قضية اللجوء هي قضية الساعة في العالم في السنوات الأخيرة، وفي هذا الصدد يتعامل معها أدب الأطفال بجدية وقلق، بالذات كون لجوء الأطفال اللجوء الأصعبَ. في سنة 2016 ارتفع تعداد اللاجئين في العالم إلى 60 مليون لاجئ، نصفهم من الأطفال. ويتعامل أدب الأطفال مع قضية اللجوء في نطاقيْن بشكل عام، الأول هو نصوص للأطفال المحليّين الذين يستقبلون اللاجئين، والثاني، الضئيل جدًّا، هو نصوص للأطفال اللاجئين أنفسهم.
في هذا العام صدرت العديد من الكتب حول قضيّة اللجوء، وأحد أكثرها تميزًا هو كتاب "كل شيء سيكون على ما يرام" الألمانيّ. وقد استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ من سوريا والعراق في الآونة الأخيرة، ولا بدّ من القول إنّ استقبال اللاجئين ليس أمرًا مفهومًا ضمناً لأنه يفرض على الدولة المستقبِلة تحضيرات كثيرة لاستقبال اللاجئين. يعرض الكثير من المعارضين والمنتقدين لسياسة استقبال اللاجئين الادعاء بأنّ كمية كبيرة من اللاجئين قد تغيّر النسيج الاجتماعيّ في الدولة، إذ تفرض ملاءَمات وتغييرات كبيرة عليها، في نطاق التربية والتعليم أو في نطاق العمل والبطالة، على سبيل المثال.
يتوجّه أدب اللجوء بشكل كبير للأطفال المحليّين الذين يستقبلون اللاجئين، وأدب الهجرة يتمحور بتعامل المهاجر نفسه مع البيئة التي وصلها، وبين الاثنين تغيب قصة اللاجئ الذي لم يختَر ترك وطنه
مؤلفة الكتاب الألمانيّة كيرستن بوي تعرض في كتابها قصّة رَهَف وعائلتها، اللاجئين السوريّين من حمص، نتيجة تعرّض بيتهم للقصف. كتبت بوي الكتاب بعد أن طوّرت علاقة حميمة من الصداقة مع رَهَف وأخيها حسن (أسماء مستعارة) وعائلتهما. وقد يكون بوسع رحلة رهف وعائلتها في القارب الصغير عبر البحر الأبيض المتوسط، تشكيل مصدر إلهام لأطفال ألمانيا بدعم زملائهم الجدد واستقبالهم ومساعدتهم في تعلم اللغة وفهمها. الكثير من الأطفال الألمان عالقون بين الأفكار المتناقضة المعروضة في المجتمع الألمانيّ حول قضية اللجوء، من مؤيّدين ومعارضين، ما يؤدّي إلى صعوبة كبيرة في تعاملهم مع زملائهم الجدد. وترى المؤلفة بوي أنّ هذا الكتاب سيفتح للأطفال نافذة إلى قصّة لجوء حقيقيّة ليتمكّنوا هم بأنفسهم من اتخاذ موقف تجاه الموضوع.
صدر الكتاب باللغتين الألمانيّة والعربيّة ليقرأه الأطفال المحليّون في ألمانيا مع زملائهم في المدرسة من اللاجئين (مرفق جزء من الترجمة الإنجليزيّة).
كتاب آخر لا بدّ التطرق إليه هو كتاب الرسومات (Picture-book) "الوصول" (2006) لرسام أدب الأطفال شون تان. "الوصول" هي قصة رسومات تحكي هجرة رجل يترك عائلته بسبب تهديد في بلاده ويجد نفسه في نهاية المطاف في مدينة مذهلة من العادات الأجنبيّة، والحيوانات الغريبة، والأجسام الطافية الغريبة وغير المفهومة. ومع حقيبة وحفنة من العملات فقط، يجب على المهاجر أن يجد لنفسه مكانا للعيش، ولشراء الطعام وأن يعثر على عمل مربح. هي قصة من الكفاح والبقاء على قيد الحياة في عالم من العنف غير المفهوم، والاضطرابات وانعدام الأمل. كتاب شون تان يعزف على الوتر الرفيع بين اللجوء والهجرة والقارئ يختار بنفسه أيّ قصة سيقرأ في الرسومات.
هذا الوتر الرفيع بين الهجرة واللجوء يؤدّي في الكثير من الأحيان إلى بلبلة شديدة في اختيار النصوص وملاءمتها للأطفال. فمثلاً، الكثير من نصوص الهجرة تحكي قصّة طيور تهاجر من مكان إلى آخر وكيفية تعاملها مع تغير البيئة عليها، لكنّ هذا غير كافٍ لقصص اللجوء التي تكون بشكل عام أكثر تراجيديّة وواقعيّة. ويتوجّه أدب اللجوء بشكل كبير للأطفال المحليّين الذين يستقبلون اللاجئين، وأدب الهجرة يتمحور بتعامل المهاجر نفسه مع البيئة التي وصلها، وبين الاثنين تغيب قصة اللاجئ الذي لم يختَر ترك وطنه ولا أن يصل إلى مكان جديد. هذا النقاش يزداد اليوم في عالم أدب الأطفال وللأسف أحداث الساعة تزيد الحاجة لنصوص من كافة الأنواع.
قد تتمكّن رحلة رهف وعائلتها في القارب الصغير عبر البحر الأبيض المتوسط من تشكيل مصدر إلهام لأطفال ألمانيا لدعم زملائهم الجدد
تعليقات (0)
إضافة تعليق