حكايا

بين التربية والأدب: حوار في أدب الأطفال مع الباحثة جورجيا غريلي


بين التربية والأدب: حوار في أدب الأطفال مع الباحثة جورجيا غريلي
إذا أردت أن تكون مربيًا جيدًا فكن ماري بوبينز
لؤي وتد

معرض بولونيا لأدب الأطفال هو بلا شك أحد أبرز المنصّات المهنية المتخصّصة في أدب الأطفال عالميًا. يشمل المعرض سنويًا أكثر من 1400 دار نشر عالمية تعرض إصداراتها، ويزور المعرض حوالي 30،000 زائر متخصّص في عالم أدب الأطفال، الرسوم التوضيحية والمحتوى الالكتروني.
في السنوات الأخيرة بدأ المعرض بدعوة الكثير من الباحثين العالمين والمحليين في ايطاليا ليشاركوا في المعرض، وليقدّموا أبحاثهم ومهاراتهم في ورشات مختلفة وندوات حوار متعددة.
واحدة من هؤلاء الباحثين، هي الأستاذة الجامعة في جامعة بولونيا بروفيسور جورجيا غريلي، باحثة أدب الأطفال ومدرّسة مساق "مقدمة في أدب الأطفال". أصدرت غريلي كتابين في بحث أدب الأطفال، وعشرات الأوراق البحثية. كتاب غريلي Myth, Symbol, and Meaning in Mary Poppins، حاز على جوائز عالمية، وأصبح كتابًَا مركزيًا في نقد المناهج التربوية والتعليمية في أدب الأطفال.

ماري بوبينز التي يعرفها الكثير نتيجة فيلم ديزني -شخصية المربية البريطانية الصارمة ولكنها لطيفة ومطمئنة- هي بعيدة كل البعد عن الشخصية التي أنشأتها باميلا ليندون ترافرز في كتابها القصة في ثلاثينيات القرن العشرين. كتاب غريلي يلقي الضوء على ماري بوبينس الأصلية، ويعرض الدراسة الكاملة الوحيدة التي تغطي جميع كتب ماري بوبينز، وتكشف عن مدى تخريب شخصية ماري بوبينس من قبل ديزني. برسم أوجه التشابه المهمة بين شخصية المربية وحياة مؤلفة الكتاب، التي كانت تعمل مربية بنفسها، تكشف غريلي عن الطرق التي جاءت بها ماري بوبينز لزعزعة القواعد الصارمة للمجتمع الفيكتورياني في بريطانيا.

التقيت الباحثة والأستاذة الجامعية جورجيا غريلي في معرض بولونيا لأدب الأطفال، لمحاورتها في مسارها البحثي ورؤيتها الخاصة لأدب الأطفال.

كأستاذة جامعية أنت تدرّسين مساق "مقدمة في أدب الأطفال" في قسم التربية والتعليم في جامعة بولونيا. أليس لثقافة الأطفال قسم خاص في كلية الآداب في جامعة بولونيا؟
صحيح، أنا أدرّس هذا المساق لمربّين ومربّيات المدارس الابتدائية. عمليًا، طلّابي هم مدرّسو/ات المدارس الابتدائية من جميع أنحاء ايطاليا. قسم أدب الأطفال في جامعة بولونيا هو تحت إطار قسم التربية والتعليم. فقط في الدراسات العليا للقب الثاني واللقب الثالث، يصبح أدب الأطفال قسمًا من دراسات ثقافة الأطفال في كلية الآداب والثقافات.
أنا أرفض هذه القسمة من أساسها. لا أرى بأدب الأطفال جزءًا حصريًّا على مجال التربية والتعليم، فهو أوسع من ذلك بكثير. أدب الأطفال هو بلا شك أحد أنواع الآداب والفنون. لهذا السبب أحاول دائمًا تحضير طلابي وتدريسهم هذا النوع من النقد. ليس عليهم البحث عن مغزى تربوي في كل كتاب أطفال. هناك جمالية وشاعرية أدبية في النصوص عليهم أن ينتبهوا لها ويكونوا واعين لها. طبعا هذا بالاضافة إلى المتعة والمغامرة في أدب الأطفال، التي قد نفتقدها عند حصره في الأدب التربوي. يجب أن نتذكر دائمًا أنه في بعض الأحيان تكون القصة الجيدة هي عكس القصة التعليمية بشكل واضح. لأنه إذا كنت تريد قصة جيدة، فأنت بحاجة إلى المغامرة، وبحاجة إلى مقدار معيّن من عصيان البالغين، حتى لو كانوا والديك. على أدب الأطفال أن يقدّم للطفل إمكانية خوض تجارب الحياة بنفسه. أدب الأطفال التعليمي هو عكس ذلك، فهو يسعى لتلقين الدروس للطفل، ولا يترك لهم مجالًا للتجربة. لذلك هذا هو جهدي الرئيس لإقناع معلمي المستقبل بأن عليهم قراءة الكتب للأطفال من دون أيّ نية تعليمية، ومن دون أي درس محدد لتقديمه. فقط كهدية. أنت تتعلم الرياضيات في المدرسة، وتدرس الأدب، وتدرس القواعد، وبعدها، يأتي دور أدب الأطفال الذي بدوره يدعو الطفل لطرح الأسئلة. وهكذا يفعل الأطفال ما يريدون مع النص.

