحة في The Trouble with Trolls (1992). هذه المجموعة الإضافيّة من الصور تجعل القصّة تبدو شيّقة، ولكن هنا أيضًا، ليس هناك نصّ يرشد القارئ لفهم القصة. يتعيّن على القرّاء اختلاق القصص، البحث عن روابط منطقيّة واكتشاف كيفيّة قيام خيوط السرد أو الصور بدعم أو دحض بعضها البعض.

وجهات نظر متعدّدة

وجهات النظر المتعدّدة، وهي خاصيّة إضافيّة في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، تظهر غالبًا من خلال تعدّد الروايات. من خلال ذلك، تقوم القصص ما بعد الحداثيّة بتوزيع السلطة من الراوي إلى الشخصيّات الرئيسيّة والثانويّة. لا ينبغي خلط ذلك مع الحوار التقليديّ، الذي ينسجم مع الحبكة بدقّة وبشكل تسلسليّ وينغمس في العالم الخياليّ للقصّة. في كتاب The Polar Express، يحيك لنا كريس ﭬان آلسبورغ حكاية سحريّة عن فتًى يُنقَل فجأة في قطار إلى القطب الشماليّ. يُفاجَأ الفتى في ليلة عيد الميلاد بقطارٍ محاط بالدخان خارج نافذة غرفته. "ليصعد الجميع"، نادى السائق بصوت عالٍ. ركضت نحوه ، فقال : "حسنًا، هل ستأتي؟"، "إلى أين؟" سألتُ بدوري، "إلى القطب الشماليّ طبعًا"؟ أجابني السائق... أمسكت بيده الممدودة وسحبني نحو عربة القطار. في الخنازير الثلاثة، يُقاطَع الراوي مرارًا وتكرارًا من قِبل شخصيّات الخنازير. يتحدّث الخنازير الثلاثة إلى بعضهم البعض وإلى القارئ وإلى أنفسهم. عندما يمرّ الذئب عبر القصّة، يخرج كلّ من الخنازير الثلاثة من القصّة، ومن دائرة الخطر. عندما يقترب الذئب من المنزل الثالث المصنوع من الطوب، يخرج الخنزير صاحب منزل الطوب من الصفحة ويقول لشقيقه: لماذا لم تؤكلا؟" ينضمّ إليه ثانية الخنزير صاحب منزل القشّ ويجيب "لقد ابتعدنا عن هذا الذئب... للأبد". يتحدّث الخنزير الثالث إلى نفسه أكثر ممّا يتحدّث إلى شقيقيه "لدينا الآن متّسع من المكان لنتحرّك كما يحلو لنا. أنظروا- أوبس!" هذا الحوار بالتأكيد ليس جزءًا من الإطار الزمنيّ والمكانيّ لقصّة الذئب والمنازل المهجورة والمهدّمة. تُضاف إلى هذا المزيج ملاحظات القطّ العابث على شكل أغنية أطفال "Hey Diddle Diddle"، والتنّين الحرشفيّ الضخم الخارج من حكاية خياليّة. في كتاب Nappy Hair للمؤلّفة كاروليـﭬيا هيرون (1997)، يسمع القارئ هتافات مختلف الأشخاص حول ملمس شَعر طفلة صغيرة. تُعرَض الأصوات المختلفة من خلال مَوضَعة الكلمات في الصفحة، أقواس الاقتباس وتشكيلة من أنواع الخطوط المختلفة. هذه الأصوات تتملّق، وتضايق، وتعارض، وتؤكّد وتزوّد معلومات ذات صلة. ينتج عن ذلك مجتمع مُحِبّ، ومريح لأفراده وفخور بموروثه.

