هذا الكتاب الفكري(ة) الرائع، جاء ليحاور الأطفال بشكل مباشر، ويدغدغ جميع زوايا قلوبهم وعقولهم. هذا الكتاب، كما هي كتب زغير السابقة، لا يحاول أن يتحبب على الكبار بأي طريقة، فحتى أنه يستفزهم في عشوائيته في البداية، ولكن هذا بالضبط ما يجعله محبوب جدًا على الأطفال. فهذه العشوائية بمنظورهم، لا تختلف بتاتًا عن العفوية التي تقودهم.
يحكي الكتاب قصة فكريّة، التي تنطلق في البحث عن فكرة - في كل مكان، داخل جارور وفوّهة بركان. تستمر فكرية بالبحث لمدة طويلة - أكثر من نصف كتاب - فهي تعرف بالضبط ما نوع الفكرة التي تبحث عنها، ولكنها فقط لا تجدها. على الفكرة أن تكون حنونة، وثورية وقوية ومضحكة ومجنونة - في ذات الوقت! حتى تأتي لحظة اليوريكا فيها تقفز فكريّة إلى الفضاء وتلتقي بالضادّين الأزليين، القلب والرأس (العقل). وكيف يمكن لفكرية حل هذا التضاد، وهل هناك حاجة أصلًا لحله من أجل الابداع والانتاج (الأدبي خاصة).
هذا هو. هذا هو الكتاب. يبدو لوهلة وكأنه قصير، إلا أنه رحلة طويلة في البحث عن الفكرة - حتى اليوريكا النهائية. عفوية الكتاب، كما ذكرت سابقًا هي مثلُ يحتذى به في أدب الأطفال الحديث، فهو لا يحاول فرض الترتيب والنظام التنويري، بل يحاول عرض فكرة العبثية وما بعد الحداثة بأبسط صورها. بالرغم من هذا تبقى في الكتاب محطات استراحة قصيرة من هذه الرحلة، فهناك محطة مع الثوار الصغار الصارخين "حُرّيّة! حُرّيّة!"، ومحطة في أفريقيا لزيارة كليوباترا وأبطال القبائل الأفارقة.
في قراءة أعمق للكتاب، يمكننا أن نجد نظام معيّن في اختيار التضادات في الكتاب، فكل مكان بحث في البداية، يوفّر، نوعًا ما، أحد الطرفين في معادلة الرأس والقلب. هذه المعادلة الأزلية التي في علم الأنتروبولوجيا يعتبرونها واحدة من أقدم وأعرق المعادلات. العقل والقلب هي تمثيل الفكر والمشاعر، التنوير والرومانتيكية، النظام والفوضى - وهذا هو الرمز النهائي في الكتاب، حيث تتمكن فكرية في النهاية من فك رموز التضادات وكأن الكتاب كله كان مجرد تمرين في فهم فلسفة ليفي ستراوس.
باختصار، أحببت الأعماق التي قد يأخذنا إليها الكتاب، وطبعا تسألون - أي منها قد يفهم الأطفال؟ كلها! هذه التضادات هي بلا شك من أعمق ما في الفكر البشري. والفرق بيننا وبين الأطفال، هو أننا تعلمنا الكلمات الصعبة والمركبة للتعبير عن هذه الأفكار، وأما هم، فيفهمونها من غير حاجة لهذه الأحرف المصفوفة (طلعت معي بلاغية هاي الفقرة!).
باختصار أكثر - الكتاب لأطفال بأجيال 3 سنوات وما فوق، من اصدار دار الخياط الصغير - اقرأوا لأطفالكم.
تعليقات (0)
إضافة تعليق