حكايا

بدون خمر وقبلات وخنزير: حول ترجمة هاري بوتر للعربية


بدون خمر وقبلات وخنزير: حول ترجمة هاري بوتر للعربية
إلى أين اختفت القبلات والخمر والخنزير في ترجمة سلسلة هاري بوتر إلى اللغة العربيّة؟
لؤي وتد

عندما كتبت جي.كي. رولينغ سلسلة هاري بوتر، وضعت سياقها الاجتماعي في المملكة البريطانيّة وتحديدًا في مدينة لندن. يجري جزء من أحداث السلسلة في العاصمة لندن، وحتى الأجزاء الخياليّة فيها تتبلور في الخفاء في أزقّة لندن المهمَّشة والبعيدة عن أنظار السيّاح. وحتى يومنا هذا، وبعد عشرين عامًا تقريبا بعد انكشاف العالم البشريّ على سحر هاري بوتر وعالم السحرة الذي يعيش فيه متخفيًا، ما زالت الكثير من المواقع في مدينة لندن تلهم السكان والسيّاح بأنها مواقع ذكرت في السلسلة. محطة قطار كينغس كروس، وسوق ليندلهول الذي كان مصدر الإلهام لجادة دياغون في السلسلة، هما مُجرّد مثاليْن بارزيْن على هذه المواقع.
ولكن ماذا يحصل في السلسلة عند ترجمة السلسلة للغات ثانية مختلفة عن الانجليزية؟ هل تحافظ على طابعها اللندني والبريطاني عامة؟ هل تقدّم الترجمات اقتراحات تغيير لسياق القصة من أجل ملاءَمتها لجماهير القراء في لغات ثانية؟ وماذا يحصل عندما لا تتلاءَم تصرّفات الأبطال في السلسلة مع عادات وتقاليد القراء في اللغات الأخرى التي تترجم إليها؟
هذه الأسئلة كانت أسئلة مركزية في تساؤلات الباحثة السورية وفاء دقماق، التي أجرت دراسة مفصَّلة على ترجمة سلسلة هاري بوتر إلى الّلغة العربيّة. في هذه المادة سوف نعرض بعض نتائج بحثها، ونتساءل حول موقفنا من الاختيارات الترجميّة الثقافيّة التي قامت بها المترجمة للعربية. وهنا أذكر المترجمة تحت هذا الاسم العام، كون المترجمين قد تغيّروا بين الصيغة والأخرى وبين كتاب وآخر ومنهم أذكر: سحر جبر محمود (ترجمة الكتاب الأول والسابع، وتحرير ترجمة السادس)، ورجاء عبد الله (ترجمة الكتاب الثاني وتحرير ترجمة الثالث)، وأحمد حسن (ترجمة الكتاب الثالث والرابع).

وقالت لهم المترجمة: املأوا الأجران ماءً

أحد أبرز التغييرات التي تتطرق إليها دقماق في دراستها هو التغيير في عادات الشرب والأكل في سلسلة الكتب، بناءً على عادات وتقاليد الثقافات العربيّة الإسلاميّة التي تُحرّم المشروبات الروحية ولحم الخنزير. نتيجة ذلك نجد في الترجمة العربيّة إعادة صياغة للمشروبات التي يشربها الأبطال وتحويلها من خمر إلى ماء. هذا التغيير أدّى إلى حذف أقسام من الرواية، ولو كانت صغيرة، إلّا أنّ لها دورًا هامًّا في بناء الشخصيّات. فشخصيّة هاغريد مثلًا هي شخصيّة تشرب الخمر عند ضيق الحال. في السلسلة جاءت هذه الملاحظة كجزء من بلورة شخصيّة هاغريد الضعيف الذي يحتاج للدعم الخارجيّ دائمًا. بالإضافة إلى أنّ فكرة شربه للخمر في ساعات الضيق تحمل تأثيرًا كبيرًا على مجرى الجزء السادس في السلسلة حين يستغل هاري مأساة هاغريد بموت صديقه لإسكاره وإسكار إحدى الشخصيات الأخرى، ليتمكّن من استخراج بعض الأسرار منها.

