حكايا

هل الأهل يعرفون؟ ضجة كبيرة حول قصة للكاتبة ميسون أسدي


هل الأهل يعرفون؟ ضجة كبيرة حول قصة للكاتبة ميسون أسدي
انتقادات شديدة لقصة "هل الاولاد يعرفون" للكاتبة ميسون أسدي لاحتوائها على معلومات حول التربية الجنسية للاطفال
لؤي وتد

ارتفعت في الأيام الأخيرة أصوات النقد والاعتراض على ما جاء في كتاب "هل الأولاد يعرفون؟" للكاتبة ميسون أسدي ورسومات الممثل أسامة مصري. لم يكن هذا أول كتاب يُحدث ضجّة للكاتبة، بل سبقه "فايقة ونعسان"، ولكن صفحات التواصل الاجتماعي هذه المرة قادت الاعتراضات وبدّلت المواقع الاخبارية فجعلت الضّجة من نوع آخر. كما جاء في صفحات التواصل الاجتماعي، في كتاب "هل الأولاد يعرفون؟" عرض واضح لمراحل الزواج والعملية الجنسية، ما أدى لغضب شديد وضجة حول الكتاب ومحتواه، وللأسف في الكثير من الأحيان دون قراءته كاملاً.


ميسون أسدي - الصورة عن صفحة قناة مساواة الاخبارية

لهذا فلنعرض الكتاب بداية قبل التطرق لمضامينه وخفاياه. صدر الكتاب عن دار الهدى للنشر عام 2015، ولكن القصة قد تم نشرها سابقًا في عام 2008. تم نشر هذه القصة في كتاب أسدي الأول وهو مجموعة قصصية بعنوان "كلام غير مُباح"، وتضمنت المجموعة حينها 21 قصة قصيرة. احدى هذه القصص كانت "درب ليلى الحمراء!" وهي تروي ذات القصة التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، بتغييرات طفيفة. أي أن القصة منذ البداية لم تُكتب للأطفال، ورغم التغييرات الطفيفة التي أجرتها أسدي على النص، ما زال النص غير مناسب للأطفال حتى جيل معيّن.
تحكي القصة عن تجربة الأهل بالتعامل مع أسئلة أطفالهم عندما تُصبح أسئلة "صعبة"، حول مواضيع طبيعية جدًا إلا أنّ المجتمع يتعامل معها على أنها خادشة للحياء، وهي أسئلة الأطفال الأولى عن العلاقات بين الجنسين. في القصة يحاور الطفل وسام، ابن العشر سنوات، أمه، في الطريق إلى بيت والديها في السيارة. يسأل وسام أمه عن معنى الزواج، والحب، والعلاقة بين الجنسين، وكلها أسئلة شرعية ومنطقية وطبيعية لجيله. بالرّغم من هذا تجد والدته صعوبة كبيرة في التعامل مع أسئلته، وتحاول بشتى الطرق انهاء الحوار معه. إلا أن وسام يضغط على والدته للحصول على كافة الأجوبة التي يفكّر بها. في مرحلة معيّنة تغضب والدته وترفض اكمال الحوار فيقول لها وسام أنه سيحكي لها هو عن الزواج، ويبدأ بوصف العلاقة الجنسية ويجيب عن السؤال الظاهر على غلاف الكتاب "من أين يأتي الأطفال". تُفاجأ والدته، وتسأل عن مصدر معلوماته، فيقول لها إنه تعلّم هذا كله في كتاب بالانجليزية قد قرأته هي له، ويضيف: "قلت لي إنني عندما أتكلّم، علي أن أقول ما أعرف فقط ولا أقول كل ما أعرف!!!".
إذاً فالقصة على ما يبدو تعرض نقدًا لاذعًا للأهالي بعدة توجهات، أولاً تجاه تعاملهم مع أسئلة أطفالهم، ثم تجاه اختيارهم العشوائي لكتب الأطفال وجهلهم لمدى تأثيرها على أطفالهم. على ما يبدو أن هذا النقد الذي قصدته أسدي في اصدارها الأول قبل عشر سنوات، لكن الخطأ الذي وقعت فيه، هو أنها بنفسها قامت بكل هذه الأشياء التي انتقدتها عندما وجّهت القصّة للأطفال بحلّتها الجديدة.

