بوكيمون تودّع آش وبيكاتشو

بعد 25 عامًا على صداقتنا مع آش كاتشم، أشهر مدرب بوكيمون في العالم، حان وقت الوداع. تمكّن آش في الحلقات الأخيرة من مسلسل بوكيمون من الحصول على كأس العالم لأفضل مدرب بوكيمون، بعد أن ربح منافسته الأخيرة ضد المدرب ليون. في المنافسة الأخيرة التي تدور بين بيكاتشو وتشاريزارد، يتمكّن بيكاتشو من الفوز، ويحصل آش على كأس العالم.
بهذه المناسبة الاحتفالية، دعونا نتذكر تاريخ بوكيمون وسرّ نجاحها، ونسأل كذلك: لماذا حاربها الشيخ القرضاوي وأصدر فتوى بتحريمها!

أعلنت الراعية الرسمية لبوكيمون، نينتندو، عن نيتها فض العقد مع شخصية آش كاتشم، وإقالته من وظيفته، وأضافت أن آخر 11 حلقة سوف تبث في ربيع عام 2023 القريب. في الحلقات الأخيرة سوف نلتقي بالعديد من الأصدقاء القدامى، مثل بروك وميستي من جديد، ليباركوا لآش بفوزه وليتم إنهاء وإغلاق كافة الدوائر المفتوحة بهذا السياق. مثلًا في حلقة معينة سوف يلتقي آش ببوكيموانته التي اصطادها على مدار السنوات، وكذلك تلك التي حرّرها من قبل، مثل Butterfree بترفري الفراشة وغيرها.

بعد عصر آش وبيكاتشو، سوف نتعرّف إلى عنوان جديد يعرض لأول مرة في نيسان/ أبريل 2023، من بطولة ليكو وروي جنبًا إلى جنب مع ثلاث بوكيمونات جديدة. في هذا الموسم الجديد، ستكون البطلة في المركز هي فتاة، ليكو، وهي من ستستبدل آش لتبدأ طريقها لمدربة بوكيمونات. فعلًا هذه نهاية عصر وبداية عصر جديد بقيادة نسائيّة. بالمناسبة، هناك نظرية معجبين تنتشر في الأسابيع الأخيرة، تدّعي أن ليكو سوف تكون ابنة آش، لكي تتسنى لآش زيارات سريعة للمسلسل، وكذلك من أجل إضافة نوع من التحدي على صراع ليكو لتكون مدربة بوكيمون في ظل والدها.

هل ستبقى بوكيمون ناجحة من غير آش وبيكاتشو؟ بسبب حبنا وحنيننا إلى هذه الشخصيات، نريد جميعًا أن نقول لا، وإنّ هذه خطوة غير ناجحة وغير موفقة، ولكن في السّنوات الأخيرة، أصدرت نينتندو تجارب مختلفة وعديدة لعرض بوكيمون من غير آش وبيكاتشو ونجحت في الكثير منها، مثلا في بوكيمون غو التي يكون بطلها هو الفرد الذي يحمل هاتفه ويصيد بوكيموناته بنفسه. أو مثلا فيلم بيكاتشو المحقق الذي جسّد بيكاتشو كشخصية حقيقية في عالم عصري وحديث، ولكن من دون شخصية آش، ورغم هذا فقد نجح الفيلم. وارد وممكن أن نينتندو قامت بهذه التجارب في السنوات الأخيرة لجسّ نبض الشارع، ما إذا كان سيتقبّل بوكيمون من غير أبرز أبطالها، وهذه التجربة نجحت بامتياز.

بوكيمون هي علامة تجارية لسلسلة ألعاب فيديو أنتجتها شركة نينتندو عام 1995، ألّفها وصاغها الفنان الياباني ساتوشي تاجيري وكان أول ظهور لها في اليابان على جهاز ألعاب فيديو اسمه غيم بوي. معظم هذه الألعاب هي من نوع RPG، Role-playing game – أو لعبة تقمص أدوار، وهي شكل من أشكال الألعاب الإلكترونية يتقمّص فيها اللاعبون شخصيات في إطار خيالي. معظم مفهوم الألعاب هذه يتمثّل في تقمّص شخصية البطل الذي يدور في عالم مليء بمخلوقات عجيبة تشبه الحيوانات وكان اسمها «بوكيمون» (Pocket Monsters أو حيوانات الجيب). بالبداية كانت الفكرة أن تكون هذه الحيوانات من حشرات بشكل خاصّ، كرمزية لجمع الحشرات العملاق الذي تمّ في عصر التنوير كجزء من مشروع الموسوعاتيين بفرنسا.
أما المسلسل الذي كبرنا عليه، فكان بالبداية مجرد إعلان لزيادة مبيعات اللعبة، ولكنه أصبح حدثًا ثقافيًّا لا يُستهان فيه، يشمل أكثر من 25 موسمًا، وقرابة 1230 حلقة، و23 فلمًا كرتونيًا، بدأ في 1997 وما زال مستمرًا حتى يومنا هذا. في المسلسل تعرفنا إلى آش كاتشم وإلى بيكاتشو وعصابة الرّداء الأبيض وغيرهم الكثير من الأبطال، الذين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من طفولة الكثيرين في العالم، وبفضل مركز الزهرة للدبلجة، في العالم العربي كذلك.

أعتقد أن النجاح المركزي الذي حققه المسلسل كان في مضمونه العميق، وهو دعم النجاح الفرداني وإمكانية تحقيق الحلم الأمريكي. فقد كان هناك الكثير من المسلسلات التي تشمل جمع لحيوانات أو محاولة اصطيادها او حتى تطوير الصداقات معها، ولكن لم يتمكن أي منها من نجاح بوكيمون بالمفاهيم العالمية؛ فعلامة بوكيمون التجارية هي الأبرز والأكثر ربحًا في العالم.
بوكيمون السلسلة تتمركز حول رحلة البطل الفرد – ممكن أن يكون معه مرافقون ولكن هو البطل الأول والمركزيّ – هو الذي يجمع البوكيمونات وحده، وليس المجموعة. والنجاح مميّز له وباسمه وليس لكافة المرافقين كما في الفريق. يمكننا أن نتذكّر ميستي وبروك، ولكن بعد كلّ مجموعة صغيرة من المواسم تغير المرافقون وبقي آش، فيما نرى في مسلسلات أخرى مثل أبطال الديجيتال مجموعة كاملة تتحدّى العالم والشرور، ولم يكن هناك فرد في المركز، لم يتمكن نجاحها من مضاهاة نجاح بوكيمون.

فكرة الفردانية كانت فكرة مركزية دفعتها التسعينات وبداية الألفية، وأوصلتنا لمفاهيم عالمية تقدّس القيم النيوليبراليّة التي تضع الفرد في المركز وتطوير الذات كهدف أسمى، وإمكانية نجاحه وحده، ليس مع مجموعة. معظم مسلسلات الأبطال الأفراد للأطفال ناجحة أكثر من الأبطال في فرق.
ما أضاف على كلّ هذا هو التجديد في فكرة جمع البوكيمونات، ورمزيتها للكبرياء الفردية بمفهوم الملكيّة الخاصّة: ما أملكه أنا، لا تملكه أنت. هذه مفاهيم اقتصادية لها جذور في لبّ البشرية والنظرية الاقتصادية، من الفترة الإتجارية المركنتيلية (بالإنجليزية: Mercantilism)‏ وحتى اليوم.

جرت مهاجمة السلسلة وحظرها في الكثير من المناطق في العالم وعلى فترات متفاوتة، من حظر على أسس دينية وحتى الحظر على أسس حقوق الحيوان ومناهضة أسره. أحد أقرب هذه الأحداث علينا هو فتوى أصدرتها السعودية سنة 2000 ضد المسلسل على أساس أنّه يشجّع القمار وفيه رموز صهيونية. في عام 2001 أضاف الشيخ يوسف القرضاوي فتوى حرم فيها المسلسل بوكيمون وتبعياته من أفلام وألعاب. وقال إنّ الفتوى هذه تأتي "حفاظا على عقول أبنائنا وعقائدهم وسلوكهم"، وأضاف عدة أسباب للتحريم تتمثل في أنّ المسلسل "يتضمن خطرا على العقيدة بتبني الفكرة الداروينية المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء وتطور الأجناس والأنواع من مخلوقات دنيا إلى مخلوقات أرقى وأكثر قدرة". جرى إصدار الفتوى في فترة الانتفاضة الثانية، ما أدّى لتجاهلها والاعتراض عليها بشدّة. تمكن رسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج من رصد هذا الحدث من خلال كاريكاتيره المرفق.

في مرحلة متأخرة أكثر، قام القرضاوي بتحريم لعبة بوكيمون غو كذلك، مكررًا ذات الكلمات والإدعاءات التي أصدرها قبلها بعشرين عامًا. وقال عنها وكيل الأزهر: "لعبة بوكيمون تعد في حرمانية الخمر لأنها تُذهب العقل، وتؤدّي إلى تغييب ممارسها، وتجعله يضرّ بنفسه أو غيره من دون أن يدري".
حصلت حالات حظر أخرى في العالم على حلقات عينية ولم تشمل المسلسل ككُل. مثلا في حلقة 18 يلبس جيمس من عصابة الرداء الأبيض، بيكيني في البحر ويظهر له صدر امرأة، ما اُعتبر أنّه يرمز لسيولة جندرية كبيرة، وفي ذات الحلقة سخرت عصابة الرداء الأبيض من صدر ميستي بأنه صغير، ما أدى لحظر الحلقة أو على الأقل حظر هذه المقاطع منها في دول أخرى.
في الولايات المتحدة بشكل خاص، تم حظر حلقة 19 التي يظهر فيها تينتاقول وتيتناقرول، البوكيمون المائية التي تهدم بنايات عالية. تم منع بث هذه الحلقة لسنوات طويلة، بسبب أحداث انهيار التوأمين، والخوف على صحة المشاهدين وعدم تحفيز التراوما عندهم.

لكن أشهر حلقة تم منعها هي حلقة 38، التي أدت إلى ضجة كبيرة في اليابان، حيث وصل المستشفى أكثر من 600 طفل مع عوارض صرع بعد بثّ الحلقة. وأثبتت التحقيقات أنّ معركة بين بيكاتشو وبوريغون، وبث ذبذبات الأحمر والأزرق، هي التي أدّت لتحفيز عوارض الصرع عند بعض الأطفال. بعد بثّ هذه الحلقة تم تغيير تقنيات الألوان في المسلسل، وإعادة دراسة هذه التقنيات عامة في البث التلفزيوني أجمع.