حكايا

التوحّد في ثقافة الأطفال


التوحّد في ثقافة الأطفال
ثقافة الأطفال تفتقر بشكل بارز للشخصيّات التوحّديّة، التي لا يسهل تمثيلها ولكن نسبتها في المجتمع أكبر من أن يتم تجاهلها بهذا الشكل

التوحّد، أو ما يسميه البعض الذاتويّة، هو اضطراب في النمو العصبيّ عند الطفل يؤدّي إلى ضعف في التعامل والتفاعل الاجتماعييْن والتواصل اللفظيّ وغير اللفظيّ ومظاهر تكرّر السلوك. في معظم حالات التوحد تظهر عوامل الضعف الاجتماعيّ ومظاهر التوحّد الأولى في السنوات الثلاث الأولى للطفل. أمّا نسبة انتشار حالات التوحّد في المجتمع فهي بين 2 إلى 6 بالمائة، ومنتشرة أكثر بـ 4.3 مرّات في أوساط الذكور.
ثمّة تأثير لشخصيّات توحّديّة على عالم إنتاج ثقافة الأطفال، كما هو ساتوشي تاجيري، مهندس ومبرمج لعبة "وحوش الجيب" أو ما يعرف بـ "البوكيمون". فتاجيري نفسه كان توحديًّا ولد سنة 1965 لعائلة يابانية الأصل، وأحب في طفولته جمع الحشرات في غابات اليابان وتصنيفها بحسب أجناسها. في تسعينات القرن السابق تعاون تاجيري مع شيغارو مياموتو، مصمم لعبة ماريو، لإصدار لعبة البوكيمون المعروفة.
زيادة الوعي للمتلازمة كشفت مدى فقر ثقافة الأطفال في مجال التعامل مع التوحّد وتمثيله بشكل عام. نتيجة لذلك، ازداد في السنوات الأخيرة تعامل ثقافة الأطفال مع حالات التوحّد، وأصبح هناك مكان لشخصيات توحّديّة في برامج الأطفال وفي ثقافة الأطفال بشكل عام. ما زال عدد شخصيات التوحّديّين محدودًا في برامج الأطفال، ولكنه مبارك ويجدر ذكره؛ فهذه الشخصيات تتميّز بكونها طلائعيّة في هذا المجال، ما يزيد من تميزها.

ما زال عدد شخصيات التوحديين محدودًا في برامج الأطفال، ولكنه مبارك ويجدر ذكره؛ فهذه الشخصيات تتميز بكونها طلائعيّة في هذا المجال، ما يزيد من تميّزها

إحدى أهمّ الشخصيّات التوحّديّة التي ظهرت على شاشات الأطفال كانت شخصية "كارل" من مسلسل "آرثر"، سنة 2010. كارل هو أرنب مع متلازمة أسبرغر (إحدى اضطرابات طيف التوحد)، ما يجعله يعاني اضطرابًا بالتفاعل الاجتماعيّ مع من حوله. كارل يحب القطارات ويمكن أن يشير إلى تفاصيل مفصّلة عن القطار الذي يراه وبشكل دقيق جداً. يشعر كارل بعدم الارتياح عندما يحدث أمر فجائيّ أو غير متوقع من حوله ولكنه في أغلب الأحيان يتعامل مع الموضوع بتفكير عقلانيّ أو حسابيّ حتى يهدّئ نفسه. في المسلسل يظهر كارل في أغلب الأحيان بصحبة جورج الأيل، الذي يعبر دائماً عن مدى تميّز صديقه، وكم يحبّ أن يلعب معه بسبب هذا التميّز.
شخصيّة أخرى لا بدّ من ذكرها بهذا السياق، هي شخصية "جوليا" من مسلسل "شارع سمسم" (أو افتح يا سمسم). شارع سمسم هو برنامج تلفزيوني تعليمي أمريكي، يهدف لرفع مستوى التعليم للطفل بمساعدة الترفيه. تعامل المسلسل مع شتى مواضيع قد يواجهها ويتعامل معها الأطفال في حياتهم اليوميّة أو المدرسيّة، وفي بعض الحلقات تعرّف الأطفال على شخصيات ذات احتياجات خاصة. في سنة 2015، أصدر المسلسل تطبيقًا مجانيًّا يحوي أشرطة وقصصًا قصيرة بعنوان "شارع سمسم والتوحّد"، فيه تعرّف الأطفال على "جوليا" التوحّديّة، ومن خلال شخصيّتها يتعلمون كيفية التعامل مع أطفال التوحّد وتقبّل اختلافهم. في نفس التطبيق صدرت كذلك قصص حقيقيّة لأطفال توحّديّين، كما هي قصة نايزيا وعائلته. ويستخدم منتجو "شارع سمسم" كلّ الأدوات المتاحة أمامهم ليعلّموا الأطفال كيفيّة التعامل مع المختلف والمميّز.
في مسلسل "قطار الديناصورات" كذلك، استغلوا شهر نيسان الأخير (2016)، الذي يعتبر شهر التوعية للتوحّد، لعرض حلقة خاصّة تتطرّق بشكل مباشر لديناصور صغير توحّديّ وكيف يتعامل معه باقي أطفال الديناصورات. دينيس، الديناصور التوحدي، هو ديناصور مميز ولطيف، يعرف الكثير من التفاصيل عن أنواع الديناصورات المختلفة، حتى أكثر ممّا تعرف هي عن ذاتها، ولكنه يجد بعض الصعوبة في التعرّف على أصدقاء جدد.
خلاصة الأمر، أنّ ثقافة الأطفال تفتقر بشكل واضح جداً للشخصيّات التوحّديّة، التي لا يسهل تمثيلها ولكن نسبتها في المجتمع أكبر من أن يتم تجاهلها بهذا الشكل. ولكن هذه الأمثلة هي أمثلة لشخصيات توحدية في برامج الأطفال، وفي الأساس هي موجّهة لبقية الأطفال كبرامج تعليميّة تشرح كيفية التعامل والتوجه للأطفال التوحّديّين. ولكن ماذا عن انتاجات موجّهة بشكل مباشر للتوحّديّين؟

ماذا عن انتاجات موجّهة بشكل مباشر للتوحديّين؟

خلاصة الأمر، أنّ ثقافة الأطفال تفتقر بشكل واضح جداً للشخصيّات التوحّديّة، التي لا يسهل تمثيلها ولكن نسبتها في المجتمع أكبر من أن يتم تجاهلها بهذا الشكل. ولكن هذه الأمثلة هي أمثلة لشخصيات توحدية في برامج الأطفال، وفي الأساس هي موجّهة لبقية الأطفال كبرامج تعليميّة تشرح كيفية التعامل والتوجه للأطفال التوحّديّين. ولكن ماذا عن انتاجات موجّهة بشكل مباشر للتوحّديّين؟

زيادة الوعي للمتلازمة كشفت مدى فقر ثقافة الأطفال في مجال التعامل مع التوحد وتمثيله بشكل عام

ما يزال هذا المجال، حتى الآن، مجالاً يفتقر للانتاج، ورُغم هذا قد نجد انتاجًا واحدًا ومميّزًا الذي ينصح به الأخصائيّون ويوصي به الأهالي بادّعاء أنه ساعد أطفالهم التوحديين. ونحن نتكلم عن فيلم "قلباً وقالباً" (Inside-Out, 2015) من انتاج استديوهات ديزني وبيكسار. يعرض فيلم "قلباً وقالباً" ما يحدث في رأس الطفلة/ المراهقة في فترة بداية جيل المراهقة، ويجسّد مشاعرها بشكل محسوس وتأنيس واضح. هذا التمثيل للمشاعر منح الكثير من الأطفال التوحديين فرصة التحدّث عن مشاعرهم "من غير أن يتحدّثوا عمّا يشعرون"؛ فأحد التحديات الأكبر أمام أهالي الأطفال التوحّديّين هو التعامل مع المشاعر والحديث عنها. المشاعر هي تحدٍّ كبير للأطفال بشكل عام وللمراهقين أكثر، ولكن هذا التحدّي يتضاعف عند التوحّديّين. ومع ذلك، يتحدّث الكثير من الأهالي عن التأثيرات الإيجابيّة للفيلم على أطفالهم التوحّديّين، إذ أعطاهم الفيلم شرعية تأنيس وتمثيل المشاعر بشكل محسوس ومرئيّ.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق