حكايا

حكاية لعبة: عن النظام والسادية في غرفة الألعاب


حكاية لعبة: عن النظام والسادية في غرفة الألعاب
قراءة تحليلية للفيلم الأول في السلسلة، عشية صدور الجزء الرابع في هذه الأيام...
لؤي وتد

في هذا الأسبوع يصدر الجزء الرابع من سلسلة أفلام حكاية لعبة – Toy Story، وبهذه المناسبة نقدّم لكم قراءة نقدية لدروس علم النفس المختلفة التي يتطرق إليها الفيلم الأول في السلسلة. فيلم حكاية لعبة يعتبر أنجح فيلم لشراكة ديزني وبيكسار، وهو بلا شك أحد أهم أفلام القرن العشرين، وأكثرها تأثيرًا على ثقافة أفلام الأطفال.

قصة حكاية لعبة

صدر فيلم حكاية لعبة عام 1995 وهو فيلم استوديو بيكسار الأوّل الصادر بشراكة مع شركة والت ديزني. يحكي الفيلم قصة دمى الأطفال وحياتها من وراء الكواليس، إذ يقترح أنها تتصرّف كدمى خاملة بحضور الأطفال وتعود إلى الحياة في لحظات سهوهم. يتمحور الفيلم حول قصة دمية راعي البقر الضابط المأمور وودي، ودمية جندي حرس الفضاء بظ يطير (أو Buzz Lightyear أي باز سنة ضوئية). يبدأ الفيلم بيوم ميلاد آندي، الذي يحصل على أجدد دمية في السوق، دمية بظ يطير. ألعاب ودمى آندي المختلفة تُعجب كثيرًا بالدمية الجديدة، وبدورها تثير غيظ وغيرة وودي، الذي يشعر بأنّ اللّعبة الجديدة سلبت منه مجده وحبّ الطفل آندي له. يزداد غضب وودي، كون بظ يدّعي كونه جنديًا من حرس الفضاء الحقيقيّ، وينكر كونه مجرد دمية. خلال الفيلم يخوض وودي وبظ مغامرة مشتركة في محاولة العودة إلى المنزل، والسقوط سبيًا في بيت سِيد- ابن الجيران. سِيد يسيء التعامل مع الدمى والألعاب ويحب تعذيبها وضربها بطرق ابداعية. وجود وودي وبظ في بيت سِيد يهدّد حياتهما، ما يضطرهما للتعاون والعمل سوية للنجاة. خلال عملية انقاذ رائعة يقوم خلال كل منهما بالتضحية بالمخاطرة بحياته من أجل الآخر، وهكذا يتحوّل العدوّان إلى صديقين.

دمى ومشاعر جيّاشة

قصة الدمية التي تكتنز روحًا وتعود إلى الحياة هي ليست حصرية لحكاية لعبة، بل شهدناها سابقًا في الكثير من قصص الأطفال، وأشهرها قصة بينوكيو طبعًا. لكن ما يميّز حكاية لعبة عن غيرها وعن كافة ما سبقها، هو كون بطليها -وودي وبظ- شخصيّتين تحملان نفسًا مركّبة جدًا ومشاعر جيّاشة تؤثر كثيرًا على مجرى الأحداث. فكلاهما شخصيتان تحملان نفسًا مُركّبة أكثر من معظم شخصيات ديزني حتى هذا اليوم. غيرة وودي من قدرات زميله الجديد لرف الألعاب، يحوّله إلى شخصية تتمكن من استيعاب الفروقات الطبقية والمَبنوية بين دمية راعي بقر يمكنه اقتباس جملة أو اثنتين فقط، ودمية حارس فضاء يصدر أصواتًا وأنوارًا وشمل أجنحة وغيرها من الأدوات التكنولوجية الجديدة. كذلك هي المشاعر التي يواجهها بظ في ايمانه المطلق بكونه جنديًّا حقيقيًّا يحاول التواصل من قاعدة حرس الفضاء بفشل ذريع ومتكرّر. مأساة بظ في اكتشافه أنه لا يستطيع أن يطير، وأنّ كلّ ما اعتقده وفكّر فيه حتى تلك اللحظة، كان كذبة، لا تقل كارثيّة عن مأساة قتل موفاسا في "الأسد الملك".

عرض نفسية كل واحد من الأبطال بهذا التفصيل يخلق عند المشاهد تعاطفًا كبيرًا جدًا معهم، ولكنها كذلك تساعده على التعامل مع مشاعره بنفسه بصورة ناضجة أكثر. فالفيلم يعرض للمشاهدين صورة واقعية جدًا لطبيعة مشاعر الغيرة بين الأخوة، ويعطيها شرعية ويتعامل معها بكامل الجدية. حقًا، أحيانًا يكون أحد الأخوة مميّزًا، والفيلم يشجع التميّز الشخصي؛ فبينما بظ يطير يتميّز بقدرته على "الطيران" والسيطرة على التكنولوجيا، يتميّز وودي بقدرته على القيادة وعلى التخطيط.
في تحليل آخر يمكننا التطرّق لإصطلاح يستعمله الأستاذ بطاطس في وصفه لوودي وهو أنه يشعر بـ "غيرة الليزر". كل من يعرف علم النفس التحليلي المعتمد على نظرية فرويد، يعرف مصطلح غيرة القضيب أو حسد القضيب (penis envy)، الذي يستعمله فرويد لوصف العلاقة بين الأولاد والبنات، وتفسير غيرة البنات. بحسب فرويد ما يشرح نفسيّة البنت هو "أنّها تشعر بالإحباط، وتصرّح تكرارًا بأنها تتمنَّى أن يكون لديها عضو مماثل، وتقع بذلك ضحية الرغبة بامتلاك قضيب، الرغبة التي تترك آثارًا لا تُمَّحى في نفسيتها وتكوين طبعها". هذا بالضبط ما قصده الأستاذ بطاطس في وصفه لوودي وغيرته من قدرات الليزر الموجودة عند بظ. يمكننا موافقة فرويد أو دحضه، ولكن في حالة وودي، غيرة الليزر واضحة طيلة الفيلم. فهل هي نابعة عن شعور بالغيرة أم محاولة للحفاظ على النظام؟ يبقى الجواب هو خيار شخصي في قبول كلا التحليلين أو أحدهما.

عن النظام والفوضى

في إحدى القراءات التحليلية للفيلم يدور النقاش حول فكرة توظيف وودي كضابط مأمور، أي أنّ مركز حياته يتمحور حول الحفاظ على الأمن والأمان والتأكّد والسيطرة على النظام في البلدة – أي في غرفة الطفل آندي. منذ المشهد الأول للفيلم، يقود جيوش الجنود الخضر للتأكد من الهدايا التي حصل عليها آندي، ليعرف إن كان بينها أيّ تهديد على بلدته. تعريفه كشخصية مسؤولة بشكل واضح جدًا عن الحفاظ على النظام، يؤدّي لزيادة من حدّة صراعه مع الدمية الجديدة بظ، لعدة أسباب، أولها أنّ بظ يظن أنه من حرس الفضاء وليس مجرد لعبة. هذا الوعي الكاذب يقود وودي للجنون والغضب الكبير من بظ ويزيد من حدّة رفضه لبظ. بنظره، بظ يقود فوضى في البلدة ويؤدّي إلى وعي كاذب وإعجاب كاذب قد يغيّر ويزعزع ميزان القوى في غرفة الألعاب.
يمكننا توضيح هذا التحليل أكثر عند مشاهدة الفيلم وفهم أن وودي يحاول مساعدة بظ في عدة حالات، ولكنه هو نفسه من أوقعه في معظم المشاكل والمصاعب التي يمر بها.

بذور الشرّ والساديّة

مقطع آخر لا بدّ من التطرق إليه في الفيلم، هو مغامرة وودي وبظ في بيت ابن الجيران – سِيد. كما ذكرت سابقًا سِيد يسيء التعامل جدًا مع ألعابه، بعكس آندي، ولهذا فلديه في البيت مختبر حياكة ومنجرة فيها يقوم بخلع رؤوس الألعاب وتركيبها من جديد بصور جديدة وغريبة. قد نجد في بيت سيد دمى وطواط لديها رأس كلب، أو محارب لديه رأس أميرة، وغير ذلك. نشاط سِيد مع الدمى يذكّرنا بقصة فرانكنشتاين، المخلوق صاحب الجسد المركب من أعضاء مبتورة وُجدت في المقابر. ولكن سِيد هو أكثر من ذلك، فهو يمثل نظرية أخرى كتبها المركيز دو ساد، حول المشاعر السادية الموجودة عند البشر. السادية هي مصطلح يستعمل لوصف اللذة الجنسية التي يتم الوصول إليها عن طريق إلحاق أذى جسدي أو معاناة أو تعذيب من طرف على طرف آخر، وهذا قريب جدًا وشبيه بتصرفات سِيد الذي يستمتع بتعذيب ألعابه.

في الفيلم، ليس هناك الكثير من التفصيل عن حياة سِيد، ولكننا نعرف أنّ والده شخص مُدمن على المشروب، ويمكننا استنتاج بطالته من مشاهدته يجلس باسترخاء مطلق أمام التلفاز. سِيد هو طفل مهمل بلا شك، كونه يتعامل بكل سهولة مع مواد خطرة مثل المتفجرات وعندما يشتري مفرقعات مكتوب عليها "يُرجى الإبعاد عن الأطفال"، لا يوقفه ولا يمنعه أحد. سِيد يقوم بكلّ هذه التصرفات لجذب انتباه والديه، دون جدوى – بالرغم من قدراته الابداعية في خلق وبناء ألعاب جديدة من قطع ألعاب مختلفة. سِيد هو الطفل المسكين الذي يضيع كل امتيازه بسبب اهمال والديه له. بالرغم من كل هذه السادية في تصرفاته تجاه الدمى، سِيد لطيف جدًا تجاه كلبه، ما يدلنا أنه ليس شريرًا وشرّانيًا بفطرته، ولكنه يستغلّ ساديّته لجذب الانتباه.

الأفلام القادمة

تلا فيلم "حكاية لعبة 1" فيلمان: "حكاية لعبة 2" و"حكاية لعبة 3"، والآن يعرض في دور العرض فيلم "حكاية لعبة 4" الذي سنواكب الكتابة عنه خلال الأسبوع القادم.
فيلم "حكاية لعبة 2" يحدث في متجر ألعاب، ويحكي قصة المأمور وودي الذي يتعرّض للإصابة في بداية الفيلم فيتم ركنه على الرفّ ويجد صديقه القديم المريض بسبب الركنة، ولما يحاول إنقاذه من البيع يقوم أحد المتجولين في معرض الألعاب المستعملة بسرقة المأمور وودي لأغراض ربحيّة. تدور القصة بعد ذلك حول محاولة أصدقاء المأمور وودي بقيادة بظ يطير لاسترجاع صديقهم وإنقاذه إلّا أنهم يجدوا الكثير من المفاجآت ولكنهم يعودوا إلى البيت في نهاية الفيلم وينضم إليهم الأصدقاء الجدد.

أما الفيلم الثالث، فتبدأ أحداثه في أن آندي قد أصبح في السابعة عشر. وبما أنه كبر على اللعب بألعابه وهو متأهب للذهاب للكلية، فهو يأخذ وودي معه ويحفظ الألعاب الأخرى في كيس قمامة حتى يخزنها في الخزانة. لكن أمه تضعها عن طريق الخطأ في سلة القمامة. تشعر كلّ الألعاب بأن أندي يسعى للتخلص منها، فتسلل في علبة تبرعات لدور رعاية الأطفال، فيما يحاول وودي الذي رأى الحقيقة أن يزيل سوء التفاهم الذي وقعت فيه الألعاب. في هذا الفيلم هناك نقاش كبير حول موضوع البلوغ وموضوع الكبر في السن، بالإضافة لمناقشة مواضيع مثل الرأسمالية والاشتراكية، التي تقودها بشكل مفاجئ دمية "باربي".

خلاصة

"حكاية لعبة" هي من أبرز سلاسل أفلام استديو بيكسار لأفلام الأنيميشن، وهو بلا شك أحد أكبر نجاحاتها. فلكل من لم يشاهد الأفلام – جاء الوقت لمشاهدتها، استعدادًا للفيلم الرابع في السلسلة.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق