رانيا زغيّر هي كاتبة لبنانيّة وناشرة كتب للأطفال. تُرجمت العديد من كتبها إلى لغات مختلفة منها الألمانية، والإيطالية، والكورية، والإسبانية، والفرنسية، والإنجليزية، والبولندية وغيرهم. في عام 1999، حصلت زغير على شهادة البكالوريوس في فنون الإعلام من الجامعة اللبنانية الأمريكية، ثم على إجازة تدريس من الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 2001، ونالت أبضًا على شهادة الماجستير في علم النفسي التربوي من الجامعة نفسها عام 2004. وقد عملت بعد تخرجها معلمةً في مدرسة ثم أستاذةً جامعيةً. وأسست دار الخياط الصغير للنشر في عام 2008.
ألّفت ونشرت زغير العديد من كتب الأطفال. وخلال السنوات الماضية، حصلت زغير على العديد من الجوائز الدولية والعالمية منها جائزة مهرجان برلين الدولي للأدب عام 2015، عن كتابها "حلتبيس حلتبيس" فئة كتب غير استثنائية. وقد تُرجمت أعمالها إلى 20 لغة منها الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، واليونانية، والكورية، والبولندية، والروسية وغيرهم. وتعتبر زغير المؤسسة والمنظمة للمؤتمر الدولي لأدب الأطفال "قصتنا قصة" والذي يعقد مرة كل سنتين في لبنان. كما حاز كتابها "سيسي ملاقط: تلبس خاروفا ودودتين" على جائزة أفضل كتاب لجمعية السبيل (أصدقاء مكتبات العامة)، عام 2009.
رانيا معروفة في عالم أدب الأطفال ككاتبة أدب أطفال ذكيّة ومُجدّدة، تمكنت من ترك بصمتها في هذا العالم وفي محاكاة الطفل، ولكننا لا نعرف كثيرًا عن رانيا الطفلة، من أين بدأ هذا الشّغف في أدب الطفل، وكيف يمكنك سرد بدايتك في هذا العالم علينا؟
طفولتي كانت أقل من عادية وتتخللها ساعات وأيام وشهور من الملل الشّديد وأعتقد هذا الملل ساعدني كثيرًا في الحلم كي أساعد نفسي، هذا الملل كان بسبب عدم وجود بدائل، فقد ولدت في أيام الحرب اللّبنانيّة، وكنا محتبسين في الملاجئ، بدون مدارس، خوف وقلق وهرب من الحرب، ولم تكن لدينا طفولة حقيقيّة تشتمل على ملاعب ومكتبات ونظام تعليمي متقدّم، هذا كلّه حرمنا منه. هذا الملل الّذي تولّد نتيجة الفراغ أعطاني القدرة على الحلم، فقد لجأ عقلي الباطني إلى الخيال كي أهرب من الواقع الصّعب. أما بالنسبة للبدايات، فكما ذكرت سابقًا لم يكن هناك في مدارسنا مكاتب صفيّة أو مكتبة مدرسيّة، وذلك ليس بسبب سوء الأهل أو المدرسة بقدر ما هو بسبب الأوضاع السياسيةّ والحرب اللّبنانيّة، فلم تكن لدي علاقة جيدة مع الكتب، على العكس كنت محرومة من الكتب الجيدة، فأنا أعتقد أن جزء من علاقتي الجيدة مع الكتب يأتي من الرغبة في إعادة انتاج طفولتي الّتي حرمت منها، بالذات الجزء الأدبي من طفولتي، بسبب هذا الحرمان أعدت صناعة وفبركة الأدب الّذي كنت بحاجته.
عند بدء دراستي في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، كان ثمّة مقرر دراسيّ حول أدب الأطفال، ولم يكن إلزاميًا، شاركت فيه، وكان المشروع النّهائي للمقرر هو كتابة قصة في أدب الأطفال، أعجبت محاضرتي بقصتي كثيرًا وشجعتني على النشر، انتبهت إحدى دور النّشر إلى قصتي وصرت أعمل معهم. بعدها نشرت في دار نشرٍ أخرى قبل أن أقوم بتأسيس دار نشر خاصّة لي كي أملك الحرية المطلقة في التّفكير والكتابة والفن والإخراج والتسويق، فقمت بتأسيس دار نشر الخياط الصّغير في 2007، وكتاب تلو آخر جعلت دار النّشر أكبر، ومن المهم جدًا التنويه إلى أن دار النّشر مستقلّة.
كتبتِ كتبك باللّغة العربيّة، بما معناه محاكاة للأطفال في لبنان والعالم العربيّ، ولكن بما أن معظم كتبك قد ترجمت إلى لغات أخرى، هل تمكنت من الحصول على ذات الصّدى الّذي حصلت عليه في العالم العربي؟ بكلماتٍ أخرى هل تمكّنت من محاكاة الأطفال باختلاف جنسياتهم؟
كتاب من لحس قرن البوظة ترجم إلى 23 لغة، والعديد من الكتب الأخرى تمت ترجمتها إلى العديد من اللّغات. أما بالنسبة للتأثير في الأطفال، فأنا أعتقد أنه في ظلّ الانفتاح والعولمة لا يختلف كثيرًا الطفل اللّبنانيّ عن الطّفل الفلسطينيّ والكوري والأوروبي والسّوداني، أظن أن جميع الأطفال متشابهين، فعلى سبيل المثال عندما نقرأ نحن الكبار كتابًا مترجمًا من أمريكا اللاتينيّة نتأثر فيه، فما بالك بالطّفل، فأنا أعتقد أن هذه القصص قد لاقت استحسانًا في الغرب لأنهم ما زالوا يعيدون طباعتها، ولكن في ذات الوقت لا أجزم بهذا الأمر، لأنّ القراءة هي عمليّة ذوقيّة، تتعلق بالفرد وليس بالجماعة، مثل علاقة الفرد مع الله.
فور انتهائك من الجامعة، قمت بتأسيس دار الخياط لنشر كتب الأطفال، ما الغاية الأساسية لتأسيس دار النشر، وهل شعرت بأنّ العالم العربي يفتقر إلى دور نشر مختصّة بأدب الطفل؟
عندما بدأت مشروع دار الخياط، نعم كان العالم العربيّ يفتقر إلى دور نشر متخصصة في أدب الأطفال، فقد كانت دور النّشر آنذاك عامّة تنشر كلّ الكتب من كلّ الأنواع الأدبيّة والكتب المدرسية والطبخ والأبراج، عندما أسستُ دار الخياط كانت هناك أصوات تنادي بتأسيس دور نشر متخصصة، لكن ليس هذا السبب الّذي دفعني إلى تأسيس دار نشر متخصصّة، الأسباب الّتي لأجلها أسست الدّار كانت شخصيّة بحت، ولم أؤسس الدار بسبب النقص في أدب الأطفال، كان هدفي صناعة أدب أطفال من غير قيود فكريّة.
في قصّة فكرية تحاول الطفلة الوصول إلى مصدر للأفكار من خلاله يمكنها البدء بكتابة قصّة أو كتاب، في نهاية القصّة ندرك نحن وفكرية مصدر أفكارها/ لكن ماذا عن رانيا، أين تبحث عن أفكارها وكيف تصل إلى مبتغاها من الكتابة؟
فكريّة هي أنا. أنا مُقلّة في الكتابة ليس بسبب الكسل، بل بسبب عدم معرفتي كيفيّة الجلوس والكتابة، أنا تكتبني الكتب وليس العكس ما يحدث. حتى كلبتي وأولادي موجودين داخل الكتاب. أما بالنسبة للأفكار فهي موجودة في كلّ مكان، يحتاج الكاتب فقط إلى فتح شبابيك الروح لاستقبال الفكرة وبلورتها.
نشعر من خلال قصّة فكريّة بحس نسويّ في القصّة، كيف تختارين شخصيات القصص، لماذا فكريّة وليس فكري؟
لقد أجبت على هذا السّؤال سابقًا، فكرية هي أنا لذلك كان الاختيار لأنثى وليس ذكر.
نلاحظ بأن رسومات قصصك تحمل الكثير من الألوان والرسومات، كيف تختارين رسومات قصصك؟ ما هي معاييرك؟
أهم معيار لدي أنلا يكون اختياري للرسام مميّز، بمعنى لا أريد أن يكون الرسام يعمل مع 100 دار نشر غيري، أريد لرسومات كتابي أن تكون فريدة، مختلفة، مميّزة. هذا المعيار نابع من الغيرة، الغيرة على رسومات كتابي. المعيار الثّاني هو ليس اختيار رسّام فقط، بل فنان، من صممت لي قصّة فكرية تعمل في مجال تصميم المجوهرات، ومن صمم العملاق العملاق يعمل في متحف ويحكي للناس عنه. كتقنيات، هم فنانون، كما أرسم أنا بكتاباتي، هم يرسمون بلوحاتهم، نحن نكمّل بعضنا البعض.
كيف هي علاقتك مع الرسم؟ وما هو مدى تدّخلك أو مشاركتك في اختيار الرسومات؟
أنا لا أتدّخل مع الرسم، أترك العلاقة تتطّور عضويًا بين الرسومات والنّصّ.
أي من القصص الّتي كتبتها لم تأخذ حقّها من خلال النّشر ولم تصل إلى الجمهور بشكلٍ صحيح؟
أنا أشعر بأن كل قصصي أخذت حقّها، وكلّ قصصي لم تأخذ حقّها. أحيانًا أتفاجئ بأنني معروفة والنّاس تعرفني ويحكون عني في مختلف دول العالم، وذلك بسبب كوني عدم مهووسة كتابة، لذلك أتفاجئ بشهرة الكتب.
أطلقتِ بعد انفجار بيروت مشروع "في عصفور ع الشّجرة" من خلاله قمتِ وشركائك بتكريم الشهداء الّذين قضوا نحبهم من المؤسسة العسكريّة اللّبنانيّة، هذا المشروع وغيره كنت قائمة عليهم، في امتداد وتواصل حقيقي بين رانيا الكاتبة والناشرة وبين معاناة شعبها، حدّثينا أكثر عن هذه المبادرة وما الهدف منها.
كان من المهم جدًا بالنسبة لي القيام بهذا المشروع، لأنّ الطبيعة جعلتني أشعر بهذه الحاجة، الطبيعة لديها لغة، ويجب علينا الاستماع لها، وعدم الاستماع لهذه اللغة يخل بتوازني. أمشي في الأحراش والطبيعة منذ طفولتي، وذلك بسبب جدي الّذي كان يعمل مفتشًا للأحراش، وكان يأخذني معه في جولاته ويحكي لي عن طبيعة عمله، وددت أن أكون وفية له وأستمر في المشي بالأحراش. بعد الانفجار صرت أمشي مدة أطول، والطبيعة أخبرتني بأهمية هذا المشروع، ومن ناحيتي جثوت على ركبتي وقمت بهذا الأمر. لم يكن قصدي من هذا المشروع الشهرة، بل لأجل العصافير الّذين قضوا نحبهم في الانفجار، نحن اللبنانيين مثل العصافير، نهاجر ثم نعود لنبني عشًا دافئًا في وطننا.
نشرت قصتك "من لحس قرن البوظة" في فلسطين، ولاقت كلمة "لحس" انزعاجًا من بعض المربيات والأمهات، في أعقاب تحويلها، عنوة، بعض الدلالات الجنسية. ما هي دلالات الكلمة؟ ولماذا برأيك من الممكن أن تلاقي كلمة عفوية انزعاجًا من المُربين؟
لم تحدث هذه الكلمة ضجةً في فلسطين فقط، بل في لبنان أيضًا، لا يمكن أن يكون هناك إجماع على كلّ شيء أقوم به. ثمّ كيف من الممكن قول "لحس" هل أقول "لعق" مهي أقطع! لو كانت لدي الرغبة في صناعة قصة تتحدّث عن الجنسانية في أدب الأطفال لقمت بها، لأنني لست شخصًا خجولًا أو منحرفًا كي أختبئ خلف التأويل الّذي حمله القرّاء لها. استخدمت هذه الكلمة لأنها أساسًا من معجم اللّغة الخاص بالأطفال.
متى تكون القصّة منفردة وتعبّر عن كلّ الأفكار الّتي تريدين إيصالها؟ ومتى تحتاج القصّة إلى سلسلة من أجل إتمامها مثل سلسلة العملاق العملاق؟
ثلاثية العملاق العملاق ليست فعلًا ثلاثية، كلّ واحدة من القصص تتحدّث عن مبدأ معيّن، وهي لأعمار صغيرة جدًا، ليست مثل هاري بوتر مثلًا المتصلة ببعضها البعض.
في مؤتمر "صناعة الدهشة في كتب الأطفال" عبّرت عن استياءك الشّديد من إصدارات العالم العربي للأطفال. حدّثينا عن هذا الاستياء، وما هي مسبباته برأيك؟ من الجهة المسؤولة لحل هذه الاشكاليّة، وما هي اقتراحاتك للتّعامل مع الموضوع؟
أعيد لك السؤال، ـأنت لست مستاءة من أدب الأطفال العربي، التغميس في الرداءة، الثّورة في الكتب الرديئة والسيئة، بالمقابل العمل الجيد لا يُعطى له مجال ولا يُعطى حقّه، استيائي من النفاق والكذب في هذا المجال، اعيد وـأقول إن عدم انتمائي لأي إطار يعود لهذا النفاق تحت رداء الأكاديميّة. السبب الرئيس لعدم بحث هذه الأطراف على الكتب الجيدة هو خوفهم منها، خوفهم أمامها ومما تكشف من رداءتهم. أنا مستاءة فقط من أجل المستفيد الأوّل، القرّاء الصّغار.
تعليقات (0)
إضافة تعليق