بالرغم من تحريم المترجمة للخمر على أبطال السلسلة، إلا أنّها سمحت بالخمر للأشرار في السلسلة وترجمت شربهم له كما هو في النصّ. في هذا السّياق لا بدّ من النظر إلى مغزى هذه الترجمة الدقيقة عند التطرق إلى الأشرار؛ فهي ترجمة أيديولوجية إسلامية. فعلى ما يبدو ترى المترجمة أنّ لا بأس في شرب الخمر لدى الشخصيات الشريرة وتلك التي تدعم قوى الشر الشيطانية المتمثلة في شخصية سيد الظلام - فولدمورت، الأمر الذي قد يدلّ على سوء تصرفاتها في سياق الترجمة العربية للقارئ العربيّ المسلم، الذي يرى الخمر كمشروب مُحرَّم.
بالإضافة إلى هذا، تمّ تحويل كافة أنواع اللحوم، بما يشمل لحم الخنزير والعجل [Pork, Bacon, Steak, Beef]، إلى كلمة عامّة وهي "اللّحم". فالقارئ للترجمة العربية لا يميّز أيَّ نوع من اللحوم تأكل الشخصياتُ، ولا ما إذا كانت هناك اختلافات في السياق مثل الأعياد أو الاحتفال، أو حتى إذا كان نوعُ الطعام المأكول يدلّ على طبقة اجتماعيّة مُعيّنة؛ فبالنسبة له- كُلّ اللحوم سواء. لحم الخنزير بكافة أنواعه مُحرّم على الشخصيات في الترجمة العربيّة، سواء أكانوا أخيارًا أم أشرارًا.
مثال آخر تعرضه دقماق، هو اختزال أنواع طعام أخرى لكونها غير مألوفة للقارئ العربيّ. فمثلًا تقول إنّ الكتاب الأول من السلسلة، "هاري بوتر وحجر الفلاسفة"، يذكر أكثر من 80 صنفًا من الطعام، إلّا أنّ الترجمة العربيّة عرضت ربع الأطعمة المذكورة تحت اسم "الطماطم المعلّبة الباردة". أمّا في الجزء الرابع، "هاري بوتر وقدح النار"، فقد اختار المترجم (أحمد حسن) إهمالَ كمٍّ من أنواع الطعام المذكورة وقد نجد أنّ نسبة 45% من الأطعمة المذكورة حُذفت كليًّا من القصّة.

تقاليد وأعياد

بالاضافة إلى الأطعمة والمشروبات، نجد أنّ الكثير من العادات والأعياد المذكورة في السلسلة، مثل الكرسمس والهالويين، قد تحوّلت كلّ جملة فيها إلى فقرة كاملة اختارت المترجمة إضافتها لتشرح معنى التقاليد في العيد للقارئ العربي. فمثلاً جملة مثل:
"On Hallowe'en morning they woke up to the delicious smell of baking pumpkin wafting through the corridors"
والتي ترجمتها هي: "في صباح الهالوين استيقظوا على رائحة خَبز اليقطين اللذيذة تفوح في أرجاء الممرّات”. وها هي تتحوّل في النسخة العربية إلى: "في صباح يوم الهالوين استيقظوا على رائحةٍ لذيذة تفوح في الأرجاء لقد كانت تلك رائحة كعك اليقطين وهو طبقٌ مميزٌ يُعدّ لأجل الاحتفال بهذا اليوم”. هنا على الأقل كان شرحٌ بدلا من الحذف، بينما بيض عيد الفصح – Easter Eggs، حُذف تمامًا من النصّ.
مصطلح آخر ذكر في الكتاب بمناسبة الأعياد هو Yule Ball، كنوع من الاحتفالات الراقصة في عالم السحرة – إذ تُرجم إلى العربية كـ "احتفال كرة عيد الميلاد". بينما ball هنا، لا تعني كرة بل تعني حفلًا راقصًا.

علاقات عامّة

توجّهت سلسلة هاري بوتر ككُلّ للأطفال في أجيال 10 سنوات وما فوق. وكلّما تقدّمت الكتب في السلسلة، ازدادت فيها مشاهد العنف والتهديد والمخاطرة، وكان هناك توقّع مُعيّن أن يبلغ القراء مع السلسلة، وهذا حقًا ما حدث مع الأجيال الأولى التي قرأت السلسلة، إذ أنّهم كانوا ينتظرون كُلّ كتاب سنة أو اثنتين، حتى يصدر التالي في السلسلة، وهكذا ترعرعوا بحقّ مع السلسلة. رغم هذا، لم تتغيّر السلسلة من ناحية العلاقات الحميميّة بين الشخصيات تغيّرًا مفصليًا. فلم تتعدَّ في أيّ مرحلة في السلسلة هذه العلاقة حدود العناق والقبلات، إذ تعاملت معها الكاتبة على أنها ما زالت سلسلة أطفال وفتيان.
برغم كلّ هذا، اختارت المترجمة العربية حذف مشاهد كاملة تعبّر على علاقات الصداقة بين الشخصيات؛ فمثلا العناق بين الأصدقاء عند افتراقهم تحوّل إلى تلويحة يد. ومثلا بين البطليْن هاري وهرميوني، هناك مشهد تقوم فيه هرميوني بطبع قبلة على خدّ هاري لتودّعه وتشكره، إلّا أنّه تحوّل إلى مجرّد "لوّحت له هيرميوني بيدها وودعته".
يُمثّل بعض هذه المشاهد جزءًا من الحبكة وهي تؤثر عليها بشكل مباشر، مثلما حدث في الجزء الخامس، إذ يتأثر هاري جدًا من قبلته لإحدى الشخصيات، فيحزن وتتأثر نفسيته لفصول عديدة بعد تلك التجربة الأوليّة في سنّ المراهقة.

خلاصة

تذكر دقماق أنّ الغياب الواضح للإشراف على مشروع ترجمة سلسلة هاري بوتر إلى العربية كسلسلة متكاملة، أدّى إلى تناقض كبير بين المترجمين الثلاثة المركزيّين. فحالات عدم الاتساق موجودة داخل كلّ ترجمة على حدة، وربّما يكون هذا النقص في المنهجية حتميًا لأنّ هذه هي طبيعة الترجمة، وخاصة الترجمة الأدبية. ومع ذلك، فإنّ التناقض والإهمال اللذين لوحظا في الترجمات للكتب المتأخرة حضرا بشكل أكبر.
وهنا أضيف أنّه مقارنة بالترجمة العربيّة، يمكننا ملاحظة التكامل في الترجمة العبريّة مثلًا التي أشرفت عليها المترجمة غيلي بار هيلل وحدَها طيلة السلسلة، إذ وقّعت منذ البداية على عقد ترجمة لكافة السلسلة، ما أدّى لتماسك داخليّ في السلسلة ككُلّ، وولّد العديد من المصطلحات الحديثة والجديدة التي دخلت إلى اللغة العبريّة- وليس العكس. في رؤيا المترجمة العبريّة، النص هو سيد الموقف الذي يقود اللغة ويروّضها لتتناسب معه، وبالذات أنّنا نتحدّث عن سلسلة كتب فانتازيا وخيال، فيها اختراع لمصطلحات جديدة يجب صقلها من جديد إلى لغة الهدف من خلال الترجمة.
وبشكل شخصيّ، أقترح أن خيار الترجمة الثقافية ليس من حق المترجم إلا في حالات الحاجة الماسّة النادرة في أدب الفانتازيا والخيال. وإعادة صياغة النص وتغييره ليسا من خيارات المترجم/ة ولا دار النشر، إلا إذا كان القارئ واعيًا لهذه القرارات، وفي هذه الحالة يجب على الترجمة أن تُسمّى "بتصرّف" أو "ترجمة ثقافية"، ولا تحافظ على تعريفها الأوّليّ كترجمة من دون علم القارئ بأنّها منحازة للثقافة الإسلاميّة على حساب الحبكة.

مرجع بحث د. وفاء دقماق:

Dukmak, W. (2012). The treatment of cultural items in the translation of children's literature: the case of Harry Potter in Arabic (Doctoral dissertation, University of Leeds).‏

تعليقات (0)

    إضافة تعليق