حكايا

مركز أدب الأطفال بحيفا: وليد الحاجة!


مركز أدب الأطفال بحيفا: وليد الحاجة!
اُفتتح هذه السنة الدراسية، 2016/17 في الكلية الأكاديميّة العربية للتربية في حيفا، مركز أدب الأطفال بعد إغلاقه سابقًا، من أجل سدّ حاجة مُلحّ’ في هذا المجال، على المستوى البحثيّ والعلميّ والإبداعيّ. مراسلة "حكايا" زارت المركز وعادت بهذا التقرير
روى حلاق

في الطابق الثالث من الكليّة الأكاديميّة العربية للتربية في حيفا، يقيمُ "مركزُ أدب الأطفال" علاقاته مع ذوي الاختصاص من دارسين وطلّاب ومهتمين؛ فبعد أن عانى أدب الاطفال من التهميش على المستوى المحليّ، أنشأت الكليّة مركزًا ليتخاصمَ مع فكرةِ انعدامِ مركزٍ يعنى بأدب الأطفال في المجتمع العربيّ، فكان هو المُشيّد للبنة تعتبرُ الأولى، عربيًا، من هذا النوع.
المركزُ، المفتتح مجددًا منذ بداية العام الدارسيّ 2016/17، مزينٌ بالألعابِ والدمى التي تدلّل على ماهية المكان، على جهتهِ اليمنى عند الدخول تمتدُ مكتبةٌ رفوفها تظلّل قرابة 1500 كتاب يعنى بقصص الطفولة بكافة مراحلها، تتوسّطُهُ طاولة احتضنت بعضَ كتبٍ كانت تُقرأ.

وليد الحاجة

لسنواتٍ طوال، اُعتُبٍرَ انعدام وجود مركز متخصّص بأدب الاطفال نقطة ضعف قاسية ضدّ السيرورة الثقافيّة والأدبيّة للمجتمع العربيّ في البلاد؛ فكيف يمكن للمشهد الثقافي لمليون ونصف عربيّ ألّا يحتوي مركزًا واحدًا متخصّصًا في أدب الاطفال، رُغم هذا الكمّ الكبير من الكتّاب والكاتبات العرب.
المركزُ وليد الحاجة: ثلاثُ كلماتٍ اختصر بها مدير مركز أدب الأطفال، المحاضر في ذات الكليّة، د. رافع يحيى، سبب إنشاء المركز، قائلاً: "قمنا بافتتاح المركز مجدّدًا بعد إغلاقه، لحلّ إشكاليْن كبيريْن في المجتمع العربيّ؛ أولاً، نحن ككليّة تعليميّة وتربويّة بحاجة إلى مركز يعتني بأدب الأطفال فلا يمكن تدريس هذا الأدب بمعزل عن وجود مركز للأطفال يحوي مكتبة، وثانيًا، المجتمع العربيّ يعاني افتقادًا للمراكز من هذا النوع، ما يعكّر على الباحثين والكتّاب سير أعمالهم".

يحيى: مجتمعنا يعاني إصدارات غير مناسبة للأطفال رغم أنّه لدينا كمّ هائل من الكتب
اتّساع حقل البحث

تنقسم الكتب في مركز الأطفال إلى شذرات، منها شعر وقصص الأطفال وروايات الفتيان، وقصص من الانتاج المحليّ، زاوية الحكايات الشعبيّة، أدب الأطفال العبريّ، أدب الأطفال المترجم، القصص العلمية، وقصص الأعياد. تقسيمٌ قد يبدو عاديًّا للوهلةِ الأولى، غير ذي فائدة مضافة، ولكنه يوفر على الطلاب جهدًا كبيرًا في البحث.
أثناء الحديث، يستذكرُ يحيى تجربته المريرة كباحث في هذا المجال ساردًا: "كنتُ أمرّ بتجربة صعبة كي أحصل على الكتب المختصّة بأدب الأطفال، كان الهدف منها هو تمريرها إلى طلابي كمواد دراسيّة ونماذج. وللأسف كانت عملية حصولي على تلك الكتب صعبة جدًا، البحث في عدد من المكتبات المختلفة في البلاد يصعّب وتيرة العمل، وقد كان عليّ اعادتها فور انتهاء الحصّة إلى أماكنها المتفرقة... اليوم أجد كافة الكتب هنا ومثلي طلابي، الباحثين في اللقب الثاني، ممّن وجدوا في المركز عنوانًا مفيدًا لدراساتهم وأضحوا يأتون هنا لاستلام الكتب وتقاسمها مع اخوتهم الصغار كفائدة مضاعفة".

القيمة التعليميّة

الطالبة هالة دحلة من طرعان، متخصّصة بمجال الطفولة المبكرة في الكليّة العربيّة للتربية، شدّها المركز للقراءة والمطالعة بمجال أدب الأطفال، سردت بشغفٍ احتياجها كطالبة إلى وجود مثل هذا المركز في حياتها التعليميّة، فمن خلاله استطاعت تناول قصص مختلفة وتحليل مضامينها وتمييز الأدب المفيد الذي يعرض القضايا والمشاكل التي تواجه الأطفال واقعيًا، كما ساهم المركز في عمليّة ايجادها للمواد اللازمة للأبحاث وعدم التشتت في مصادر لا فائدة منها.
تقول دحلة: "المركز يساهم يومًا بعد يوم في مهاراتنا كمعلمين مستقبليين، فهو يصقل شخصيّاتنا ويثقفنا من نواحٍ عدّة من خلال القراءة، وبهذا نصبح قادرين بشكل أنجع على أداء مهمتنا التربويّة لاحقًا، الأمر الذي سينعكس مستقبلاً على تخريج أجيال ناضجة ومثقفة تربويًا".

ومن جهةٍ أخرى، تخصّصت الطالبة كفى شمّام من حرفيش بموضوع التدريس العام والطفولة المبكرة من منطلقِ ايمانها بالدور الهامّ الذي تقوم به التربية منذ الصغر في تغيير الشعوب اجتماعيّا، واعتبرتْ أنّ عدم وجود مراكز مختصّة بتنمية ثقافة وقدرات الطفل في مجتمعنا العربيّ عن طريق الأدب يفاقم المشاكل الاجتماعيّة والتربوية المختلفة، وكأنّ الطفولة جانب مهمل.
"توفر نماذج مختلفة من الكتب ساعد الطلبة والباحثين على ادراك كميّة أكبر من الكتب وانفتاحهم على عالم الأسئلة، ما هي قيم الكتب الجيّدة والأقل جودة؟ جيد أم سيئ؟" أفادت شمّام، واسترسلت أنّها من خلال المركز قامت بقراءة القصص المختلفة وتحليلها وفق القواعد: منع التكرار، الحفاظ على الموازنة، التمهيد، وغيرها من القواعد التي على الكتاب الالتزام بها ليكون جيدًا، عدا عن تحليل الأدب وفقًا لما يفهمه عقل الطفل والتعمّق بتناول القصص من زوايا مختلفة، الأمر الذي أتاحه المركز بشكلٍ موسّع.
وقالت إنّ المركز أخذ بها إلى أماكن لم تكن تتخيّلها، منحها طموحًا مضافًا، فمن خلاله تلقّت الدعم والتشجيع، واكتسبت ألوانًا تربويّة مختلفة ستسعى لتسخيرها للطلاب مستقبلاً، حيث يتشبع الطفل بالثقافة والأدب والعلوم التي ستنعكس على شخصيّته حين يكبر.
يمنح المركز لأدب الأطفال وجودًا جغرافيًّا وهوية، كما الانسان، عدا عن أنّه يعطي الأدب قيمته وأهميّته الحقيقيّة.

السيرورة

يصبو المركز الى اقتناء أعداد أخرى من الكتب حتى نهاية العام الحالي، ووفقًا ليحيى فإنّ المكتبة تحتوي قصصًا محليّة مختلفة وافرة العدد، ولكن الإشكاليّة في نقص الكثير من القصص العالميّة، مقتضبًا بالقول: "ولكننا على ثقة أنّ الكلية ستقوم بتخصيص ميزانيات للمركز وتطويره واقتناء المزيد من الكتب".
ويصبو المركز في الوقت الحاليّ إلى إصدار مجلة نقديّة من منطلق إيمانه بأنّ الحركة الأدبيّة لأيِّ مجتمع لا يمكن أن تنشط من دون نشاط الحركة النقديّة فيه، وإنشاء دورات مختصّة بمسرح الأطفال والكتابة الإبداعية للأطفال، والرسم الابداعيّ لنصوص الأطفال.
علّق يحيى على الورشات بأنّها هامّة جدًا، فمن خلالها يستطيع المركز رفع مستوى أدب الأطفال في البلاد، وهو من أكبر الانجازات التي يمكن أن نحقّقها كمركز، فمجتمعنا يعاني إصدارات غير مناسبة للأطفال رغم أنّه لدينا كمّ هائل من الكتب.
هل يمكن للأطفال الاستفادة من المركز بطريقة مباشرة؟ أجاب يحيى أنّ أيّ مدرسة أو مركز تربويّ بإمكانه زيارة المركز واجراء فعاليات فيه. كثير من المدراس يقومون بزيارة مدينة حيفا للتمتّع بجمالها الجغرافيّ وهنا أدعوهم لزيارة المركز أيضًا، فهذا المركز هو ذخر للمواطنين العرب والطلاب كافّة، يهمّنا أن ينمو المركز في ذاكرة كلّ طفل، أن يحمله معه للسنوات القادمة.

مركز أدب الأطفال في الكلية الأكاديمية العربية للتربية في حيفا: مهام وتطلعات
الراعية

وأشار رئيس الكليّة الأكاديميّة العربية للتربية في حيفا، المحامي زكي كمال، إلى أنّ افتتاح مركز أدب الأطفال يشكل جزءًا من خطة الكلية الاستراتيجية بعيدة المدى، "فمن خلاله أدخلت الكلية نهج التخصص البحثيّ في مواضيع ومجالات جديدة تعنى بأدب الأطفال، وهو فرع أدبيّ هامّ يلامس أذواق فلذات أكبادنا ويرافق تطوّرهم الذهنيّ والقيميّ والإنسانيّ الشخصيّ منذ نعومة أظفارهم".
واختتم منوهًا أنّ الكلية دعمت المركز ماديًّا وبنيويًّا، من خلال تخصيص مقر واسع له وتزويده بمئات الكتب الجديدة وتنظيم الأمسيات الشهرية بين الكتاب والأدباء وطلاب الكلية ومحاضريها. "ونسعى أن تتحوّل الكليّة عبر مركزنا هذا إلى بيت حقيقيّ وحضن دافئ للكُتاب والمهتمين بالأدب لإغناء إنتاجاتهم عبر دعمهم على كافة الأصعدة، وهو أمر ننفذه بشكل متواصل في السنوات الأخيرة عبر توزيع عشرات الجوائز التكريمية على الكتاب والمبدعين".

تعليقات (0)

    إضافة تعليق