هل حقاً تعطي الأم شرعية لابنها بتقبيل "حبيبته" في جيل عشر سنوات؟

عندما تغيّر جمهور الهدف لهذا الكتاب، لا بدّ من قراءته بنظرة مختلفة تمامًا عن القراءة الأولى؛ فلأدب البالغين أهداف مختلفة منذ البداية عن أدب الأطفال. في حين ينتقد الأول قُرّاءه ويحاول تحفيز خلايا عقلهم الخاملة، يقدّس الثاني قُرّاءه ويحاول ترويض وترتيب نشاط خلايا عقلهم، وشتان بين الحالتين.
الاشكالية الأولى في الكتاب هي تصميمه ككتاب مناسب لجيل 3-6 سنوات، بالرّغم من أن مضامينه تناسب أجيال 12 سنة على الأقل. من ناحية المضمون ليست الاشكالية في عرض التربية الجنسية بتاتًا، بل نحن بحاجة ماسّة إليها في أدب الأطفال، ولها طرقها ومناهجها لكلّ جيل وجيل. بل الاشكالية في المضمون هي تلخيص الزواج بالجنس، والحب باللّمس وإمساك اليد باليد والقبل. ثم هناك إشكالية مركزية في النص كونه يشرح كل شيء بتطبيقه على الطفل ابن السنوات العشر بشكل مباشر. هل حقاً تعطي الأم شرعية لابنها بتقبيل "حبيبته" في جيل عشر سنوات؟ هل حقاً ان طلب منها ومن والده أن يطلبوا يد البنت فسيقبلون في هذا الجيل؟ أظنّ أنّ إشكالية ملاءَمة الكتاب وأحداثه لجيل القراء أكبر بكثير من اشكالية التعامل مع التربية الجنسية التي يحتاجها الأطفال.

بالإضافة إلى هذا تعرض أسدي أن امكانية ايجاد التربية الجنسية محصورة على كتب أعجمية وغير عربية، فكان من المهم لأسدي، كونها حافظت على هذا العُنصر في الاصدارين، أن تعرض الكتاب الذي قدم "كافة المعلومات" حول الجنس ككتاب باللغة الانجليزية. عندما جاءت هذه المقولة في القصة القصيرة للبالغين، فهمنا أنها نقد لأدب الأطفال العربي الذي يقلل التطرق للتربية الجنسية. لكن وجود الجملة نفسها في كتاب للأطفال باللغة العربية، يدل على نظرة دونية واستشراقية لأدب الأطفال العربي. نظرة تدعو الطفل للبحث عن الحقيقة في الغرب وفي الانجليزية لأن عالمه العربي يكذب عليه ويحاول اخفاء الحقيقة عنه، كما فعلت الأم في القصة. كم كانت ستنقلب الرسالة لو أن الكتاب بالانجليزية تحول إلى كتاب عن التربية الجنسية أو الفيزيولوجية على طريقة علوم ابن سينا مثلاً.
أما عن الرسومات، فهي فوضى عارمة من نوع آخر، بداية بترقيم الصفحات العشوائي الذي يتغيّر بحسب فراغات الصفحة (صفحة 8)، وحتى استعمال غير قانوني لآيقونات عالمية، قد يؤدّي إلى دعوى قانونية (ميكي ماوس في صفحة 17). رسم أدب الأطفال هو فن قائم بحدّ ذاته، يُدرّس في الكليات والجامعات والمعاهد الفنية التي تُعنى به، ولا يحقّ لكل من تمكّن من السيطرة على برنامج "الرّسام" أن يرسم أدب الأطفال. الإقبال على قبلة بين طفلين في صفحة 13، بعد "إطعام" البوظة في صفحة 8، هي بلا شك صور غريبة جداً كون النص يتحدّث عن أطفال بعمر عشر سنوات والرسومات عن أطفال بعمر 5 سنوات على الأكثر. ثم ما معنى الدبدوب على بنطلون الطفلة في صفحة 7؟ وما هذه القرود على ملابس الأطفال في صفحة 14 و15؟ هل حقاً سيجلس الولد في حضن امه عندما يزور بيت صديقته ليطلب يدها؟ لا أعرف. لم أتمكن من حل ألغاز رسومات هذا الكتاب.

وهنا أنهي بأن هذا الكتاب ربما جاء ليسدّ ثغرة كبيرة جدًا في موضوع التربية الجنسية، إلا أنه تجاهل كون الموضوع بحاجة إلى مهنية تربوية، ما أدّى به لأن يزيد الثغرة أكثر. ربما تصميمه يبدو كتصميم كتاب لجيل 3-6 سنوات، إلّا أنه غير مناسب بتاتًا لهذه الأجيال، ومن الأفضل أن يعود إلى صفحات كتاب "كلام غير مُباح".
بالرغم من كل هذا، لا بدّ أن نذكر أنّ أدب الأطفال المحلي في حاجة ماسّة للتعامل مع التربية الجنسية بصورة تربوية ومهنية أكثر. وربما هذا أفضل ما فعلته الضجة حول "هل الأولاد بعرفون؟". فقد كشفت هذه الضجة عري مجتمعنا أمام الأسئلة كبيرة حول كيفية التعامل مع التربية الجنسية. اقترح الكثير من المعلقين على الكتاب أن التربية الجنسية يجب أن تنحصر على المراهقين فقط، وغيرهم ادعى أن الأطفال ليسوا بحاجة إليها بتاتًا.
واقتباسا عن صفحة "النسوية" نذكر أن للتثقيف الجنسي في حياة الطلاب دورًا هاماً في ضبط السلوك الجنسيّ، والتعرف على مخاطره وغرس حقيقة أنّ الجنس هو حاجة وفعل طبيعيّ لدى الطبيعة الإنسانية وفق المنطق والأخلاق. ويجدر بالذكر أنّ إدخال الثقافة الجنسيّة يجب أن يتم وفق مراحل وخطوات مدروسة مع مساعدة أساتذة مختصين يجيبون عن الأسئلة الدقيقة بشكل مختصر ووافٍ، وأن يتم ذلك من خلال مراحل ترافق تغيرات المراهق الجسدية العمرية المختلفة ومراحله الذهنية.

لم أقرأ الكتاب كاملاً ولكن..

في النهاية لا بدّ أن نتطرّق لموضوع آخر كشفته هذه الضّجة وهو موضوع "النقد" والتعليق وطريقته. بدأت الكثير من التعليقات بـ "لم أقرأ الكتاب كاملاً ولكن.."، وهنا تكمن اشكالية أخرى لا بدّ كذلك من التطرق اليها. صحيح أنّ هذا اقتباس غير مباشر لوزيرة الثقافة التي تبدأ حديثها بـ "لم أشاهد الفيلم ولكنه غير جيد"، ولكن لا بدّ لنا من قراءة الكتاب كاملا وبحقّ قبل مهاجمته ونفيه بشكل قاطع إلى هذه الدرجة. أخشى أن مفهوم النقد في عالم شبكات التواصل الاجتماعي قد تعدى حدود الأدب والأخلاق، وانغمس بمعايير أخرى من البلطجة والعنجهية والعنف. مجتمعنا بحاجة لنقد أدبي عامة، ولنقد أدب الأطفال بشكل خاص. لكن النّقد يجب أن يكون نقدًا من نوع آخر، إيجابيًا أو سلبيًا لا يهم، ما يهم هو كونه نقداً بنّاءً، هدفه الإصلاح وليس الهدم فقط.

تم التوجه إلى الكاتبة للتعليق، لكن لم نحصل على أي رد حتى ساعة النشر.

كتاب "حياة صحية منذ البداية: التربية الجنسية المبكرة" – نبيلة اسبنيولي

مرشد يونيسكو للتربية الجنسية

تعليقات (0)

    إضافة تعليق