هناك تقنيّة أخرى يقوم من خلالها صوتان سرديّان بمناقشة الموضوع بطرق مختلفة. أحدهما أكثر مزاحًا وتفاعليّة وأقل رسميّة، بينما يقدّم الثاني حقائق إضافيّة بطريقة موسوعيّة. يظهر ذلك في(Martin, 1998) Snowflake Bentley ، The Emperor’s Egg (Jenkins, 1999) و Silly Galah! (Brian, 2001). في Silly Galah! ، تقدّم لنا الكاتبة قصائد ذات خمسة أو سبعة أبيات عن الحيوانات التي تعيش في أستراليا. تُعلّمنا قصيدة النضناض أو آكل النمل الشوكيّ بأنّه "لا يأكل طعامه بالشوكة والسكين/ ولا يتذوّقه شيئًا فشيئًا مثلنا نحن/بل يستخدم خطمه/ لاستنشاق النمل الذي يحتسيه كالشاي". حول إطار الصفحة كُتب النصّ التالي "يستخدِم النضناض لسانه الطويل واللزج لالتقاط غذائه- النمل والنمل الأبيض. إذا شعر بخطر وشيك، يتحوّل إلى كرة شوكيّة صغيرة أو يدفِن نفسه تحت الأرض. يخرج صغير النضناض من البيضة ويعيش في جراب أمّه". تشدّد هذه الكتب على طبيعة الأطفال المرحة وشعورهم بالراحة حِيال كلّ ما هو غير رسميّ. الأسلوب المرح واللارسميّ لا يقلّ أهميّة وجديّة عن الرسائل التعليميّة المُراد تعميمها من خلال الكتاب.

السخرية والتناقض

في العالم ما بعد الحداثيّ المُبهم، يكون التناقض والسخرية من العناصر المألوفة في حالة الإبهام. تظهر السخرية بوضوح في العديد من نماذج الحكايات الخرافيّة التي تُجزّأ وتُبدّل ملامحها.
Sleepless Beauty (Minters, 1996), Cindrella’s Rat (Meddaugh, 1997), The Stinky Cheese Man (Scieszka & Smith, 1991), Little Red Riding Hood-A New Fangled Prairie Tale (Ernst, 1995), Cindy Ellen (Lowell, 2000)- جميعها تسخر من قصص قديمة وأزليّة.
في كتاب Frog Prince Continued (Scieszka, 1991)، تبدأ القصّة بالأميرة وزوجها (الضفدع تحوّل إلى رجل) اللذَين لا يعيشان حياة سعيدة، ويبدوان غاضبَين طوال الوقت. لم يتخلّص الأمير من جميع صفات الضفدع، الأمر الذي يزعج الأميرة، ويشعر الأمير بالحنين لكيانه السابق. مع وشوك القصة على نهايتها، يتبادل الزوجان القبُل ويتحوّلان إلى ضفدعَين. هنا يتساءل القارئ ما إذا كان ذلك سيقود إلى سعادة أبديّة.
يظهر عنصرا السخرية والتناقض أيضًا عندما يعرض الرسّام صورًا مناقضة للنصّ. في الخنازير الثلاثة، جاءَ في النصّ أنّ الذئب "نفخ بقوّة وأزال المنزل وأكل الخنزير". في الصورة، يبدو الذئب المسكين مكتئبًا وسط الحُطام، ولا يمكنه رؤية الخنزير (وذلك لأنّ الخنزير قد انتُزع من حيّز الصفحة ويتواجد الآن في حيّز القارئ). في كتاب We Are All in the Dumps with Jack and Guy يدمج موريس سينداك (1993) أغاني أطفال بريئة وبسيطة مع صور مناقضة لها، والتي تعرض حالات من التشرّد، والتوزيع غير المتكافئ للثروات واستشهاد الأشخاص السّاعين لإصلاح الآفات الاجتماعيّة. في Rosie’s Walk، تسرد ﭘات هاتشينس رواية بسيطة عن دجاجة، تُدعى روزي، وهي تتجوّل في الريف. تجهل روزي الخطر الوشيك الذي يتربّص لها في القصّة، بينما يكون القارئ على علم به. يشتمّ ثعلب رائحة الدجاجة ويبدأ بملاحقتها. ولكن ليس هناك ما يدعو للقلق، إذ أنّ مساعي الثعلب الشريرة تُحبَط من جديد في كلّ مرة. عاملا الإثارة والخطر الظاهران في الرسومات مناقضان تمامًا لنزهة الدجاجة الهادئة.
جميع الكتب المصوّرة الجيدة تدعو القارئ لإيلاء أهميّة خاصّة للرسومات. يخلق ذلك صراعًا بين الحاجة للعجلِ من أجل معرفة ما سيحدث لاحقًا في النصّ، والرغبة في التباطؤ عند الصفحات التي تحتوي على صور. تستمرّ حالة الصراع هذه في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، ولكن دور المُشاهد يتغيّر. في الكتب المصوّرة التقليديّة، يبحث المُشاهد عن العناصر التي تدعم وتصدّق وتُثري الحبكة. في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، يبحث المُشاهد عن تناقضات وحبكات مختلفة وعناصر غير متوقّعة. ينبغي على المُشاهد تمييز هذه العناصر التصويريّة الجديدة وتحديد كيفيّة توظيفها. وظيفة الرسومات تغيّرت أيضًا. تساهم الرسومات في الكتب المصوّرة التقليديّة في بناء قصّة متجانسة، أمّا في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، فهي تفكّك القصّة الرئيسيّة، إذ أنّ هذه الرسومات تتفاعل مع السرد لتغيير الحبكة الأصليّة.

الكشف عن السيرورة الفنيّة لإنتاج الكتاب

إحدى الخصائص المبتكرة لهذا الجانر الفرعيّ الجديد هي الكشف عن عمليّة إنتاج قصّة الأطفال. من خلال الكشف عن عمليّات التأليف والرسم وعن الجوانب الماديّة للكتاب- الصفحات، الطباعة، الأغلفة والصفحات الختاميّة- يوضع القارئ في مكان يخوّله بطرح التساؤلات حول الحقيقة. ما الحقيقيّ هنا؟ الكتاب؟ القصّة؟ مفاهيم القارئ؟ في الخنازير الثلاثة، يخرج الخنازير من الصفحات، يعاودون الدخول إليها ويحوّلون إحدى صفحات القصّة إلى طائرة ورقيّة. في الصفحة الأخيرة، يجلس اثنان من الخنازير الثلاثة مع أصدقائهما الجدد، القطّة المرحة والتنّين، لتناول العشاء معًا، بينما يرتّب الخنزير الثالث الحروف التي تكوّن معًا جملة "وجميعهم عاشوا سعداء للأبد". في الصفحة الأخيرة من كتاب Black and White، رسم ديـﭬيد ماكولي يدًا تُزيل محطّة القطار (وهي عنصر مهم في القصّة) من الصفحة. في كتاب Bad Day at Rivebend لكريس ﭬان آلسبورغ (1995) تجتاح مدينة في الغرب الأمريكيّ القديم مادة زيتيّة مجهولة المصدر، والتي تغطى الشوارع والمواشي والسكان. مع وشوك الكتاب على نهايته، نلحظ أنّ القصّة هي في الواقع كتاب تلوين، حيث تخربش طفلة بزيّ راعية بقر على الكتاب بأقلام ملوّنة. فكرة القصّة تغيرت جذريًا. في الكتب المصوّرة التقليديّة، تدعو القصّة القارئ لدخول عالم الكلمات والصور حديث النشأة. يستغنى القارئ عن الزمن الحاضر وينجرف داخل حبكة القصّة الظاهرة للعيان.
عندما قرأت كتاب Thank you, Mr. Falker (Polacco, 1998) على معلّمين ما قبل الخدمة وأثناء الخدمة، امتلأت عيون العديدين منهم بالدموع، فقد تأثّروا بهذه السيرة الذاتيّة. يساعد السيّد فولكر طالبته الصغيرة، باتريسيا بولاكو، على اكتشاف مواهبها الفنيّة الخاصّة بالرغم من معاناتها من عسر القراءة. يتحوّل الصفّ إلى مجتمع تثقيفيّ كلما تعمّقنا في القراءة، ونفقد للحظات إحساسنا بالعالم الحقيقيّ.
في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة، يحافظ القارئ على إحساسه بالعالم الماديّ المحيط به. في الواقع، هذه الكتب تدعو القارئ لدخول القصّة، ولكنّها تذكّره طوال الوقت بعدم الانفصال عن الواقع. هذه الكتب لا "تغمر" القارئ بقصصها، بل تحثّ وتستفزّ القارئ من خلال طرح مختلف الأسئلة، على سبيل المثال "ماذا تستنتجون من هذه القصّة؟ هل نجحنا في خداعكم؟ من خلال الكشف عن سيرورة إنتاج الكتاب، واستخدام عناصر ماديّة من الكتاب كدعائم، وتذكير القارئ بأنّ هناك عالمًا آخر خارج السرد، تسلّط هذه الكتب الضوء على جانبَين مهمَّين في عمليَة القراءة:
- القراءة يجب أن ترتبط مباشرة بالحياة اليوميّة
- الكلمة المكتوبة تحتمل التشكيك
إحدى التبعات المثيرة للاهتمام لهذه الخاصيّة ما بعد الحداثيّة هي إضافة مستويَين مكانيَّين جديدَين داخل الرسومات. عند قراءة كتاب مصوّر مثل Tar Beach لـفيث رينغولد (1991)، تبقى الرسومات في الحيّز التصويري التقليديّ، ولا تخترق المستوى السطحيّ. تخيلّوا شاشة تلفاز. تُعرض البرامج خلف الشاشة. في بعض الأحيان، تشغّل الكاميرا آليّة التقريب في المستوى الأماميّ، وأحيانًا تتحرّك الشخصيّات في المستوى الأوسط، وفي أحيان أخرى، تنجح الكاميرا في تصوير كلّ ما يحدث عن بعد أو في الخلفيّة. الشخصيّات لا تخرج من التلفاز لتدخل بيوتنا. ولكنّ الرسومات ما بعد الحداثيّة تخترق المستوى السطحيّ وتدخل إلى حيّز القارئ. في Officer Buckle and Gloria (Rathmann, 1995)، ينزلق الشرطيّ باكِل خارج الرسمة المؤطّرة، ويسير نحو جمهور القرّاء. في الخنازير الثلاثة، تعترف الشخصيّات بوجود عالَم خارج الكاتب. يطلّ أحد الخنازير على القرّاء قائلا "أعتقد.... أنّ هناك أحدًا ما".

يمكن للشخصيّات ما بعد الحداثيّة أيضًا الانتقال إلى مستوًى مكانيّ جديد، الموجود أسفل أو حول الصفحات. في كتاب A Story of a Little Mouse Trapped in a Book (Felix, 1988)، يُحاصَر فأر داخل كتاب ويشقّ طريقه عبر الصفحات ويجد عالمًا أخضر في الأسفل. على غرار الخنازير الثلاثة، يصنع الفأر طائرة ورقيّة من إحدى صفحات الكتاب وينطلق نحو الحريّة. عندما تخرج الشخصيّات من الصفحات، وتنتقل إلى حيّز المشاهد أو تستخدم صفحات الكتاب كدعائم، فإنّ المؤلّف/الرسام يذكّر الجمهور بأنّ الأدب القصّصيّ ليس حقيقة، بل آليّة مُذهلة لرؤية العالم بطرق جديدة وغير متوقّعة.

تأمّلات ختاميّة

يكتب فولفغانغ إيزر (1978) أنّ لكلّ نصّ يوجد قارئ "ضمنيّ" أو نموذجيّ، تتيح له أذواقه ومعرفته المسبقة المجال للاندماج في النصّ واستخدامه بشكل كامل. لكي نؤدّي دور هذا القارئ النموذجيّ، يجب أن نملك المعرفة اللغويّة والحياتيّة والأدبيّة المتعلّقة بهذا النوع من النصوص. المعرفة الحياتيّة هي المعلومات التي ستساعد القارئ على فهم خصائص المحتوى. المعرفة اللغويّة تشمل الحنكة المطلوبة في مهارات فكّ الترميز والمهارات الدلاليّة والمعجميّة. المعرفة الأدبيّة تتمحور حول مبنى النصّ، الميزات الخاصة للجانر ذي الصلة وكيف ينبغي علينا تناول الكتاب. للكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة خصائص تميّزها عن الجانر الأوسع للكتب المصوّرة. تعدّد الحبكات والرّواة ووجهات النظر، إلى جانب التناقض العمديّ بين الرسومات والنصّ الذي يُظهر الكتاب على حقيقته ويكشف القارئ على سيرورة إنتاج الكتاب، هي رموز سيميائيّة وتواصليّة تومئ للقارئ أنّ الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة يجب أن تُقرأ بشكل مختلف.
هذه الرموز اللغويّة لا تُفهم تلقائيًّا. علينا تعريف طلابنا على توجّهات واستراتيجيّات محدّدة من أجل تناول وفهم النصوص ما بعد الحداثيّة. يشير بريان كامبورن (1999) إلى أنّه ينبغي علينا السّعي لتعزيز وعي القارئ حول السيرورات المبطّنة والمدارك والمعرفة والمهارات التي يحتاجون إليها ليكونوا قراءًا فعّالين. القائمة التالية تفصّل سلوكيّات القراءة والتوقعات من النصّ التي تعتبَر بمثابة دليل للطلاب عند خوضهم تجارب أدبيّة ما بعد-حداثيّة، وذلك لجعل هذه الرموز السيميائيّة أكثر وضوحًا وقابليّة للفهم:
- القارئ يجب أن يدرك بأنّ لديه/ا القوّة الكافية لاختيار الخطّ السرديّ الذي يريد متابعته، وبالترتيب الذي يرغب به. هذه الكتب تُدمّر جميع النظريّات الأساسيّة التي تقضي بوجوب الإمساك بالكتاب بشكل عموديّ، وقراءته من اليسار إلى اليمين، وبشكل تسلسليّ.
- لا ينبغي على القارئ أن يتوقّع الانغماس في الإطار الزمنيّ والمكانيّ لعالم القصّة. يُدرك القارئ بأنّ عالم القصّة غير مطابق للواقع.
- القارئ لا يبقى مجرّد مُشاهد غير مرئيّ بالنسبة لأحداث القصّة. الشخصيّات قد تنتقل إلى حيّز القارئ و/أو تخاطب جمهور القرّاء. يتعاون القرّاء مع المؤلّف لبناء نصّ بنّاء وهادف.
- يطّلع القرّاء على القصّة التي تُسرد من وجهات نظر مختلفة، والقصّة لا تُقرأ من منظور واحد فقط.
- ينبغي على القرّاء المشاركة بشكل فعّال في إنشاء روابط داخل النصّ. كيف ترتبط الحبكات والرّواة والرسومات ببعضها البعض أو تنفصل عن بعضها البعض؟ السؤال المركزيّ الذي يُطرح في الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة هو "كيف ترتبط هذه الأجزاء المختلفة ظاهريًّا ببعضها البعض؟" بدلًا من "ماذا بعد؟".
وكما تكشف الكتب المصوّرة ما بعد الحداثيّة خبايا سيرورة التأليف والرسم، ينبغي علينا نحن أيضًا أن نُطلع طلابنا على البنى والمفاهيم الخاصّة بهذا الجانر الفرعيّ المميّز. سيساهم ذلك في تعزيز تفاعلهم مع النصّ، ممّا يعزّز لدى القرّاء الثقة لخوض تحدّيات جديدة في عالم القراءة.
هناك طريقتان أساسيّتان للاستمتاع بتجربة القراءة. يستمتع القارئ أحيانًا عندما يرى أنّ العمل الأدبيّ يعكس أو يؤكّد الواقع. في القصص التقليديّة، يعطي النصّ القارئ فرصًا شتّى لاكتشاف وفهم عالمنا، سواء من خلال المعاينة الحذرة للعالم الذي نعرفه أو من خلال عرض تجارب بديلة لأماكن وشخصياّت وأحداث نجهلها. يساهم ذلك في تنظيم وموازنة الحالة البشريّة الفوضويّة.
تتعزّز متعة القارئ بالنصّ عندما تخذل أو تزعزع القصّة توقّعات القارئ. وهذا ما يفعله الكتاب المصوّر ما بعد الحداثيّ. بدلًا من الضّبط والتنظيم، تستعرض هذه الكتب الطبيعة الوهميّة للعالم. ومن ثمّ تطمئن القارئ بأنّه يستطيع التغلّب على حالة الغموض هذه، وبأنّ العالم هو مكان مدهش ومفاجئ.

مقالات متعلقة:

والآن نقدّم لكم: أدب أطفال غير تربويّ!

كابتن سراويل: ثغرة بين البالغين والصغار

توصية # 23 – لا تدعوا الحمامة تقود الباص

توصية # 28 – هذا الكتاب أكل كلبي!

توصية # 39 – ليس هناك تنين في هذه القصة

تعليقات (0)

    إضافة تعليق