أنا أواجه هذه الترددات كثيرًا في ورشات كتابة أدب الأطفال، وعادة أواجه الكثير من التخوفات من قبل المربّين والأدباء الجدد.
فعلًا. هذا موقف شجاع يحتاج من المربّين الكثير من الجهد، لأنه يعارض، بصورة أو بأخرى، فكرة التعليم المبني على التلقين.

لو استلمت الآن منصبًا إداريًّا في الجامعة، ماذا كنت ستفعلين في قسم أدب الأطفال؟
أدب الأطفال هو بلا شك مجال بحث حدودي، أي أنه لا يدخل تحت الأطر التقليدية للأقسام الجامعية. إنه للأطفال ولكن يكتبه البالغون؛ إنه أداة تربوية ولكنه أداة أدبية؛ إنّه تربية ولكنه فنّ؛ إنّه علم نفس ولكنه علم ثقافي. لهذا برأيي يمكن تدريس أدب الأطفال في كافة الأقسام الجامعيّة، ولكن بلا شك الأمر المثالي هو تحويله لقسم بحدّ ذاته يجمع كافة الباحثين والمحاضرين من جميع المجالات. تخيّل لو كان هناك قسم أدب أطفال فيه مساقات عن الطفولة في علم النفس، والطفولة في الفلسفة وما إلى ذلك. أظنّ أنّ قسمًا كهذا هو حلم كل باحث. حصره في قسم التربية والتعليم هو تقسيم بيروقراطي مُضرّ برأيي لتطوّر المجال.

كيف وصلت إلى بحث أدب الأطفال كثقافة عامة ونقد لجهاز التربية والتعليم؟
أنا مهتمة جدًا بمجال الطفولة عامة. أعتقد أنّ الأطفال هم مخلوقات غامضة. يعتقد البالغون عادة أنّ بامكانهم فهم الأطفال، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ بمعظمه، وهو يحصل على الكثير من التأثير. أعتقد أننا نحن البالغين قد نسينا كلّ شيء عن طفولتنا. وأنا أدرس العديد من المقالات في علم النفس أو التعليم ولا أجد نفس الأشياء المنيرة التي أجدها في كتب الأطفال لفهم المنظور ووجهة النظر والطبيعة الحقيقية للطفولة. لذا أعتقد أنّ أدب الأطفال هو وسيلة أولية للدخول حقًا إلى لغز الطفولة والأطفال وكيف يرون العالم بطريقة مختلفة عنا، البالغين. الأطفال يفهمون العالم ويشعرون به ويتعاطفون معه بطريقة مختلفة عنّا.
وهذا يعطيني معيارًا أوليًا للحكم على كتاب الأطفال باعتباره جيدًا أو سيئًا، بناءً على ما يشاركني الكتاب به عن الأطفال الذين لم ألتقِ بهم ولا أعرفهم بشكل شخصيّ. أحيانًا أُفاجَأ من حبّ الأطفال لكتاب معيّن، وعندما أسألهم عنه فهم يبهرونني بأفكارهم الخارجة عن النمطية.

كيف توصّلت إلى هذه المفاهيم حول الطفولة؟
درست اللغات والأدب الأجنبي، وخاصة الإنجليزي والبريطاني وكما ذكرت، القسم الوحيد الذي كان يدرّس أدب الأطفال كان قسم التربية والتعليم. لذلك كان عليّ أن أذهب وأستمع إليها فقط لأنني أحببت أدب الأطفال بنفسي، تمامًا مثل الأدب. وهكذا بدأت أعتقد أنه يمكنني بناء جسر بين الأدب الأجنبي وأدب الأطفال. في بحثي الأوّل درست شخصية ماري بوبينز كمربّية أجيال. لكنها بلا شك واحدة من أكثر المربّيات اختلافًا عن مجال التربية اليوم.
ماري بوبينز تجنّد المغامرة إلى التعليم وكان ذلك بالنسبة لي هو أداة التربية والتعليم المثالية. إذا أردتَ أن تكون مربيًا جيدًا فكن ماري بوبينز. لذلك بدأت في إجراء بعض الاتصالات مع أحد أبرز أساتذة أدب الأطفال في إيطاليا، الشخص الذي أسّس مساق أدب الأطفال في ثمانينيات القرن الماضي. كان هذا أول حضور لأدب الأطفال في الأكاديميّة الايطالية. وهكذا بدأت مسيرتي. أصبح هو مرافقي في بحثي الدكتوراة، ومعًا تمكّنا من تجديد قسم أدب الأطفال في كلية التربية والتعليم.

إذًا ماذا تدرّسين في مساق مقدمة أدب الأطفال؟ ان كان في كلية التربية والتعليم وأنت ترفضين هذه القسمة، فكيف يتمثّل هذا في خطة التدريس في مساقك؟
هدفي هو تدمير كل الصور النمطية عن كتب الأطفال. كما ذكرت، كتب الأطفال الجيدة لا تسعى لتعليم الدروس للأطفال. لذا أحاول التمييز بين المنشورات المختلفة للأطفال وبين أدب الأطفال، فأدب الأطفال هو أولًا أدب وأداة تعبير فنية.

وكيف يمكن أن نميّز بين كلا النوعين؟
أولًا علينا تمييز الكتب الجيدة عن الكتب السيئة، والكتب النوعية عن الكتب التعليمية. مع مرور السنوات في تدريس أدب الأطفال، أدركت أنّ عددًا أقلّ من الطلاب يأتون إلى الجامعة بعد قراءة كلاسيكيات أدب الأطفال العالمية. لذلك وجدت نفسي مضطرة للبدء من هناك. دائمًا أبدأ من أليس في بلاد العجائب وبيتر بان، أي أنّها بداية تاريخيّة لتطوّر أدب الأطفال، وأحاول تعليم طلابي ماذا تقول لنا هذه الكتب عن الأطفال والطفولة.

هل هناك كلاسيكيات أخرى تركّزين عليها؟
طبعًا. أنا أبحث عن الكلاسكيات العالمية مثل أليس وبيتر بان وتوم سوير وبينوكيو.

بينوكيو كتاب ايطالي.
طبعًا، ما يسهل على الطلاب التواصل معه في البداية. أهمية هذه الكتب تكمن في أنها تحكي لنا أسرار الطفولة وتكشف لنا ألغازها وغموضها. انها تحكي لنا عن أطفال مختلفين عن الأطفال الذين نعايشهم في حياتنا اليومية، ما يفتح أمامنا الكثير من الآفاق لأطفال العالم وثقافاتهم المختلفة. هذه الكتب تستخدم الكثير من الاستعارات، وهي مفعمة بالرمزيات التي تتعدى السرد الخطيّ للأدب. بالطبع أنا أرى هذا الأدب كتحف فنية للبشرية. كتاب يمكنه استخدام الاستعارات لإخبارنا كل هذا الكم من الفكر والنقد وفك رموز غموض الطفولة هو بلا شك، تحفة فنية.

بالرغم من أنها كتابات صدرت في الماضي البعيد؟ أليس في بلاد العجائب وبينوكيو صدرا في القرن الـ19 وبيتر بان في بداية القرن الـ20.
طبعًا بكل تأكيد. أعتقد أنّ الكلاسيكيات تُسمّى كلاسيكيات لأنها حتى لو كانت مكتوبة في القرن التاسع عشر، فإنها ما تزال تخبرنا بأشياء حقيقية حتى اليوم. هذا بالنسبة لي هو تعريف الكلاسيكية. أنا أحاول جاهدة ايجاد أدب حديث يحاكي القيم العالمية ويتحوّل إلى كلاسيكية تبقى للمستقبل البعيد.
وطبعًا أحاول أن أجد في مؤلفين معاصرين يكتبون كلاسكيكيات قد يستمر نجاحها وتأثيرها إلى الأبد. لذلك أنا لا أصنع فرقًا محددًا بين بيتر بان أو أليس في القرن التاسع عشر وديفيد أولموند، وهو مؤلف بريطاني، أعشق جميع كتاباته وأشجع طلابي على قراءتها.

اذا تعتقدين انه هناك مفاهيم عالمية للطفولة وأمور مشتركة بين كافة أطفال العالم.
طبعًا، ليس عندي شك في هذا.

جزء من نشاطنا في موقع حكايا، هو دعم دور النشر المحلية من خلال مقالات نوفّرها عن تجارب مختلفة في تطوير أدب الأطفال حول العالم. طبعًا لقاؤنا اليوم في معرض بولونيا – وهو أكبر وأبرز معرض لأدب الأطفال في العالم – قد يدل أنّ لايطاليا باعًا طويلًا في مجال أدب الأطفال. كيف تطور المجال بهذه الصورة؟
أظن أن هذا النجاح هو نتيجة لبينوكيو. فقصّة بينوكيو هي واحدة من أبرز الكلاسيكيات العالمية منذ القرن التاسع عشر. إصدار بينوكيو دفع الكثير من المؤلفين الآخرين لكتابة من هذا النوع – أقصد كتابة المغامرات للأطفال. أحد أبرز هؤلاء المؤلفين هو إيميليو سالاغاري، الذي نشر كتبه كذلك في القرن التاسع عشر، حيث نشر عشرات النصوص التي أصبحت كذلك نصوصًا كلاسيكية في ايطاليا– عن مغامرات القراصنة، والبحّارين ورحلات الطيران الأولى. كتابات سالاغاري ترجمت كذلك للكثير من اللغات في العالم. ولكن منذ كارلو كولودي (مؤلف بينوكيو) وسالاغاري، كانت فترة سُبات كبير في إيطاليا حتى الستينات، فيها لم ينشر شيء قيّم ونوعي حقًا. ربما هذه الفترة تتشابه مع الاشكاليات المحلية التي تعرضها.

عمليًا سنوات السبات التي تتحدثين عنها هي سنوات الحرب العالمية، والاثنين والعشرين عامًا بعدها.
نعم، نوعًا ما. هذا ما حصل حتى الستينات، فيها بدأت مجموعة مؤلفين باصدار أدب نوعي جدًا مثل جياني روداري، المؤلف الرائع الذي حصل على ترجمات عالمية. لكن فترة سبات أخرى جاءت في السبعينات والثمانينات، حيث لم يحصل فيها تطوّر أو انتاج هام في مجال أدب الأطفال. في التسعينات بدأت مجموعة دور نشر صغيرة مستقلة باصدار كتب أطفال حديثة ورائدة في نوعيتها. دور النشر المحلية الصغيرة تمكّنت من الوصول إلى العالمية بعد حصولها على جوائز عالمية مثل جائزة معرض بولونيا لأفضل دار نشر. هكذا أصبح أدب الأطفال المصوّر أحد أبرز الاصدارات المحلية للأطفال، وازدادت المبارزة بين دور النشر على اصدار أفضل نصوص مصوّرة لكي تتمكّن من الدخول إلى القوائم العالمية.

ولكن ما الذي حوّل ايطاليا إلى رائدة عالمية في المجال؟
أظن أن هذا هو السؤال الأهم في يومنا هذا، فمن هذه التجربة يمكن أن تستفيد الكثير من الدول. ولكن، على حد علمي، لم يتم بعد بحث شامل لهذه القضية. أظن أن وجود المعرض بالذات في بولونيا، هو ما دفع دور نشر كثيرة للتركيز على أدب الأطفال ونوعيته. كباحثة في المجال، أسمع دائمًا الكثير من الاعتراضات على كون المعرض حصريًا للمختصين والعاملين في المجال فقط، فالكثير من الناس يرغبون في زيارة المعرض، من أهالٍ وأطفال. وجود المعرض في بولونيا حوّل المجال إلى فخر قوميّ ووطنيّ. لهذا السبب يمكنك أن تتجوّل في بولونيا وتجد العشرات من المتاجر المتخصّصة في أدب الأطفال، مقارنة بمدن أخرى فيها المتاجر هي متاجر كتب عامة مع قسم للأطفال. إلى جانب متاجر أدب الأطفال يمكنك أن تجد كذلك العشرات من الجمعيات والمؤسّسات التي تعنى بأدب الأطفال. في يومنا هذا، كل من يسعى لتطوير مشروع له علاقة بأدب الأطفال، يفضّل أن يؤسسه في عاصمة أدب الأطفال – بولونيا، بسبب وجود المعرض هنا وبسبب حضور أبرز دور النشر العالمية إلى هنا سنويًا.

من متابعتي للمعرض في السنوات الأخيرة، وجدت أن جوائز أدب الأطفال التي كانت حصرية على دور النشر بدأت بفتح أبوابها لتقديم جوائز للباحثين في المجال.
طبعًا، هذا تغيير ايجابي جدًا. في الكليات والجامعات الايطالية، يكتب الكثير من الطلاب أبحاثًا ممتازة حول أدب الأطفال، وأطروحاتهم تتحوّل إلى جدية ونظرية أكثر فأكثر. إضافة جوائز للباحثين الشباب في بداية طريقهم هي خطوة ممتازة. الاشكالية الوحيدة في هذه الجوائز أنها محصورة لطلاب الجامعات الايطالية حاليًا. ربما يتغيّر الأمر في السنوات القادمة.

حسنًا، بعد الحديث عن المثاليات والايجابيات للمجال، أود أن ننتقل للحديث عن الطرف الآخر لأدب الأطفال. كما تعرفين، يعيش الكثير من الأطفال حول العالم تحت صراعات سياسية واحتلال ومخيّمات لاجئين. وبعض هؤلاء الأطفال يواجهون أقسى أنواع العنف والاضطهاد. كيف يتعامل أدب الأطفال اليوم مع هذه المواضيع، وهل عليه أصلًا التطرق إليها؟
عامة، لا أعتقد أنّ على أدب الأطفال التعامل مع مواضيع عينية، لأنّ هذه الطريقة تأخذهم مباشرة للتلقين الذي يقوده البالغون في مناهج التعليم المألوفة. وإن تم عرض هذه الأمور بصورة صريحة أكثر من اللازم، سرعان ما يتحوّل الأدب إلى درس. لذا أظن أنه على أدب الأطفال التطرّق إلى هذه الصراعات السياسيّة والحروبات بطريقة غير مباشرة وغير صريحة، بطريقة استعارات شعرية وجمالية. يجب على أدب الأطفال أن يتطرق لموضوع اللجوء وموضوع التهجير بطريقة استعارات تمكّن القارئ من فهم القصة على هذا النحو، إلى جانب امكانيات تحليل وفهم أخرى. أظنّ أنّ أدبًا من هذا النوع الذي يستعمل استعارات ويحكي قصصًا قابلة للتأويل بصور مختلفة، هو أدب أفضل وأقوى. بهذه الطريقة يمكن للأدب أن يفاجئ الأطفال ويصدمهم، بالمفهوم الايجابي، أكثر من مجرّد قصة صريحة حول الحرب أو اللجوء.

وهل لديك أمثلة على أدب من هذا النوع؟
يمكن ايجاد الكثير من الأدب الذي يتطرق لأصعب الأمور من خلال قصص قابلة للتأويلات المختلفة. أنظر كافة إصدارات شون تان، التي تتحدّث عن الاحتلال واللجوء والحروب، من دون أن تكون صريحة، بل بكونها قصصًا بسيطة حول مخلوقات غريبة، إلا أنّ فيها رمزية مميّزة يمكن تأويلها.

صحيح. تمت ترجمة الكثير من نصوصه للعربية. حسنًا، كما تعرفين، لا يمكن انهاء حوار حول مجال أدب الأطفال من دون التطرق لسؤال العصر: هل الكتاب الورقي في خطر أمام الأجهزة الذكية والشاشات؟
آمل أنه ليس كذلك، لكن لا يمكنني أن أتنبأ حقًا. عمليًا يمكننا أن نرى أنّ الكتب الالكترونية والأجهزة الذكية موجودة في الأسواق عدة سنوات، ولم يحدث أيّ تغيير كبير حقًا يهدد الكتب الورقية. آمل أن الكتب الورقية تستمرّ وتبقى للأبد، فلها ملمس آخر يؤثر على كافة تجربة القراءة. الكتاب هو كتاب، لا يمكن مقارنته بأيّ شيء آخر. وكتاب الأطفال يشمل عالمًا بحدّ ذاته بواسطة الرسومات المرفقة له، ما يحوّل وجوده إلى ضروري. لا يمكن مقارنة هذا مع الأجهزة الذكية أو الكتب الالكترونية.

أجل، لا شك أن للرسومات في الكتاب الورقي دور مركزي في أدب الأطفال. خلال نشاطنا في السنوات الأخيرة في دفيئة حكايا، واجهنا الكثير من التحديات في قضية العلاقة بين المؤلفين والرسامين، في بعض الأحيان قد تكون العلاقة بينهم مفصلية لنجاح الكتاب.
طبعًا، هذه العلاقة بين الرسام والمؤلف هي أمر مركزي في أدب الأطفال. لكن لا يمكن للناشر فعل أيّ شيء في الموضوع. من الصعب ايجاد مؤلف ناضج كفاية لقبول التغييرات التي قد يجريها رسام معيّن على النص، وهذه العلاقة ليست أمرًا يمكن أن تتوقعه، أو أن تقوم بتدريسه أو ترويضه. هناك الكثير من الكتب التي تفشل بالذات لهذا السبب. برأيي، ليس هناك أيّ حاجة بلقاء بين الرسام والكاتب، يمكن لكتاب أن يكون رائعًا إذا كان للرسام والكاتب توافق ذهني وأدبي، وهذا يعتمد بالأساس على مهنيتهم وثقتهم بأنفسهم وبمهنية شركائهم. هذا يحتاج لنضوج أدبي كبير وإلى محرر مهني يتمكن من التوفيق بين كليهما.

هل لديك نصائح أخرى للناشطين في المجال؟ من دور نشر ومؤلفين ورسامين ومحررين.
ابحثوا عن قصص جيدة. قصص فيها تويست (تحوّل في الحبكة) أو انقلاب سردي ومغامرة، والقليل من الغموض، ليس في المفهوم البوليسي، بل مدى معيّن من الغموض الذي يتعدّى المفهوم ضمنًا. أحيانًا من الصعب تعريف هذا الأمر، والأصعب من ذلك هو تدريسه. أظن أن أفضل القصص هي التي تشوّق القارئ حتى النهاية. اكتبوا قصصًا يستمتع الجميع في قراءتها. اكتبوا قصصًا قابلة للتأويل والفهم والتحليل الشخصي، وابتعدوا عن الأدب الصريح، فليس هناك ما هو أكثر مللًا من قراءة كتاب فيه درس وتلقين صريح.

وككلمة أخيرة: متابعو موقع حكايا هم مختصون وأهالٍ فلسطينيون ومن العالم العربي، هل لديك رسالة أخيرة لهم؟
استثمروا في أدب الأطفال، استثمروا الأموال قدر الامكان في انتاج واصدار وتوفير أفضل كتب أطفال ممكنة. كلما قرأ أطفالكم أدبًا أفضلَ، خلقتم واقعًا ومجتمعًا أفضل. لا تبخلوا على أطفالكم. ربما يكون مجال أدب الأطفال هو أفضل استثمار من أجل مستقبل أفضل.

شكرًا جزيلًا أستاذة غريلي.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق