قصة الجميلة والوحش هي من أكثر القصص المشهورة اليوم، والتي يعود مصدرها إلى الأساطير اليونانيّة. سردها ونصّها بدايةً لوكيوس أبوليوس الشاعر الرومانيّ في القرن الثاني للميلاد تحت اسم "أمور وبسيخي". باختصار، تروي الحكاية قصة أمور، الإله الرومانيّ (إيروس اليوناني أو كوبيدون الروماني كذلك)، وعن حبّه للبشرية بسيخي. بسيخي كانت بشرية رائعة الجمال، وبسبب غيرة الإلهة أفروديت منها وحسدها لها، أرسلت إليها ابنها أمور ليرميها بسهامه ويجعلها تقع بعشق رجل قبيح. عندما رآها أمور أعجب بها وبلحظة سهو رمى نفسه بالسهم، فوقع هو بعشقها.
بسبب وقوعه بعشقها، بدأ أمور بالتقرّب منها وقضاء الليالي معها، ولكنه منعها من رؤية وجهه. في إحدى الليالي تشجعت بسيخي وأضاءت شمعة وهو نائم لتتعرف على عشيقها وترى وجهه. ولكنه سرعان ما استيقظ وكشف أنها نكثت وعدها، فتركها وذهب. حاولت بسيخي جاهدة التمكن من أمور والوصول إليه، وتمكنت من كل المهام التي فرضت عليها على يد أفروديت حتى وصلت حبيبها. بسيخي لغوياً تعني النفس، وأمور يعني الحب، وبهذا تتطرق القصة للعلاقة بين الحب والنفس ودور الروح أمام الجسد، أو بكلمات الفلسفة، إلى السؤال البسيخوفيزيقي حول العقل والجسد.
يمثل الفيلم التناقض بين الجمال والوحشيّة، ولكننّا نرى في شخصية الوحش أكثر من ذلك. فشخصية الوحش قبل إلقاء اللعنة عليه، لم تكن تختلف بتاتًا عن شخصيّة جاستون بل كانت أسوأ في بعض الحالات
في الصيغة الجديدة للقصة، نرى تغييرات كبيرة قد طرأت عليها. تحكي القصة عن بل، الشابة الجميلة التي تطلب من والدها قبل سفره أن يقطف لها أول غصن شجرة يعيق طريقه. يسافر والدها للتجارة وفي طريق عودته يمرّ بقصر كبير عملاق، ويقطف من هناك غصن شجرة جافًّا. يراه الوحش ويطلب ثمن الغصن، وإمّا عودة الوالد بعد توديع بناته ليُسجن في القصر، او عودة ابنته، التي طلبت الغصن لتكون سجينة الوحش. وهكذا تصبح بل سجينة الوحش، حتى يقعا في الحب. في أحد الأيام تذهب بل لزيارة والدها وأخواتها، وتتأخّر بالعودة للقصر، وعند عودتها تجد الوحش على فراش الموت. تبكي بل عند رؤية المشهد، فيتحوّل الوحش إلى أمير فائق الجمال، ويكشف لبل أنه قد تمّ لعنه في الماضي بسبب كبريائه وتغيير شكله إلى وحش، حتى يقع في الحبّ وهو بهذا الشكل.
في هاتين الصيغتين، وفي صيغة ديزني كذلك من سنة 1991، نرى تطرقًا كبيرًا لموضوع الجسد والجمال الخارجيّ مقارنة بالجمال الداخليّ أو جمال الروح أو النفس. لهذا السبب يسهل جدًّا استعمال فيلم ديزني لأجل ترتيب قراءة جديدة للفيلم، تعطينا أداة لتطوير التفكير عند الأطفال في كيفية التعامل مع أجسادهم، وكيفية تقبّل الشخص لجسمه من جهة، وعدم التنازل بتاتاً عن جمال روحه التي لا تقلّ أهمية عن جسده.
من بداية الفيلم، نتعرّف بشخصيّة جاستون، الرجل الضخم والقويّ وفائق الجمال، لكنه أيضًا يحمل شخصية مقرفة منذ اللحظة الأولى. جاستون يتحرش ببل في طريقها إلى البيت، ويعرض نفسه للزواج في نهاية كلّ جملة. ينظر إلى نفسه في المرآة في كلّ سطح يعكس صورته، ويقول عبارات كثيرة تدلّ على مدى جهله وذكوريّته الأبويّة المتطرّفة. مثلا عندما يأخذ كتاب بل من يدها : "بل.. آن الأوان تفوقي من الكتب المكعبلة دي، ركّزي في حاجات أهم كتير، زيّي". هذا الاقتباس يلخّص شخصيّة جاستون، إذ أنّه يمثل الشخص النرجسيّ الذي يرى في نفسه مركز العالم، ويتوقع بشكل مطلق من العالم أن يؤمن بهذا الشيء. جاستون لا يمرّ أيّ تغيير أو تطوّر في شخصيّته على مدار الفيلم، بَل يزيد من أنانيته ونرجسيته حتى يتسبب ذلك بموته.
تقول القراءة النسويّة إنّ الفيلم يدعو لفكرة أهميّة الجمال الخارجيّ، حيث يمرّ الأبطال بكلّ هذه الأحداث، ولا يجدون السعادة إلّا عند تحوّل الوحش إلى أمير
في الطرف الثاني من المعادلة، هناك شخصيّة الوحش. وهي شخصيّة نراها في بداية الفيلم شخصية مخيفة، تسكن القصر المظلم والمرعب. شخصية الوحش تصرخ وتهدّد جميع من حولها حتى نبدأ بالتعرف بها لحظة بعد لحظة مع بل. كلما اقتربت بل من الوحش، يكشف لنا الفيلم أنّه يتمتّع بنفس لطيفة وبسيطة في داخل هذا الجسد المرعب، إلى أن تحلّ اللحظة التي ينقذ فيها بل من هجوم الذئاب ويخاطر بحياته من أجلها، رُغم أنّها حاولت الهرب من قصره. تُعتبر هذه اللحظة لحظة مركزيّة في الفيلم، فمن خلالها تبدأ العلاقة بالوضوح والتطوّر بين بل والوحش. وتأتي ذروة هذا التطوّر حين يوافق الوحش على تحرير بل من سجنها كي تعود إلى والدها المريض، وعندها تعده بالعودة.
يكتشف جاستون وجود الوحش، فيجمع أهل القرية قائلاً إنّ هذا الوحش خطير ويهدّد كياناتهم وحيواتهم وأبناءهم. وينبع خوف جاستون من الوحش بداية من منطلق الغيرة على بل، وثانيًا من الخوف من الغريب والمجهول، وهو في هذه الحالة- البشع أيضًا. في المواجهة بين جاستون والوحش نرى الوحش بائسًا ويائسًا من حياته بسبب ابتعاد بل عنه، لذلك لا يواجه جاستون ولا يدافع حتى عن نفسه حتى يرى أنها عائدة إليه، وحينها فقط يبدأ بمواجهة جاستون. في هذا المشهد نرى المواجهة الواضحة بين الجميل، جاستون، والوحش، ونرى الجميل يقول للوحش: "يعني بتحبها يا مسخ؟ افتكرتها بغباوتك حتحبك وقدّامها واحد زيّي؟" حتى يتغلب عليه الوحش ويمسكه من عنقه فوق الهاوية، ولكنه يشفق عليه ويتركه يعيش. ورغم ذلك لا يتوقف جاستون هنا بل يهاجم من جديد، حتى يفقد توازنه ويقع. بعد هذه المواجهة يسقط الوحش بين يدي بل، ويودعها عالمًا بموته القريب، إلا أنّ دموعها تبطل اللعنة وتعيده أميرًا.
يمكننا أن نقرأ الفيلم بأنه يمثل منذ بدايته التناقض بين الجمال والوحشيّة، ولكننّا نرى في شخصية الوحش أكثر من ذلك. فشخصية الوحش في بداية الفيلم وقبل إلقاء اللعنة عليه، لم تكن تختلف بتاتًا عن شخصيّة جاستون بل كانت أسوأ في بعض الحالات. إلا أنّ الوحش تعلّم الحبّ، وتعلّم أن يتقبّل العاطفة التي بداخله ويعطيها مكانًا لائقًا، بدلأً من أن يحيا نادبًا على فقدان جماله الخارجيّ. وفقط عندما قبِلَ بأن يتغيّر ويحرّر العاطفة والجمال في جماله الداخليّ ويجد مكاناً لبل في قلبه ويدخل قلبها، فقط حينها صار العالم يراه جميلاً من الخارج أيضًا.
قراءة أخرى قد ترى أنّ الوحش يمثّل الكثير من اضطرابات الأكل وتوترات الطعام مثل الأنوريكسيا (القهم العصبي)، التي من خلالها تتغيّر الطريقة التي ينظر فيها الشخص إلى جسده وشكله الخارجيّ أو وزن جسمه، وينشأ رباط بين الشكل الخارجيّ والتقييم الذاتيّ. فمثلاً، يرى الكثير من ذوي الاضطراب أنّ عليهم أن يخفضوا أوزانهم طيلة الوقت ليصبحوا أكثر جمالًا، رُغم أنّ أوزانهم أصبح أقلّ من المعدل. الوحش لا يتقبل الصورة التي أصبح عليها ولذلك لا يؤمن بأنّ بل قد تحبّه، ولهذا السبب لا يواجه جاستون، النرجسيّ الجميل، بل يفضّل الانتحار على أن يعيش على هذه الصورة- حتى عودة بل. عندها، فقط، يؤمن بأنّها عادت من أجله، ما يرفع من ثقته بنفسه ويعلي من تقييمه الذاتيّ.
أمّا القراءة النسويّة، فتقول إنّ الفيلم يدعو لفكرة أهميّة الجمال الخارجيّ، حيث يمرّ الأبطال بكلّ هذه الأحداث، ولا يجدون السعادة إلّا عند تحوّل الوحش إلى أمير. لا شكّ في منطقيّة هذا التحليل، لكن هناك أيضًا المكاسب التي يمكن أن نكتسبها من قراءات مختلفة، كما ذكر سابقاً. فالمكسب المركزيّ الذي يكتنزه المشاهد هو المكسب الذي يتحدّث عنه ويشغل تفكيره بعد المشاهدة، لذا تزداد أكثر أهمية مناقشة المكاسب والفوائد بعد مشاهدة الفيلم.
تعليقات (2)
تجربة تجربة
تجربة تجربة
إضافة تعليق