في هذه المادة سوف نتطرق لأربعة نصوص تعالج موضوع الانتخابات في أدب الأطفال المحلي. الكتاب الأول هو كتاب "في بلدنا انتخابات" للكاتب سهيل كيوان ورسومات منار نعيرات، الكتاب الثاني هو كتاب "ملك الفواكه" للكاتب محمد علي طه ورسومات أيمن خطيب. الكتاب الثالث هو كتاب صدر في اللغة العبرية باسم "الملك آهرلة يستقيل" لمؤلف أدب الأطفال يوناتان يافين ورسومات عوفر غيتس، والأخير هو كتاب "يوم الانتخابات في سابانا" للكاتب ساندرين دوماس رو، والرسام برونو روبرت. نذكر اننا قد نشرنا في السابق مادة قراءة نقدية مفصّلة وتوصية للأخير: يوم الانتخابات في سابانا: سياسة واقتصاد في مملكة الحيوانات.
(سهيل كيوان ومنار نعيرات)
تتناول قصة "في بلدنا انتخابات" قضية الانتخابات للسلطة المحلية في قرية عربية محلية، من خلالها يتقدم مرشحان للانتخابات، أبو شاهر وأبو نادر، حيث يقدّم كلّ واحدٍ منهم بدوره برنامجه الانتخابي من خلال مجاملات وزيارات ومهرجانات وحلقات بيتية. يوم الانتخابات في القصة هو يوم عطلة رسمية فيه تلبس القرية "ثوب العيد من شدة الفرحة". فوز أبو نادر في الانتخابات يؤدّي إلى تقبل النتيجة برحابة صدر من المرشح الآخر لأنّ هذا يمثل قرار الأغلبية.
كتب ناقد أدب الأطفال سهيل عيساوي عن كتاب "في بلدنا انتخابات": "صوّر لنا سير الانتخابات في المجتمع العربي، على انها اشبه بانتخابات في المدينة الفاضلة، بعيدا عن الواقع المرير، الاصطفاف العائلي... من منا لا يطمح بأن تكون الأمور وردية وديمقراطية بحتة وعرس ديمقراطي". وأضاف: "لم تظهر أي امرأة كمرشحة للرئاسة أو للعضوية، اقتصر دورهن بالقصة على التصويت، وان كان هذا هو الواقع في جل البلدات العربية".
هذه الازدواجية التي يكشفها عيساوي هي مركز الاشكالية في الكتاب، وفي عرض فكرة الديموقراطية للأطفال. ان كان هذا الكتاب يحاول تصوير "المدينة الفاضلة"، فأين دور النساء من هذه المدينة؟ وما هو دور الأطفال في هذه المدينة الفاضلة وفي صراعها نحو الديموقراطية؟
أما إذا كان الكتاب يحاول تصوير الواقع المحليّ الذي لا تشارك فيه النساء بشكل واضح في السباق الانتخابي وفي الترشح إليه، فأين باقي عصارة الصراع التي ذكرها عيساوي في قراءته للنص – "التهييج الطائفي، التجييش في الأعراس، المقاطعات الاقتصادية والاجتماعية، النفاق، تضليل الناخب، الوعود المكماهونية العرقوبية، العنف الكلامي وحتى الجسدي الانتقام السياسي، هدر المال الخاص، والتبذير والبذخ، والاستغلال السلبي للمنصات الاجتماعية"؟
طبعاً الاجابة المباشرة والسطحية لهذا السؤال هو أن الكتاب موجه للأطفال، ومن الصعب التطرق لهذه الأمور في نص للأطفال. إلا أن هذا مجرد ادعاء سطحيّ، حيث سوف نعرض مباشرةً نصّين فيها يتم التطرق بشكل مباشر لهذه الأمور. وان كان حقا من الصعب التطرق لهذه الأمور في نص للأطفال، إذا من الأفضل التنازل عن محاولة معالجة القضية في كتاب أطفال، ما يؤدّي إلى تصوير سطحي وغير واقعي ومضلل.
في مسألة حضور النساء ودورهن في النص لا بدّ من أن نذكر أنّ الاشكالية لا تقتصر فقط على عدم ترشح النساء في هذه القرية، إنما يعرض الكتاب تطرّفًا أكبر من هذا في إقصاء النساء من الحيّز السياسي العام. هذا الإقصاء يميّز الرسومات والنصّ كلّه تقريبًا في كل صفحة وصفحة. بينما يجلس رجال العائلة مع المرشحين للاستماع إلى خططهم الانتخابية، تقدّم لهم النساء القهوة، أو تحضرها، أو تجلس مع نساء أخريات على البلكونة لمناقشة السياسة ولكنها لا تتدخل في أمورها بتاتاً. حتى عند فرز النتائج واعلان فرحة الجميع، نجد تجمهر الرّجال في الصالون المنزلي، واختفاء النساء من الصورة. حتى في تصوير المقاهي القروية، نجد إقصاء النساء المطلق، كما يحدث في العديد من القرى المحلية – فهل هذا تصوير تقليدي محافظ للواقع أم هو صورة المدينة الفاضلة في نظر المؤلفين؟
(محمد علي طه وأيمن خطيب)
تحكي القصة عن مملكة الفواكه التي تشعر بأنها الوحيدة التي لا تملك ملكًا؛ فالأسد ملك الحيوانات، والنسر ملك الطيور، أمّا الفواكه والثمار فليس لها ملك. تتقدم الفواكه واحدة تلو الآخرى لترشح نفسها لهذا اللقب، ولكن باقي الفواكه تشكك في قدرة أيّ فاكهة بالحصول على هذا اللقب. فالبرتقالة لا تصلح لأنها تحضر فقط في فصل الشتاء، والخوخ يحضر في الصيف ويغيب في الشتاء. أما الموزة فهي نحيفة وضعيفة والبطيخة سمينة ومستديرة. تستمرّ القصة بهذا النقد تجاه كل مرشح ومرشحة، حتى تقترح الكرفوت أن تتبرع كل فاكهة بقطعة من جسمها، لتحضير سلطة فواكه.
القصة تعرض بالاساس امكانية الترشح للانتخابات وفكرة الدعاية الانتخابية، حيث تقدم كلّ فاكهة نفسها بطريقة معينة لتدعو الفواكه بالتصويت لها واتخاذها كملكة. في نهاية القصة لا تجري أي انتخابات، بل هناك نقد لاذع تجاه كل فاكهة مرشحة، بناءً على رؤيا معينة، محدودة جداً، لوظيفة القائد الحاكم أو الملك –في هذه الحالة.
الحل الذي يقترحه الكتاب هو نوعًا ما، ذلك الحل السياسي الحديث المدعو تعدديّة ثقافية، الذي يسعى لاقتراح وجود أو قبول، أو التعزيز لكافة التقاليد الثقافية المتعددة في المجتمع، ويسعى لتشكيل حكومة أو سلطة تشمل كافة الثقافات المختلفة في المجتمع. لا أظنّ أنّ طريقة عرض هذا الحل، من خلال نقد الجميع، وأحيانًا بطريقة مسيئة، هي الطريقة الأنسب لاقتراح التعددية الثقافة وسلطة الفواكه. فطبعًا لا يسعى أي منا لاعطاء شرعية نقد الواحد للآخر من أجل تقبله.
(يونتان يافين وعوفر غيتس)
تحكي القصة عن الملك الأسد أهرلة الذي يقرر في أحد الأيام أنه جاء الوقت ليستقيل من السلطة ويتنازل عن كرسي الملك. لا يريد أهرلة الحكم بعد الآن بل يسعى لتحقيق ذاته وأحلامه – بالرسم والتجول حول العالم وما إلى ذلك. لهذا يجمع الملك باقي الحيوانات ويعلن عن استقالته ويدعوها للقيام بانتخابات لاختيار ملك بدلا عنه.
لا تترشح أي من الحيوانات للمنصب، فيقترح القندس تشكيل حكومة فيها كل حيوان يحصل على وزارة بحسب مهاراته، من أجل تقديم يد العون للملك أهرلة وتخفيف المسؤوليات عنه حتى يضطر للاستقالة. ما يحصل في الواقع، هو أن الحيوانات تجد العمل الوزاري مرهقًا جدًا فتذهب إلى الملك وتستقيل وتطالبه باستلام الحكم الشمولي مجددًا.
ربما هي ليست قصة انتخابات تقليدية، إلا أنها قصّة تعرض فكرة الوزارات والحكومة والحاجة إليها. الاشكالية المركزية في القصة، هي كونها تقترح موضوع الحكومة، وبطريقة أو بأخرى ترمز لقضية فصل السلطات، ولكنها في النهاية تتراجع عن هذه الاقتراحات، وتعود لسلطة الملك الواحد وكأنها أفضل طريقة حكم. تركيز القوة والنفوذ السياسي في يد الفرد هو إشكالية النص، إلا أنه من بين النصوص الوحيدة والفريدة التي تعرض فكرة الحكومة والحاجة إليها بطريقة ابداعية وبرسومات خلّابة.
إذًا على سؤال ما الرسالة النهائية للكتاب، قد لا تكون الاجابة بسيطة كما نظن، فلربما ما سعى إليه الكاتب هو نقد النظام الحكومي وليس تلقينه. فكما يحصل في السياسة المحلية، قد تتشكل حكومات وقد تسقط هذه الحكومات، ولكن السِّيادة، بمفهومها الشامل، تبقى فوق كافة الصراعات السياسية.
(ساندرين دوماس رو وبرونو روبرت)
القصة تدور حول أحداث الانتخابات وما حصل بعدها في سابانا. بلاد سابانا هي بلاد تعيشها كافة الحيوانات تحت حكم ديموقراطي فيه تتم الانتخابات لاختيار الملك. في موسم الانتخابات في سابانا، تترشح أربعة حيوانات للرئاسة، أولها الأسد "جو" كعادته في كلّ انتخابات، فلعائلته ماضٍ عريق في الحكم؛ الثاني هو الفيل "بيل" اللطيف وصديق الجميع الذي يكثف زيارات المُجاملة قبل موعد الانتخابات؛ المرشح الثالث هو الزرافة "جيبيت"، التي تَعِد الحيوانات بالأمن فهي تتمكّن من رؤية المخاطر من بعيد بمساعدة عنقها الطويل؛ وآخر المرشحين هو التمساح "جيم" الذي تحوّل إلى نباتيّ بمساعدة خبير حمية غذائية، ووعد الحيوانات بالحفاظ على الحدود آمنة بمساعدة أقاربه التماسيح الأقوياء والمفترسين.
بعد الانتخابات وفوز أحد المرشحين تسوء الأمور جداً في السابانا وتبدأ الديموقراطية بالتحوّل إلى دكتاتورية الملك الواحد، فتجتمع الحيوانات للتخطيط لإسقاط الملك وإعادة الانتخابات مجدّداً. هل ستنجح الحيوانات بالاتحاد ضد العدو الذي خلقته هي؟
بمقارنة مع النصوص التي ذكرت في بداية المادة، "يوم الانتخابات في سابانا" يعرض أوسع وأشمل عرض لصفات المرشحين للانتخابات، ويتطرق للعديد من الاعتبارات التي يعتبرها كل مرشح في حملته الانتخابية. فرز الأصوات هو أحد المظاهر الأوضح التي تميّز فكرة الانتخابات والديمقراطية، ولكن ما يحوّل الكتاب إلى كتاب مميز بين كتب الانتخابات هو أنه لا يصوّر الديمقراطية على انها طريقة حكم وانتخاب مثالية. نقد الديمقراطية، ليس مفهومًا ضمنًا بتاتًا عند الحديث طريقة الحكم والانتخاب، بالذات عندما نقدمها للأطفال.
اقتباس من الكتاب:
"في اليوم الأول من حكمه، أصدر جيم قرارات عظيمة.
قام بتوزيع المناصب الإدارية على أخوته وأبناء عمومته المقربين."
في النهاية، أظن التوصية هي واضحة جداً في هذا الموضوع – بنظري "يوم الانتخابات في سابانا" هو أفضل كتاب يمكن ايجاده اليوم في المكتبات، حول موضوع الانتخابات. فهو كتاب يشمل كافة الأفكار السياسيّة المركّبة في فكرة الانتخابات، من غير إقصاء أيّ جزء من المجتمع للقيام بذلك. "يوم الانتخابات في سابانا" لا يقترح مدينة فاضلة وعرسًا ديمقراطيًا للرجال فقط كما يفعل "في بلدنا انتخابات"، ولا يقترح تعددية ثقافية مبنية على نقد ثقافة الآخر كما "ملك الفواكه"، ولا يقترح تشكيل حكومة واسقاطها لتتويج الملك كما في "الملك أهرلة يستقيل".
"يوم الانتخابات في سابانا" يقترح أن السياسة هي لعبة مركبة، فيها الصادق وفيها الكاذب، فيها من يقصد الاحتيال للحصول على السلطة وفيها من يختار العدالة والحق. في كل من الحالات، الاسقاطات المركزية تأتي على حساب عامة الشعب، ففقط هو من يتمكن من التصويت كل مرة من جديد لتغيير الحكم الذي اختاره، وأحيانًا قد يُخطئ في خياراته. في حال الاستحواذ على الحكم وتغيير صورة الدولة السياسية ومبناها، على الشعب أن يتمرّد ويعصي الحكم ليستعيد حقوقه وربما ديموقراطيته كذلك.
تعليقات (0)
إضافة تعليق