لا تُعدّ أستريد ليندغرين اسمًا لامعًا في سماء أدب الأطفال، فحسب، بل تُوزّع على اسمها بشكل سنويّ واحدة من أرفع جوائز أدب الأطفال في العالم، بقيمة خمسة ملايين كرون سويدي (نحو 600 ألف دولار أمريكيّ)، تمنحها الحكومة السويدية لكلّ منظمة أو باحث/ة أو كاتب/ة أو رسام/ة، يساهم بتطوير وتعزيز القراءة للأطفال. تقدّم الحكومة السويدية هذه الجائزة لتعزيز مكانة الكاتبة السويدية أستريد ليندغرين وللمحافظة على ذكراها بعد وفاتها سنة 2002.
ولدت أستريد سنة 1907 في أرياف فيمربي بمقاطعة سمولاند السويديّة، وترعرعت في عائلة قارئة بشكل ملحوظ. استمعت إلى الكثير من القصص والحكايات من عائلتها وجيرانها، وفي شبابها بدأت بالعمل كمدقّقة لغويّة في الصحف المحليّة. في سنة 1926، اضطرّت للسفر إلى العاصمة ستوكهولم وهناك تعلمت الكتابة والاختزال، بالاضافة لعملها الصحفيّ في التدقيق اللغويّ. في عام 1931، حصلت على اسم ليندغرين، بعد زواجها من ستوري ليندغرين.
رُزقت أستريد ليندغرين بولد وبنت، وقد أثّرا تأثيرًا كبيرًا على حياتها ككاتبة للأطفال. يقول ابنها إنّها لم تكن تجلس كما باقي الأمهات لتشاهد أطفالها يلعبون، بل كان تشاركهم اللعب وتتصرّف كالأطفال معهم. لابنتها بالذات، كان تأثير مباشر على كتابة قصتها الأشهر والأكثر نجاحًا بيبي ذات الجوارب الطويلة (أو جنان في ترجمات أخرى للعربية). تحكي أستريد أنّ ابنتها كانت مريضة في السرير بسبب التهاب رئويّ، وطلبت منها أن تحكي لها قصصًا عن الطفلة بيبي، وعندما سردت لها مغامرات حول هذه الشخصية، قرّرت أن تجمع القصص وتنشرها، وهذا ما حدث عام 1945 بعد أن فازت قصص مغامرات بيبي بجوائز دار رابين وسجوجرين (Rabén & Sjögren).
تتمركز قصص ليندغرين حول فكرة تطوير تفكير الأطفال وحثّهم على اتخاذ القرارات وحدهم. ما ميّز قصص ليندغرين عن غيرها في تلك الفترة، هو تشجيعها لتمرّد الأطفال على مسلّمات المجتمع والمفهوم ضمنًا فيه. شخصيّات ليندغرين هي شخصيّات قوية ونبيلة وشجاعة، تتّخذ بيدها زمام الأمور وتواجه المصاعب بنفسها. شخصيّة بيبي مثلاً هي شخصية طفلة غنية وقوية تسكن وحدها مع قردها الأليف وحصانها من دون أيّ حاجة لبالغين في حياتها. إنّها تحترم الكبار، ولكنها لا تتنازل عن حقها أبدًا، ما يسبّب لها الكثير من المتاعب في عالم يحكمه الكبار. بيبي تمثل الحرية التي يحلم فيها الأطفال والقدرة على السيطرة على العالم المحيط بهم. حرية من قوانين المجتمع والأخلاق، وحياة استقلالية من دون أيّ أمر مفروض أو ممنوع ومقبول.
بعد "بيبي ذات الجوارب الطويلة"، أصدرت أستريد ليندغرين أكثر من 100 قصة تُرجمت غالبيتها إلى 76 لغة من لغات العالم وبيعت نسخها بالملايين حول العالم. غير "بيبي ذات الجوارب الطويلة" أصدرت ليندغرين سلاسل أطفال أخرى حقّقت نجاحًا كبيرًا، مثل سلسلة أطفال بيليربي أو أطفال القرية الصاخبة (1946 - 1953)؛ سلسلة كارلسون فوق السقف (1955 – 1972) وسلسلة ميديكن (1960 - 1993). في أعقاب كلّ واحدة من هذه القصص و"بيبي" بالذات، صدرت العشرات من المسرحيات والأفلام والألعاب التي تضع هذه الشخصيات في مركزها.
تعتبر أستريد ليندغرين، اليوم، كاتبة الأطفال الأكثر ترجمة بعد هانس كريستيان أندرسن والأخوين غريم، وتحمل المرتبة الـ 18 بين المؤلفين الأكثر ترجمة في العالم، بالإضافة لكونها الحائزة الثانية على أرفع جائزة لأدب الأطفال في العالم، وسام هانس كريستيان أندرسن، سنة 1958، على رواية "راسموس والصعلوك".
تعليقات (1)
كاتبة لها حياة ملهمة, تثير الفكر والخيال , تحترم وجدان الطفل وحقوقه. أشكركم على الاعداد والكشف لنا على هذه الكاتبة العالمية.
إضافة تعليق