حكايا

أغاني الشارة لقناة سبيستون: نوستالجيا وقيم اجتماعية


أغاني الشارة لقناة سبيستون: نوستالجيا وقيم اجتماعية
مرةً في حيّنا، في فخٍّ غريب وقعنا، تاما صديقي، نسينا عيبنا في الأمسِ لم نسأل. في الغابةِ قانونٌ يسري في كلِّ مكان، عاليًا تطير في الفضاء باحثًا عن حلمٍ سعيد، لا تبك يا صغيري – لا – أنظر نحوَ السماء، لا تنسَ أخاك، ما أجمل أن تسقي الشجرة لتضاهي في الحسن القمرَ، حب الخير لكل الناس، هكذا نكون كما يكون الأبطال. يا صانع السلام، رأيتَ الحقيقةَ خلفَ البصر، هيّا يا كونان.
بنان عويسات

لا يكتفي مشاهد سبيستون المخلص بهذه المقاطع المُقتصّة من أغاني الشارة من مرحلة الطفولة والشباب، تلك التي لربما يتذكّرها أكثر من قصة المسلسل الذي يُفتتح بها. لا بدّ أن مشاهِد سبيستون في صغره، والذي يقرأ هذه المادّة، قد قرأ الجملة الأولى منها مع لحن، ثم قرأ الثانية مع لحنٍ آخر، حتى وصل إلى نهاية الفقرة. في حالةٍ أخرى، قد يعكفُ القارئ عن قراءة الفقرة، ليردّد بقية الأغنية في رأسه قبل أن يكمل القراءة.
حظي أطفال سنوات الثمانينات والتسعينات بفرصة الاستماع لأغاني الشارة المدبلجة التي افتتحت غالبية مسلسلات سبيستون، "قناةُ شباب المستقبل". قناة سبيستون هي الواجهة الأولى لأعمال مركز الزهرة للإنتاج الفنّي، القائم على دبلجة مسلسلات الأنمي من اليابانية إلى العربية، ومونتاج أغاني الشارة الخاصة بها.
تتخصص هذه المادة بكل ما يتعلّق بأغاني الشارة المدبلجة إلى العربية والمُعدّلة، وتحاول تقديم تحليلات مختلفة حول المضمون اللغوي واللحني والمعنوي لهذه الأغاني. كذلك، تلخّص هذه المادة لقاءً يجمع المغنّيين رشا رزق وسونيا بيطار، كاتب الأغاني والمغنّي والملحّن طارق العربي طرقان، والمايسترو مياس اليماني، فريق عمل أغاني الشارة في مركز الزهرة وقناة سبيستون.

أغاني الشارة بالعربية: اختراعٌ وليد الحاجة

تلبّي أغاني الشارة المدبلجة للعربية، كأيّ أغنية شارة، وظائفها الأساسية عادةً؛ افتتاح حلقةٍ جديدة من مسلسلٍ للأطفال، وتذكير الطفل بالثيمات المركزية التي يتناولُها المسلسل. فعلى سبيل المثال، يُفتتح مسلسل في جعبتي حكايا بأغنية تذكّر الطفل بموضوع المسلسل: "حكاياتٍ أحكيها، تموجُ بالألوان... حكايات أرويها عن عالمٍ فتّان... عالم الخيال، المليء بالجمال...". هكذا، يعرف المشاهد أنه على وشك متابعة حلقة تتحدّث عن شخصيات خيالية تعيش في عوالم جميلة.
من ناحية أخرى، تقوم أغاني الشارة المدبلجة بسدّ فجوة موسيقية في حياة الطفل العربي. إذا كنا نتحدث عن التلفاز، فالمصدر العام المعتمد للموسيقى والأغاني في حياة الطفل العربي هو الإعلانات، التي تغنّي محتوى مختصًا جدا بالمنتجات التي تروّج لها، ولا تحمل رسالة أو قصة أو مغزى تربويًّا أو روحيًّا للطفل المستمع. شاعت موسيقى وأغاني الأطفال الإعلانية في أواخر سنوات الثمانينات إلى أوائل سنوات التسعينات، حتى شهد التلفاز العربي للأطفال بداية ظهور أغانٍ مدرسية أو شعبية مألوفة للأطفال العرب (طرقان؛ طارق العربي، 2020).

بين البلاغة اللغوية ومحدودية الإمكانات

استخدام المصطلح "دبلجة" لوصف أغاني الشارة اليابانية المغنّاة بالعربية قد لا يكون منصفًا، ففي طريق تحويلها من اليابانية إلى العربية، تمر الأغاني بسيرورة معقّدة. خاصةً في الجانب اللغوي، يندر إيجاد ترادف لغوي ولحني بين الأغاني العربية واليابانية. السبب في ذلك يعود إلى الاختلافات في مقاطع الكلمات ومعنى التعابير وعمقها في اللغتين، فقد نجد ركاكة لغوية واضحة في محاولات الترجمة الحرفية من اليابانية إلى العربية، وقد لا يتمكن مترجم الأغنية وملحنها من إدخال كلماتٍ كافية باللغة العربية في مقطع صوتي يتلاءم مع اللغة اليابانية.
تصرّح رشا رزق وطارق العربي طرقان أن بعض الأغاني الأصلية لا تملك ما يكفي من معنى عميق وزخم شعوري للطفل العربي المشاهِد، لذلك تكمن الحاجة في ملاءمة هذه الأغاني للغة والثقافة العربيّتين. إلى جانب ذلك، ثمّة أهمية بالغة في المحافظة على مستوى لغوي مرتفع وصياغة سليمة للكلام العربي الفصيح؛ ففي أغاني الشارة للمسلسلات التي عرضت على قناة سبيستون، تم بشكل أو بآخر تهميش الجانب اللحني لصالح الكلمة العربية السليمة.
تتطلّب بعض أغاني الشارة مجهودًا أكبر عندما يتعلّق الأمر بالترجمة، فبعض شركات الإنتاج اليابانية ترفض تغيير مضمون الأغاني وتشدد على الحفاظ على المعنى المطابق للأغنية الأصلية. على سبيل المثال، وجب على فريق إنتاج أغاني الشارة في قناة سبيستون أن يجدوا تعابير شبه مطابقة للمعنى الأصلي في أغنية مسلسل بوكيمون. لم يكن الأمر في غاية السهولة، بسبب محدودية المقاطع اللحنية التي تتطلب عدد كلمات قليلًا ومقاطع لغوية محدودة جدًا. في نهاية الأمر، استطاعت رشا رزق كتابة أغنية جديدة باللغة العربية، مطابقة للمعنى الأصلي للأغنية اليابانية، مع الحفاظ على مستوى لغوي مرتفع والانصياع للحن الأغنية الأصلي.
مثال رائع آخر لملاءمة الأغاني المدبلجة للغة والثقافة العربيّتين هي أغنية "ديسمبر" من فيلم أناستازيا. بدلًا من استخدام المعنى الحرفي لجملة باللغة الإنجليزية تعني "أشياء يتذكّرها قلبي"، قام طارق العربي طرقان باستخدام جملة "خلف الجبين، فوق اللسان"، كما في التعبير العربي المتداول "على رأس لساني". وفي أغنية "حلمتُ حُلمًا" من مسلسل البؤساء، ترجِمت جملة بمعنى "لم يكن هناك حاجة لدفع ضمان" إلى "والقسَمُ يكفينا برهانًا". إن دلّت هذه الأمثلة على شيء، فهي تدلّ على إصرار فريق العمل على تقديم جودة مُثلى من اللغة والمعنى للطفل العربي، وعلى دراية واسعة بعالم الطفل العربي وثقافته.
قام فريق العمل على أغاني الشارة بتأليف أغانٍ لمسلسلات لم تحتوِ على أغاني شارة في الأصل، كمسلسل حكايات ما أحلاها وغيره. يجدر الذكر أن الأغاني التي تم تأليفها تختلف عن بعضها من حيث الأسلوب والنوع الموسيقي؛ فمنها الملحمية والرياضيّة والعاطفية... من خلال الأغاني المؤلفة، حظي فريق العمل بحرّية أكبر باختيار الألحان والكلمات المناسبة للمسلسل، وقاموا بإبراز النص العربي وكلماته الفصيحة من خلالها.

استخدام المصطلح "دبلجة" لوصف أغاني الشارة اليابانية المغنّاة بالعربية قد لا يكون منصفًا
مضامين شائعة

تحمل أغاني الشارة المدبلجة إلى العربية دورًا مستقلًا عن دور المسلسل الذي تقدّمه في أحيان متفاوتة، فلا تتحدث عن ثيماته المركزية أو موضوعه المتناول. في هذه الحالة، تتحدث الأغاني عن مضامين عامّة أكثر، وتقدّم قيمًا أخلاقية ومنظومات اجتماعية هامّة ودارجة في حياة الطفل. مثال على ذلك هو أغنية مسلسل إيروكا، الذي يتناول قصة المغنّية إيروكا التي تفقد والديها في حادث طرق، ويقوم شريك والدها باستغلال موهبتها في الغناء لكسب المال. على غرار قصة المسلسل، تتناول أغنية الشارة الخاصّة به ثيمة الأحلام: "رسمتُ بيتًا صغيرًا أسميتُه الأحلام، في قلبي ينام وأزوره في كل منام..."
يُعتبر الوطن ثيمة شائعة جدًا في أغاني الشارة المعروضة على قناة سبيستون، وتعتبر ثيمة مثيرة جدًا للاهتمام بحيث أن الأغاني عن الوطن تكون عادةً أغاني لمسلسلات تتناول قصة دفاعٍ وحماية للكرة الأرضية ولا تتحدث بالضرورة عن الوطن بمعناه الحرفي، إمّا من غزوٍ خارجي أو من كوارث طبيعية وحربية أخرى. من خلال هذه الأغاني، قد يظن المستمع البالغ أنه يستمع إلى أغنية وطنية لدولة عربية، لاحتوائها على كلماتٍ قد ترمز إلى الوطنية والانتماء والتضحية في سبيل الأرض والوطن. المقاطع أدناه هي أمثلة على فكرة الوطن المتكررة:
"شرفُ الوطن أغلى منا ومن
ما قد يجولُ بفكرنا في أي زمن
شرفُ الوطن هو أرضي
شرفُ الوطن قبلي وبعدي
شرفُ الوطن مرآةُ مجدي
سيفي ورُمحي في وجه المِحن..."
(صقور الأرض)

"ما عاشَ الظالمُ يسبيكِ
وفينا نفسٌ بعد
بحنيني بدمي أفديك
وروحي تُنبتُ مجد..."
(هزيم الرعد)

"أرضنا يا جوهرةً في السماء
يا أمّنا، نادينا وسنلبّي النداء
أرضنا يا جوهرةً في السماء
نادينا وبالأرواح نلبّي النداء..."
(فرسان الأرض)

تناولت أغاني الشارة كذلك مضامين عامّة كأهمية الصداقة والعائلة، واحتوت على جُمل تحث على التمسك بالأمل والتحلّي بالشجاعة في جميع المواقف. علاوةً على ذلك، شملت مقارنةً واضحةً بين الخير والشر، باستخدام استعاراتٍ مألوفة للأطفال، كتشبيه الخير بالنور والشر بالظلام في أغنية مسلسل حكايات ما أحلاها: "في قصةٍ تروي الكثير، الخيرُ شمسٌ لا تغيب، تظل في الدنيا تنير، والشر يبقى في المغيب." وفي أغنية مسلسل باتمان: "الحارس الذي لا يهادن الشر ]...[ ضوءٌ لمع وسط المدينة، رسم نداءً لمنادينا..."
يتخذ الخيال العلمي محطةً في أغاني الشارة ذاتها، ويقدّم التطور العلمي الخيالي على أنه عالمٌ غريبٌ وجديد، حافل بالمخاطر، ولكنه أداة مفيدة ما إن تم استغلالها بشكل إيجابي، كما في أغنية مسلسل بوكيمون: "... عن بوكيمون، أداة السلام، قوةٌ لا تُهان..."، ومسلسل الماسةُ الزرقاء: "... بريقها يخفي أسرارًا ويخطف الأبصار، خيرٌ هي بيد الخير، شرٌ بيد الأشرار..."

أغاني الشارة لمسلسلات قناة سبيستون هي بمثابة إرث ثقافي لأطفال التلفاز، ليس فقط لسهولة حفظها وترديدها على المسامع، بس أيضًا لعمق مضامينها ومستواها اللغوي الرفيع، ولما تحمله من زخمٍ شعوري. خيرُ دليلٍ على ذلك هو وجود عدد كبير جدًا من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، المختصة بتوثيق هذه الأغاني وإعطاءها منصةً حديثة بعد أن ابتعد الأطفال عن التلفاز وتوقف عرض هذه المسلسلات. كما ويتم الحديث عن هذه الأغاني في صروحات أكاديمية عربية عديدة، ويتم تناولها من العديد من الجوانب التحليلية.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق