لامس فايروس كورونا كافة أنحاء العالم، ليبدأ أدب الأطفال الجديد الصادر في الأشهر الأخيرة بمُلاءمة نفسه لحقيقة التهديد الجديد على البشريّة والطبيعة. في هذه المادة سوف أعرض بعض التوجّهات الجديدة في إصدار أدب الأطفال، الذي يحاول عرض كيفية تعامل العالم مع الوباء المنتشر في أنحائه.
في العقود الأخيرة انتشر أدب الأطفال الديستوبيّ (الكابوسيّ) منذ إصدار سلسلة مباريات الجوع (سوزان كولنز)، بالذات في سياق أدب الفتيان، إذ يُعتبر هذا الأدب بمعظمه أدبًا سياسيًّا، يواجه الاضطهاد السياسيّ وتوظيف التكنولوجيا للسيطرة والنفوذ من طرف السلطات على المواطنين. في أعقاب انتشار وباء الكورونا، ازداد انتشار هذا النوع من الروايات للأطفال والفتيان، وبدأ الكثير من الأدباء بإصدار كتب تحكي عن العالم والطبيعة ما بعد انتشار وباء غامض كاد أن يقضي على البشرية.
تنقسم هذه النصوص إلى أربعة أنواع مركزيّة تتمثّل في إسقاطات انتشار الفيروس على البشر والطبيعة:
تحكي هذه الكتب عادة عن كارثة حلّت بالبشر، ونتيجتها استيلاء الطبيعة على العالم وانتشارها فيه. تُعرَض الطبيعة في هذه الكتب بصورة إيجابيّة جدًا، وحتّى أنّها ترمز بأنّ ابتعاد الانسان عن الطبيعة هو الذي أدّى للكارثة. مثال على هذه الكتب نجد في كتاب الأطفال "يوم أخضر جديد"، A new green day، المُوجّه لأجيال الطفولة المبكرة، وبنصٍّ شعريّ وقصير جدًا يقترح على الأطفال التجوّل في الطبيعة مع بداية اليوم الجديد، للتعرف إلى التغيّرات التي تولد مع ولادة هذا اليوم، مثل أوراق الشجر على الأرض وملمسها، ومثل الحلزونات التي تتجوّل بجانب الطريق. هذا النوع من الكتب، المُوجّه للطفولة المبكرة، لا يحكي عمّا كان قبل "اليوم الجديد"، وقد يناسب كافة فترات الانتقال بين الفصول والبدايات الجديدة.
أما كتاب الفتيان الجديد "اسمي نهر" My Name is River فيعرض صورة مختلفة للتهديد، إذ أنّ البطل ينطلق في رحلة إلى أعماق نهر الأمازون في البرازيل، ليكتشف أسرار شركات قطع الأشجار التي أدّت للاستيلاء على مزرعة عائلته. مرة أخرى من دون ذكر الجائحة، يعرض الكتاب مغامرة مجموعة أطفال في أعماق الطبيعة، لبحث سبب طمع البشر ونهمهم وتأثيره على كافة أنحاء العالم.
هذا النوع من التوجه ليس جديدًا على أدب الفتيان، كما ذكرت سابقًا، إلا أنّه جديد في أدب الأطفال نوعًا ما. يعتمد هذا التوجه على اتخاذ القرارات التي يفعلها الانسان بعد أن تحل به كارثة معينة، ويحاول من خلال قراراته أن يعيد إصلاح العالم. أحد أبرز الأمثلة على هذه الكتب هو كتاب حديقة "السيدة نوح" Mrs Noah’s Garden، الذي يعرض الكارثة على أنها طوفان حلَّ بالعالم، وأنّ البشر الناجين يسعون لإصلاحه. السيدة نوح تقوم بزرع حديقة والاعتناء بها كطريقة لمواجهة إسقاطات الطوفان.
كتاب آخر من هذا النوع هو كتاب "الطريق البريّة إلى البيت" The Wild Way Home المُوجّه للفتيان، يحكي قصّة الطفل تشارلي الذي يعاني أمراضًا في القلب ويعيش في غرفة العلاج داخل المستشفى. في أحد الأيام يُقرّر تشارلي الهرب من المستشفى والسير نحو بيته. في رحلة عودته إلى البيت يمرّ من الغابة ويتعرّف إلى حياة الانسان القديم وكيفيّة تعامله مع الطبيعة. عمليًا، الكتاب يعبّر بصورة مجازيّة عن قصة البشريّة التي أصبحت تواجه أمراضًا وفايروسات، وهناك حاجة لأن تعود للتعرّف إلى العالم والطبيعة بشكل أفضل.
كان موضوع سياسة المراقبة والنفوذ أحد أبرز المواضيع التي ازداد النقاش حولها في فترة انتشار وباء الكورونا. وقد أصبح موضوع تمركُز وتحديد موقع الهواتف النقالة لمتابعة حركة المصابين والمهدّدين بالاصابة بالوباء، موضوعَ الساعة في الكثير من الدول وشجّع مساءلة سلطوية الحكم وسيادته. في هذا السياق، لم يحافظ أدب الأطفال والفتيان على حياده كعادته في هذه النقاشات السياسيّة، بل يمكننا أن نجد الكثير من العناوين التي بدأت تتطرّق إلى هذا الموضوع بجرأة ونقد لاذع. أحد أبرز هذه الكتب، هو رواية الفتيان "لا تضايق التنانين" Do Not Disturb the Dragons، الذي يحكي قصة مدينة تحكمها التنانين وتحافظ فيها على النظام والأمان، شرط ألّا يخرق أيّ أحد من سكان المدينة "القوانين". في الرواية تنطلق صديقتان بمحاولة كسر قيود التنانين وتحدّي نظام الحكم في المدينة.
كتاب آخر صدر في الفترة الأخيرة هو كتاب "الإيكابوغ" The Ickabog، الذي صدر على مراحل بشكل أسبوعيّ منذ بداية انتشار الوباء. نشرت الكتاب مؤلفة سلسلة هاري بوتر الكاتبة جي.كي. رولينغ. توجّه الكتاب لأجيال 6-9 سنوات، وبالرغم من هذا كان كتابًا سياسيًّا بامتياز، يحكي عن محاولات السيطرة وتعزيز النفوذ وكيف يمكن للمجتمع والأطفال مواجهة هذه القوّة. يحكي الكتاب عن الكائن الأسطوريّ إيكابوغ الذي يهاجم مملكة كورنوكوبيا ويحاول أهالي البلاد مواجهته.
مقارنة بكافة هذه الكتب المذكورة، صدرت كذلك مجموعة كبيرة من الكتب التي تعرّف الأطفال إلى فايروس الكورونا بشكل مباشر. جزء من هذه الكتب هو كتب معلوماتيّة وإخباريّة، وبعضها الآخر كتب قصصيّة، إلّا أنها ضعيفة الحبكة بمعظمها، كونها ركّزت أكثر على منهجية التلقين والوعظ، على حساب الجماليّة الأدبيّة والقصصيّة.
أحد أنجع وأبرز هذه الكتب، الذي سرعان ما تُرجم وبيع حول العالم، هو كتاب "بطلتي أنت" My Hero is You، الذي نشرته مؤسّسة اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة). كتبت هذا الكتاب ورسمته مجموعات من الأطفال، وهو يقدّم أداة للأطفال والأهالي للتعامل والتفكير معًا حول الأسئلة العديدة التي يثيرها الوباء. تم تصميم القصة ليقرأها أحد الوالدين أو المعلم جنبًا إلى جنب مع طفل/ة أو مجموعة صغيرة من الأطفال. تشكّلت القصة في أعقاب محادثات مع أكثر من 1700 طفل وأولياء الأمور ومُقدّمي الرعاية المختلفين في المؤسّسات والمعلمين، من جميع أنحاء العالم، الذين شاركوا كيفية تعاملهم مع تأثير فايروس الكورونا. إلى جانب الترجمة العربية المرفقة في هذا الرابط، تم توفير النصّ لأكثر من 120 لغة مختلفة.
لقراءة الكتاب باللغة العربية - اضغطوا هنا
كتاب آخر نجح كثيرًا وتمت ترجمته كذلك إلى عشرات اللغات، هو كتاب "أيها الأمل! اين أنت؟" وهو كتاب يحكي قصة ستة أطفال حول العالم يتعرضون لإغلاق المدارس بسبب الوباء. تتبع كل قصة نمطًا مشابهًا من الإحباط والتحدي، وإيجاد الأمل ونشر الأمل للآخرين.
لقراءة الكتاب باللغة العربية - اضغطوا هنا
تعليقات (0)
إضافة تعليق