كيف بدأت علاقتك بالكتابة، ومتى قررتِ التوجه إلى أدب الأطفال تحديدًا؟
بدأت علاقتي بالكتابة منذ صغري؛ كنت أحب أن أكتب أغانٍ وأشعاراً تعبّر عن مشاعري وأحلامي الصغيرة. كما كنت أستمتع كثيرًا بحصة الإنشاء والكتابة الإبداعية في المدرسة، حيث كنت أجد فيها متنفساً لإطلاق العنان لخيالي. ومع مرور السنوات، أصبحت الكتابة جزءاً من هويتي، وطريقتي الخاصة في التواصل مع العالم.
أما قراري بالتوجّه إلى أدب الأطفال تحديدًا، فقد تبلور لاحقًا، بعد انخراطي في العمل مع جيل الطفولة. كان لهذا العمل أثر كبير في فهمي لعالمهم المليء بالبراءة والتساؤلات والإبداع. رأيت في أدب الأطفال فرصة ثمينة لمدّ الجسور نحو قلوبهم، ونقل قيم جميلة ومعانٍ سامية بأسلوب ممتع وملهم.
أدب الأطفال، بالنسبة لي، ليس مجرد كتابة قصص، بل هو رسالة أؤمن بها، وسعي مستمر لترك بصمة إيجابية في حياة الأجيال القادمة.
في رأيك، ما الذي يميز عقل الطفل كقارئ؟ وكيف ينبغي على الكاتب أن يخاطبه دون أن يُبسط أو يُعقّد؟
عقل الطفل قارئٌ فضولي، خياله واسع وحساسيته عالية، يتقبّل الأفكار الجديدة إذا قُدّمت بأسلوب قريب من عالمه. لذلك، يجب مخاطبته بلغة بسيطة غير سطحية، وبأسلوب دافئ ومُلهِم يُحفّز خياله وتفكيره دون استعلاء أو تبسيط مفرط. الكاتب الناجح هو من يرى العالم بعيني الطفل ويصوغ قصة تُمتع وتُثري، تحمل رسالة أخلاقية برفق، وتُوازن بين الإلهام والمتعة، ليكون أدب الطفل فنًا مؤثرًا وراقيًا.
ما الذي تبحثين عنه ككاتبة وأنتِ تكتبين للطفل: المتعة؟ القيمة؟ الأثر؟ التأمل؟
ككاتبة لأدب الأطفال، أبحث عن توازن بين المتعة والقيمة، وبين الأثر والتأمل. أؤمن أن القصة ليست حكاية عابرة، بل نافذة تُشكّل وعي الطفل وتسهم في بناء شخصيته. أحرص على أن تكون قصصي ممتعة وغنية بالخيال والمغامرة، وتحمل رسائل تربوية خفية كالصداقة، الصدق، والتعاون دون وعظ مباشر. أطمح أن تترك القصص أثرًا دائمًا في نفس الطفل، وتدعوه للتأمل والتساؤل، ليجد في القراءة متعة وفكرًا ينمو معه. الكتابة للطفل بالنسبة لي تجربة شاملة تمزج بين الإلهام والتعلّم، وتؤمن بقدرة الكلمة الصادقة على غرس بذور لا
تُنسى.
قصة "أرنوب يبحث عن طعام" تحمل في طياتها مغامرة وقيمًا تربوية. ما الذي ألهمكِ لكتابتها؟
استلهمت قصة "أرنوب يبحث عن طعام" من لحظات تأمل في الطبيعة ومن مشاهد يومية لطفل فضولي يطرح الأسئلة حول العطاء والمشاركة والطعام. أردت أن أقدّم مغامرة بسيطة تحمل رسائل تربوية ناعمة، تُغرس في الطفل دون وعظ مباشر، وتُعزز قيم التعاون والمثابرة والإبداع.
القصة ولدت من حبي لأدب الأطفال، ومن مراقبتي لتصرفاتهم وفضولهم تجاه العالم، كما تأثرت بتجربتي في العمل معهم، والتي أظهرت لي مدى تأثير القصص على بناء شخصياتهم. حرصت على أن تكون القصة مليئة بالمغامرة، وتُظهر أهمية احترام الأصدقاء والاعتماد على الذات، مع الاستفادة من دعم الآخرين.
اخترت أن تكون الشخصيات من الحيوانات لأنها قريبة من عالم الطفل وتُعزز ارتباطه بالطبيعة. كما أردت أن تصل القصة أيضًا إلى الأهل، لتذكّرهم بأهمية منح الطفل المساحة ليكتشف، ويُخطئ، ويبتكر، دون أن تُقدّم له الحلول الجاهزة دائمًا.
رحلة أرنوب هي أكثر من بحث عن طعام؛ إنها دعوة لتعزيز الثقة بقدرات الأطفال، وتمكينهم من التعلم من تجاربهم، لأن الإبداع يبدأ حين يُسمح لهم بالاعتماد على أنفسهم مع دعم محب في الخلفية.
شخصيات القصة متعددة، ولكل منها طعامه وموقفه. هل قصدتِ عرض نماذج إنسانية مختلفة من خلال هذه الشخصيات؟
نعم، كان قصدي من تعدد الشخصيات في القصة ومنح كل منها طعامًا خاصًا وموقفًا مميزًا هو تقديم نماذج إنسانية متنوعة تعكس الشخصيات التي نلتقي بها في حياتنا اليومية. أردت أن يتعرّف الطفل من خلال هذه الشخصيات على
قيم مثل الكرم، العمل الجاد، الحكمة، الاعتذار، والوفاء.
الدجاجة تمثّل الكرم الفوري، والنحلة تعبّر عن الإبداع والعمل، والبقرة عن العطاء البسيط من الوفرة، والحصان عن القوة اللطيفة، والسلحفاة عن الصبر والتعاطف، بينما الحمامة تبيّن أن الاعتذار المهذب له مكانه أيضًا. فأر الحقل يجسّد الصداقة الصادقة والوفاء دون انتظار مقابل.
كل شخصية صُمّمت لتعكس جانبًا من العلاقات الإنسانية، ولتعلّم الطفل أن لكل فرد دوره الخاص، وأن التعاون والاختلاف يمكن أن يصنعا معًا مغامرة جميلة ومعنى أعمق.
كيف تتعاملين مع اللغة عند مخاطبة الطفل؟ هل تفضلين التبسيط، أم تراهنين على قدرته في استيعاب لغة أدبية غنية؟
عند مخاطبة الطفل، أحرص على المزج بين التبسيط واللغة الأدبية الغنية. أؤمن بأن الطفل قادر على استيعاب لغة جميلة إذا قُدّمت له بأسلوب ممتع وسلس. لذلك، أستخدم أفكارًا واضحة وسهلة، وأدمجها بمفردات تحمل لمسة أدبية دون أن تكون معقدة.
أعتمد على الحوار والتكرار لتسهيل الفهم وتعزيز التفاعل، وأختار كلمات ذات إيقاع محبب يشبه موسيقى الحكايات. هدفي أن يستمتع الطفل بالنص ويتعلّم منه دون أن يشعر بثقل أو تعقيد، وأن يتذوّق جمال اللغة وهو ما يزال في عالمه القريب والمحبّب.
كيف ترين علاقة الطفل العربي اليوم بالقصة المكتوبة؟ هل ما زالت تمثّل له متنفّسًا خياليًا في ظل الشاشة والعالم الرقمي؟
رغم هيمنة الشاشات والعالم الرقمي، ما زالت القصة المكتوبة تحتفظ بمكانتها لدى الطفل إذا قُدّمت بأسلوب جذاب وتفاعلي. أؤمن بأنها تمثل متنفسًا خياليًا مهمًا، وتمنح الطفل تجربة مختلفة عن المحتوى الرقمي، حيث تدفعه لتخيّل الشخصيات والأحداث، وتغني لغته وتنمّي قدرته على التركيز والصبر.
لكن لتظل القصة قريبة من عالم الطفل، فهي تحتاج إلى التجديد والتكيّف مع
اهتماماته، لتكون جسرًا بينه وبين الخيال والتعلّم.
عملتِ مع الرسامة ڤيڤيان مرينة. كيف كان التعاون؟ وهل كنتِ جزءًا من تطوير الجانب البصري؟
تعاوني مع الرسامة ڤيڤيان مرينة كان تجربة ملهمة وغنية. الرسم جزء أساسي من أدب الأطفال، وڤيڤيان أبدعت في تحويل النص إلى عالم بصري ساحر يجذب الطفل.
كنا نتواصل باستمرار لمراجعة الأفكار والتصاميم، وقد منحتها حرية التعبير مع تقديم ملاحظات توجيهية عند الحاجة لضمان انسجام الرسوم مع روح القصة. رغم أنني لم أتدخل كثيرًا في تطوير الجانب البصري، كنت أتابع العمل بثقة وأقدّم رأيي كلما لزم.
نجحت ڤيڤيان في إضفاء روح جديدة على القصة، وجعلت الشخصيات تنبض بالحياة، ما عزز تفاعل الطفل مع النص. كان تعاوننا مثالًا جميلًا على كيف يمكن للعمل المشترك أن ينتج قصة متكاملة ومؤثرة.
من خلال تجربتك حتى الآن، ما الذي يصنع قصة أطفال ناجحة؟
القصة الجيدة للأطفال تُكتب بلغة تناسب عمرهم، تكون واضحة وسهلة، لكنها تحمل معنى.يحب الأطفال الخيال، لذلك يجب أن تأخذهم القصة إلى عالم ممتع مليء بالمغامرات والأفكار الجديدة.من المهم أن تحمل القصة قيمة تربوية أو رسالة إيجابية بشكل غير مباشر، لتكون مفيدة وممتعة في آنٍ واحد.الرسوم جزء مهم من القصة، ويجب أن تكون جميلة ومتناسقة مع النص لتساعد الطفل على فهم الأحداث.كذلك، يجب أن يشعر الطفل بأنه جزء من القصة، من خلال شخصيات قريبة منه أو مواقف تجعله يفكر.
القصة الناجحة هي التي يحبها الطفل، ويطلب قراءتها أكثر من مرة لأنها تفتح له
بابًا لعالم جميل ومفيد.
هل ترين أن هناك فجوة بين جيل الكتّاب وجيل الأطفال القارئين؟ وكيف يمكن ردمها؟
نعم، قد توجد فجوة بين الكاتب والطفل نتيجة لاختلاف الأجيال وتأثير العالم الرقمي على الأطفال اليوم. لكن يمكن ردم هذه الفجوة بعدة طرق:
الاقتراب من عالم الطفل من خلال الاستماع له وفهم اهتماماته، دمج التقنيات الحديثة لجعل القصة أكثر تفاعلية، تقديم قصص واقعية تعكس حياة الطفل المعاصرة، وتنظيم ورش عمل أو لقاءات مباشرة تعزز التواصل وتمنح الكاتب فهمًا أعمق لتوقعات الأطفال.
هل كان هناك كاتب/كاتبة عالمي/ة لأدب الطفل أثّر فيكِ بشكل خاص؟ من هو/هي ولماذا؟
نعم، تأثرت كثيرًا بقصة "أليس في بلاد العجائب" للكاتب لويس كارول، بخيالها الذي يتحدى المنطق ويفتح للأطفال آفاقًا جديدة للتفكير. كما ألهمتني حكايات الأخوين غريم التي تمزج بين الخيال والرمزية، وتقدّم رسائل تربوية بأسلوب ممتع. هذه الأعمال عززت قناعتي بأن أدب الأطفال يمكن أن يكون ممتعًا وتعليميًا في آن واحد، ويترك أثرًا عميقًا في وعي الطفل وشخصيته.
في زمن الأزمات والحروب والتحولات، هل ترين أن أدب الأطفال يمكن أن يكون أداة للمقاومة أو الشفاء أو الفهم؟
نعم، أؤمن بأن أدب الأطفال أداة قوية للمقاومة والشفاء والفهم في أوقات الأزمات. يمنح الأطفال مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرهم، ويساعدهم على التعامل مع الخوف، الصمود، والأمل. من خلال القصص، يمكنهم رؤية تجاربهم تنعكس أو العثور على نماذج ملهمة. كما يُبسط الأدب القضايا المعقدة بلغة قريبة منهم، ويعزز فهمهم للعالم. في هذه الظروف، تصبح الكتابة للأطفال فعل مقاومة ناعمة يحافظ على إنسانيتهم ويمنحهم الأمل في مستقبل أفضل.
ما هي مشاريعك الجديدة القادمة؟
مشاريعي الجديدة تركز على تطوير أدب الأطفال والإعلام الموجّه لهم. أعمل على كتابة قصص جديدة تحمل قيماً إنسانية كالصداقة والتسامح وحب التعلم، ضمن عالم خيالي جذاب. كما أطمح لتحويلها إلى سلسلة مرئية أو برنامج تفاعلي يجمع بين القصة والدمى. إلى جانب ذلك، أعمل على تنظيم ورش إبداعية للأطفال لتعزيز التعبير والخيال من خلال الكتابة والتمثيل والتفاعل. هدفي هو مرافقتهم في رحلة فهم الذات والعالم بأسلوب ممتع وملهم.
تعليقات (0)
إضافة تعليق