حكايا

في بيتنا وطن: سطحية واستهزاء بالقارئ الصغير


في بيتنا وطن: سطحية واستهزاء بالقارئ الصغير
إذا كان هدف المؤلف كتابة نص وعظيّ فقط، فقد نجح بطريقة ما، ولكن هذا لا يجعل النص جيداً من الناحية الأدبية، ولا مناسبًا للقراء الصغار
كتب: لؤي وتد

"لا أقصد اهانة نقاد أدب الأطفال في الصحف المحلية والاعلام الجماهيري، ولكنني لم أقرأ أبداً أيّ قراءة نقدية وسلبية لكتاب ما للأطفال أو للفتيان. على ما يبدو، كل شيء على ما يرام في أدب الأطفال والفتيان. لا يتطرق النقاد أبداً لما هو جيد أو سيئ في أدب الأطفال، ولكن يمكننا الاستنتاج من كتاباتهم عمّا هو مناسب للأطفال."
كتب هذه الكلمات أحد أهم باحثي أدب الأطفال، جاك زايبس، في مقاله "لماذا ليس هناك أدب للأطفال". منذ كتبها زايبس عام 2001، ما زال أدب الأطفال عندنا يفتقر للنقد اللاذع في مجتمعنا المحلي، لهذا أشعر بحاجة ماسة لكتابة نقد أيضاً للكتب التي أشك، بشكل شخصي، في جودتها ونوعيتها.
ليس هناك ما يثير غضبي ويوقظ حزني أكثر من أدبٍ يستهزئ بقرّائه وينظر إليهم بنظرة استعلاء واستهتار.
"في بيتنا وطن" لـد. محمد خليل، من اصدار مكتبة كل شيء عام 2012، هو أحد هذه الكتب. الكتاب يسوّق نفسه ككتاب "للمرحلتين الاعدادية والثانوية"، إلا أنه أقرب لأن يكون كتاباً للمرحلة الابتدائية، ليس فقط بمضمونه، انما أيضاً بتصميمه. على الغلاف نرى فتاتين شقراوين بعيون زرقاء لا تشبهان المجتمع العربي أو الفلسطيني بأي شكل، بل هما تمثيل واضح لنموذج الجمال الغربي الاعلامي والشعبوي – "شقرا وعينيها زرق". غير أنه من الجلي أن الرسومات هي مجرد صور تم تحميلها من الشبكة دون أي جهد يُذكر. وكل هذا بالاضافة لخلفية وردية صارخة، تُمثل رؤية الكتاب "الوردية" المتطرفة للواقع. احدى الفتاتين على الغلاف تحمل بيدها كتاباً آخر، وبشكل مفاجئ جداً، ليس هذا الكتاب سوى "بيّارة جدي" – كتاب آخر لـد. محمد خليل صدر عن ذات السلسلة – "أغصان الزيتون". حركة تسويقية رخيصة وهازئة بجماهيرها.
هذه الحركة التسويقية لا تتوقف عند الغلاف فقط، بل تتكرر أيضًا في نص الكتاب، إذ تحصل البطلة في القصة على كتاب "بيّارة جدي" وبكلمات د. خليل "تختار وطن قصة <بيارة جدي> من بين جميع الهدايا وتطلب من جدها، أن يقرأها لها". نعم، هذا بالضبط ما قرأتم!
أما بالنسبة للمضمون، فهي قصة بسيطة جداً قد تناسب أجيال 7-8 سنوات، ربما تصل إلى 10 سنوات، ولكن أكثر من ذلك تصبح مجرد قصة ليس فيها أي ذكر لتقنيات وجماليات أدبية تستثير تفكير ومتعة القراء. القصة تحكي عن طفلة اسمها وطن، تحبها عائلتها ويعشقها جدها ويتغنى بحضورها "في بيتنا وطن، في بيتنا وطن!". تواجه وطن مرض ما فتصل للمستشفى، ويمرض جدها كذلك. وتستمر القصة إلى أن تصل النهاية السعيدة، كما هو متوقع من نص وعظي وتربوي مثل "في بيتنا وطن". الأحداث في القصة بسيطة جداً وغير مركبة ولا مثيرة، بل سطحية ومجردة إلى درجة أنها أصبحت في مرحلة معينة متوقعة جداً.

هذا النوع من الكتب جاء لتربية الأطفال فقط، وليس لاعطائهم أي متعة أدبية

بالإضافة إلى هذا، يشعر القارئ منذ بداية القصة بالوعظية والتربوية الشديدة باختيار الكلمات، وفي كل صفحة يقرؤها، وكأنه يقرأ نصاً وعظياً أكثر منه نصاً أدبياً. ان كان هدف المؤلف كتابة نصّ وعظيّ ليس إلّا، فقد نجح بطريقة ما، ولكن هذا لا يجعل النص جيداً من ناحية أدبية، ولا مناسباً للقراء الصغار. هذا النوع من الكتب جاء لتربية الأطفال فقط، وليس لاعطائهم أي متعة أدبية، وأظن أن هذه المتعة هي بالضبط ما يحتاجه ويبحث عنه القراء الصغار عندما يختارون المطالعة الخارجة عن المنهاج الدراسي – فالوعظية تملأ النصوص الدراسية وما زلنا لا نرى أي ارتفاع بنسبة القراء الصغار بل العكس تماماً. يهمني أن أذكر هنا أن الوعظية والتربوية هما هدف جيد في أدب الأطفال، ولكنهما غير كافييْن بتاتاً ليجعلا الأدب مناسباً وممتعاً للأطفال والفتيان- بالذات عندما نتحدث عن الأجيال التي تتوجه إليها "في بيتنا وطن".
أما الرسومات في داخل الكتاب، فمن الجلي أنها مجرد رسومات عشوائية تم تحميلها من محركّات البحث الالكترونية. وحتى هذه العملية البسيطة جداً لم تحصل على الحد الأدنى من الجهد، حيث الشخصيات تختلف من رسمة إلى أخرى؛ فوطن في الرسمة الأولى ليست نفسها وطن في الرسمة الأخيرة، ولا الجد هو نفسه. باختصار: الرسومات تكمل مسيرة الاستهتار والاستهزاء بالقارئ وبأبسط دقة ملاحظة قد تكون عنده.
بالنسبة للرمزية في القصة، قد يقصد المؤلف التطرق إلى قضية الوطن وعلاقة العجوز بوطنه، إذ يمرض عندما يمرض الوطن ويشفى معه كذلك. ولكن ان كان هذا هو المقصود، فاختيار اسم "وطن" للبطلة يضفي سطحية شديدة على هذه الرمزية ويُمثل استهزاءً كبيرًا في عقول وفطنة القُراء، فيعطيهم التحليل والمقصد بشكلٍ مباشر من غير أي تقنية أدبية تستثير تفكيرهم.
بالرغم من كل هذا، لابد من ذكر نقطة ايجابية واضحة لا يستهان بها في الكتاب – هي اللغة التي كُتب فيها. يُذكر بحقها أن اللغة في الكتاب متينة وفصيحة ومناسبة لأجيال الاعدادية. ولكن اللغة وحدها لا تكفي لتسد عن الأدبية الركيكة في المضمون.
في النهاية، هذه مجرد قراءة شخصية للنص، وليست حصرية ولذلك أدعو كل من يثير اهتمامه القاء النظر مرة أخرى على الكتاب واختيار موقفه الخاص منه، كباراً وصغاراً. من وجهة نظري الشخصية، هذا الكتاب هو مجرد استهزاء بالقراء ورؤية سطحية جداً لقدراتهم وذكائهم. في هذا الاصدار، لا ألقي اللوم على المؤلف، بل وبشكل حصري، على دار النشر التي قررت اصدار نصّ من دون أيّ أدنى جهد أو محاولة لتحرير النص أو فحصه أو حتى تصميمه بشكل مقبول.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق