"ليلى الحمراء" هي واحدة من أشهر القصص في الأدب الشعبي العالمي بالإضافة لبيضاء الثلج وسندريلا. أول توثيق نصي معروف للباحثين في المجال، هو توثيق رجل الأكاديمية الفرنسي، شارل بيرو (Charles Perrault)، في منتصف القرن الـ17، كنص صالوني يُقرأ لطبقة النبلاء. بعد قرن من ذلك التوثيق، في بداية القرن الـ19، جمع قصة "ليلى الحمراء" الأخوان غريم (Jakob & Wilhelm Grimm) في احدى غابات ألمانيا، انما بصيغة مختلفة عن صيغة بيرو.
احدى أهم الدراسات في تاريخ "ليلى الحمراء" هي دراسة بروفيسور زوهار شافيط (Shavit)، التي من خلالها تدعي أن اختلاف الصيغ بين شارل بيرو والأخوين غريم، ان كان يدل على شيء، فهو بلا شك يدل على اختلاف في نهج التعامل مع الأطفال. في القرن السابع عشر، النهج المتبع في التعامل مع الأطفال، كان النهج المارح، لذا كان نص قصة بيرو، كوميدي أكثر واحتوى على مقاطع من الساتيرا اللاذعة وحتى الجنسية. أما النص من القرن الـ19 للاخوين غريم، فقد كان نص تربوي فيه مركزية لعملية تعلم ليلى الدرس المطلوب منها، وهو في هذه الحالة أن لا تتكلم مع الغرباء وأن تحذر الذئاب في الغابة. لهذا السبب، قصة غريم لا تنتهي عندما يحضر الصياد، انما هناك اضافة تحكي أنه في يوم آخر التقت ليلى بذئب آخر في طريقها إلى الجدة، فلم تكلمه، بل أسرعت إلى الجدة لكي يخططن معاً كيف يتغلبن على الذئب.
قصة ليلى الحمراء هي قصة شعبية، أي أنها تنتقل بين الأجيال وكل جيل يحكيها للآخر. لهذا السبب فهي قصة ذات تعددة كبيرة، أي أن لها صيغ كثيرة، فكل مجتمع يحكيها بطريقة مختلفة، ليلائمها لحاجاته الاجتماعية من سردها للأطفال. في الكثير من الصيغ في العالم، يعرض الذئب على ليلى الحمراء النوم في حضنه، ليعبر عن حبه لها. وبهذا العرض نرى الرمزية الجنسية في شخصية الذئب تجاه ليلى الحمراء، كأحد التهديدات المباشرة للـ"ذئاب" الغرباء على الفتيات الصغيرات. في احدى الصيغ الايطالية، بعد دخول ليلى إلى كوخ جدتها، يعرض عليها الذئب المتنكر الاستضافة بمأكولات مختلفة أبقاها على الطاولة، مثل الطورطوليني واللازانية، المكونات في الأساس من أذان جدتها أو من أمعاها. وفي صيغ مختلفة في العالم، يعرض عليها شرب النبيذ كذلك، المكون من دم جدتها. أي أن في هذه الصيغ يظهر عامل كانيبالي (أكل لحم البشر) للقصة بالاضافة للعوامل الجنسية.
قراءة التحليل النفسي
تفسيرات التحليل النفسي (Psychoanalysis) لقصة ليلى الحمراء، تقارن وتشابه بين شخصية الذئب وشخصية الأب الخفية والمعدومة تقريباً في جميع الصيغ. فالقصة بحسب هذا التفسير هي تحذير من الأب "الذئب" الذي قد يكون قريب من ابنته، إلا أن غرائزه تحوله إلى غريب يسكن الغابة ويهدد بيت الجدة (أمه بحسب هذا التفسير) كما يهدد ليلى الحمراء - ابنته. باحثي التحليل النفسي يضيفون بأن تحذير ليلى الحمراء من "أن لا تحيد عن الطريق في الغابة" أو "أن لا تسرع لكي لا تكسر المرطبان في الذي في السلة" أو حتى "لا تكلمي الغرباء"، هي تحذيرات خفية من العلاقات الجنسية لكي لا تفقد عذريتها. زد على ذلك أن في نهاية صيغة الاخوين غريم، تملأ ليلى الحمراء بطن الذئب بالحجارة، كرمزية للتعقيره بعد أن "حمل" في بطنه ليلى الحمراء وجدتها.
في تفسيرات جندرية ونسوية للقصة نجد أن الذئب، لا يمثل فقط الذكر المهدد لعذرية الأنثى أو لسلامتها، انما يمثل المجتمع أجمع الذي يحد من حريتها ويفرض عليها قوانينه وحدوده. فلا يروض الذئاب ويلجمها انما يذنب الـ"ليلات" ويحد من حريتها. ذلك بالاضافة لعرض الإناث في القصة كضحايا، يهاجمها ذكر (الذئب)، وينقظها ذكر (الصياد). عرض يحول الشخصيات الأنثوية في القصة لشخصيات ضعيفة، هزيلة، وخاملة، لا تستطيع الدفاع عن نفسها بنفسها، ولا أن تفرض قوانينها أو شخصيتها، انما هي بحاجة إلى الرجل المنقظ البطل، الصياد.
تشابه بين شخصية الذئب وشخصية الأب الخفية والمعدومة تقريباً في جميع الصيغ
ليلى الحمراء في العالم العربي
في العالم العربي، يتم استعمال القصة كأداة لصراعات سياسية ولنقد اجتماعي بناء بشكل كبير. فمثلاً يستعملها الرسام المبدع عمر عبد اللات بصيغة حديثة ويلائمها لواقعنا اليومي فيه ليلى الحمراء لم تعد تجوب الغابات، انما تجوب صفحات الانترنيت، لذلك فالتحذير ما زال نفسه، إلا أن نوع الذئاب وطريقة عملهم فقط اختلفت.
فهل يا ترى ستبقى ليلى تهرب من الذئب في مجتمعنا؟
في محاولة اخرى، يعرض الرسام عماد حجاج نقده لظاهرة التحرشات الجنسية من خلال القصة ويسمي كاريكاتيره: "ليلى والذئاب".
إذاً في هذا النص عرضنا فقط طرف صغير من التفاسير والقراءات النقدية لهذه القصة الأبدية، التي ما زالت تحصل على صيغ حديثة لتتوافق مع التغييرات الثقافية في المجتمعات الحديثة. فهل يا ترى ستبقى ليلى تهرب من الذئب في مجتمعنا؟ أم أنها قد تواجهه يوماً؟ هل سنبقى نلقي اللوم عليها بأنه تكلمت مع الذئب؟ أم سنبدأ بترويضه؟
تعليقات (0)
إضافة تعليق